من الواضح أن عنوان المقالة يفصل بين مفردتين هما الإمام الحسين وعاشوراء, ففي الأعم الأغلب يرتبط شخص الإمام الحسين بعاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم حين مات قتيلا ً في كربلاء مع مجموعة من أصحابه وأهل بيته, فلا يذكر يوم عاشوراء إلا ويقفز إلى الذهن أسم أو رسم الإمام الحسين وأهل بيته وهم مضرجين بالدماء حتى لايكاد أن يفصل القارئ والمستمع أوالمتابع بين هاتين المفردتين. ولكن, ومن أجل الوصول إلى صورة أكثر وضوحا ً لما حدث في هذا اليوم سأفصل بين هاتين المفردتين بشكل تحليلي لأطرح سؤالا ً ربما لن يكون بريئا ً من أجل فهم أكبر لواقعنا اليومي على ضوء حادثة كربلاء. السؤال هو: هل هناك فرق بين الإمام الحسين وبين عاشوراء؟ وللتبسيط أكثر, أقول بأن الإمام الحسين رجل خرج لغرض الإصلاح في المجتمع الذي كان يعيش فيه, لكن فعله تحول إلى مأساة تراجيدية بمقتله مع صحبه وأبناء عائلته, أما عاشوراء فأنه يوم تقام فيه الشعائر الحسينية بمختلف أشكالها وأنواعها المتفق والغير متفق عليها بين الشيعة أنفسهم كالتطبير وضرب الزنجيل مثلا ً, إذن, هل هناك فرق أو رابط بين فكرة الإصلاح التي جسدها الإمام الحسين وبين الشعائر في يوم عاشوراء إذا ما أعدنا السؤال بصيغة أخرى؟
ولأجل معرفة الفرق بين المفردتين علينا جلب أمثلة عملية وواقعية من مجتمعنا وبيئتنا لفهم مايحدث على الأرض. نشاهد في عاشوراء مظاهر للحزن في أغلب المناطق في العراق برفع الرايات بألوانها المتعددة وخصوصا ً اللون الأسود تعبيرا ً عن الحزن على مأساة الحسين وأهله, وتوزع الأطعمة بأنواعها ويقرأ الشيوخ المحاضرات والمنشدين القصائد الحسينية على المنابر وينذر من يريد أن ينذر ويذبح من يريد أن يذبح الذبائح ويضرب من يريد أن يضرب نفسه بالزنجيل أوبالقامة ويحرق من يريد أن يحرق نفسه بالنار وبالجمر ويرفع من يريد أن يرفع الشموع ويلطم من يريد أن يلطم على وقع الطبول التي توحد الحركة والأبواق التي تلم الصفوف في جو جنائزي يتشح بالسواد الذي يغطي الشوارع والبيوت وكل شيئ حتى الملبس, بل الأكثر من ذلك أن مرافق الدولة تتوقف ويعلن ذلك اليوم عطلة رسمية يسبقها ويعقبها أيام من العطل الغير رسمية ولكن العمل يتوقف بها كتحصيل حاصل. في الحقيقة كل تلك المظاهر والشعائر والطقوس برزت بشكل واضح وجلي بعد سقوط النظام السابق إذ أن جلها لم يكن يمارس والقليل منها يمارس بشكل سري في البيوتات والمجالس الخاصة جدا ً خوفا ً من الوشاية التي كانت تؤدي إلى السجن أو مشنقة الموت. نعم, تلك هي الشعائر الحسينية حيث يروج لها رجال الدين من باب قوله تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب, حيث تم ربط تلك الشعائر بكل ماتحتوي بالنص الديني المقدس والذي سيقي تلك الشعائر من النقد والتصحيح أو حتى الإندثار.
ولكن, ومنذ سقوط النظام السابق, وبالرغم من تواصل التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتراجع منظومة القيم الأخلاقية والذي أسست له الحكومات السابقة ثم تفاقم بشكل مطرد بعد سقوط النظام السابق بالرغم من التحول نحو الديمقراطية وإرتفاع مردودات النفط الهائلة التي كانت ستعيد بناء البنية التحتية التي دمرتها المغامرات والحروب السابقة لم تستثمر فكرة التغيير والأصلاح التي دعا أليها الأمام الحسين والذي كان قدوة للكثير من الأحزاب والمنظمات والشخصيات التي تتسلم مقاليد الحكم منذ عشر سنوات. الشيئ الوحيد الذي حدث هو تنامي ظاهرة الشعائر الدينية بكل أشكالها وذلك بتأييد من قبل الأحزاب التي يبدو أنها مستفيدة من تلك الشعائر لترسيخ سلطتها وهيمنتها على الخطاب الشعبي بإسم الدين. سأعيد سؤال البداية بشكل مختلف, هل يوجد فعلا ً بيننا ضريح الإمام الحسين الذي نستعيد ذكرى مقتله كل عام؟ إذا قال قائل نعم, يوجد الحسين ويحيا بإحياء شعائره بيوم عاشوراء فمن حقي إذا ً أن أطرح سؤال آخر وهو, أين الإصلاح والتغيير الذي خرج من أجله الإمام الحسين, لماذا كل هذا الفقر والجهل والمرض والتراجع بكل المستويات وعلى جميع الأصعدة في حين أن من يمسك السلطة يدعي بأنه ينصر الحسين بإستذكار مظلوميته. هل يجتمع الحسين… ولا أقول عاشوراء بشكل مؤقت…بكل هذا التردي الذي نعيشه, أنه أشبه بمن يعيش في الظلام وبيده مصباح يلمعه كل عام لكنه لايعرف كيف يشعل الفتيل فيه, أو قل لايريد أن يشعل ذلك الفتيل لأنه سيصدر ضوء نورانيا ً يفضح كل ذلك السوء وكل تلك البشاعة التي يحملها صاحب المصباح. بالفعل, أن تلك المفارقة هي التي دعتني أن أفرق بين الحسين وبين عاشوراء, ولو على المستوى التحليلي فقط, والذي جعلني أشك بأننا نعرف الحسين حقا ً.
إذن, إذا كان الإمام الحسين فكرة للتغيير والإصلاح وأن عاشوراء هي شعائر لامعنى لها من دون إستعادة فكرة التغيير والإصلاح فدعوني أقول, مادمت فصلت بين المفردتين, بأن الإمام الحسين هو الأصل وأن عاشوراء هي الفرع, فلو قتل الإمام في التاسع من محرم لما كان هناك عاشوراء بل سيحل تاسوعاء مكانه. من هنا لابد تتبع خطوات تفريغ محتوى فكرة الإصلاح التي أسس لها الإمام الحسين. فبما أن الإمام هو الأصل وعاشوراء هي أثر لهذا الأصل فقد تم فصل عاشوراء عن الإمام الحسين أو فكرة الإصلاح التي أتى بها الإمام الحسين بربطها بفكرة الشعائر, والشعائر في الكثير من التفاسير القرآنية ومنها تفسير الطباطبائي هي مناسك الحج كقوله تعالى أن الصفا والمروة من شعائر الله, أي ربط كل ماهو مرتبط بعاشوراء بالعبادات الدينية وفصله عن الواقع العملي بعد أن إنفصل عن فكرة الإصلاح. كلنا يعرف بأن الإمام الحسين لم يخرج لإقامة الصلاة ولا لتحصيل الزكاة بل هو نفسه قطع مناسك حجته من أجل فكرة الإصلاح. ولهذا السبب يرفض شيوخ الدين تسمية تلك الشعائر بالطقوس بالرغم من أنه وصف علمي موضوعي يستخدم في مجال الإنثروبولوجيا. الخطوة الثانية هي جعل الشعائر هي الأصل والحسين هو الفرع من خلال إضفاء القدسية على تلك الشعائر لتتحول كالصوم والصلاة بعيدة عن النقد والتصحيح, وعلى هذا الأساس أصبح ممكن التسامح مع غياب فكرة الإصلاح عن المجتمع في نفس الوقت الذي لايمكن التسامح فيه مع غياب تلك الشعائر الحسينية وهذا الذي يحصل. الخطوة الثالثة هي ربط فكرة الشعائر بمصلحة تجارية وإستخدامها لترسيخ الهوية الطائفية وبالتالي أصبح الإمام الحسين وفكرته شيعيا ً من حيث لايدري, نعم, لقد كان الإمام شيعيا ً بمعنى أنه من شيعة علي بن أبي طالب والتي كانت بالضد من مصطلح عثمانيا ً أي عثماني الهوى بل أصبح شيعيا ً بالمعنى العصري المقابل لمعنى السني.
من هذا المنطلق أن جوهر فكرة الشعائر الحسينية لابد أن تدور حول فكرة التغيير والإصلاح الذي نحن بأمس الحاجة أليه وهو الذي دعا النظام السابق إلى منع المظاهر الحسينية التي كانت ستأسس للتغير والإصلاح ولكن, وبعد صعود نجم التيارات الإسلامية السياسية, بالخصوص الشيعية منها, غاصت فكرة التغيير والإصلاح لأنها لاتريد التغيير والإصلاح وإستحضرت فكرة الشعائر بكل قوتها لأنها تخدم أولا ً التحشيد والتخندق الطائفي, فالشعائر تحولت لشعائر للشيعة فقط مما يعزز الهوية الطائفية السياسية التي تستفيد منها الأحزاب السياسية في صراعاتها السياسية بل أدخلتها عنوة لكل المؤسسات الحكومية لتتم أسلمة الدولة بلون طائفي واحد. وعلى هذا الأساس منعت الحكومة, كما فعل النظام السابق, الشعارات السياسية في الشعائر الحسينية قبل سنوات مما أدى لسجال بين تلك الأحزاب. أما ثانيا ً فإن التركيز على الشعائر دون الإمام الحسين وفكرة الإصلاح التي قتل من أجلها يرتبط تجاريا ً بكل مكان ديني يجلب الزوار والمريدين والذي يضاعف أرباحهم في كل مناسبة دينية, إذ أن هناك خيط خفي بين بعض أطراف المؤسسة الدينية وبين التجار والمنتفعين بإسم الأمام الحسين الذين يدفعون الخمس وغيره لتلك الأطراف بشكل أو بآخر. فالإمام الحسين أصبح سلعة يتاجر بها هؤلاء من خلال إعلاء الشعائر الدينية على حساب فكرة الإصلاح بل والتركيز على كل ماهو غريب وشاذ من تلك الشعائر لجذب أكبر عدد ممكن من المريدين والمحبين للإمام الحسين. لست بالضد من فكرة الشعائر بل بالضد من فصلها عن فكرة الإصلاح, فالشعائر تكون فارغة المحتوى والمعنى إذا لم تكن ترتكز على فكرة جوهرية كفكرة التغيير والإصلاح, أي بتطوير فكرة الشعائر لتتحول لبرنامج عملي يسعى للتغير المجتمعي أولا ً والسياسي أخيرا ً أو بالعكس. فكما كان يخاف الحكام الظلمة من مجرد أسم الحسين فإنهم سيظلون يخافونه مادام هو حاضرا ً كرمز لفكرة التغير والإصلاح التي ستنتصر أخيرا ً كما ينتصر المعنى على الشكل لأنه أصل الأشياء.
https://www.facebook.com/imad.rasan