برهن النظام السياسي العربي الحديث ان بقاء ” الزعيم ” في سدة الحكم لفترات طويلة هو احد مصادر انتاج الديكتاتورية.ومن هنا و من اجل تجديد العراق وترسيخ التحول الديمقراطي الفعلي، يتوجب في المرحلة الحالية خاصة التزام اعضاء النسق للاعلى للسلطة بحصر بقائهم في مناصبهم ليس لاكثر من دورتين لبث الحيوية في العملية السياسية وفتح الابواب واسعة لإنخراط دوائر وشرائح اجتماعية فيها، وخلق اجواء تعزيز الوحدة الوطنية واقامة لدولة المتحضرة والمدنية التي تخدم الشعب باكمله، دولة تحترم بفعل مكونات المجتمع العراقي، ويكون الحاكم فيها موظفا لفترة زمنية محددة، لا حاكما ابديا او لعشرات السنوات، وهو ما رفضه التاريخ العربي بربيعه.ان الحاكم ( الملك رئيس جمهورية رئيس وزراء…) يفقد تواصله مع الواقع وحس تقييم الامور وفهم التطورا، عند بقاءه في السلطة لفترة طويلة، الا في الحالات النادرة جدا. ان التطورات التي مربها العراق منذ الدخول الامريكي2003 وحتى يومنا تبرهن على ان العراق لم يجد طريقه الصحيح للتطور لحد الان. بالدرجة الاولى ربما لأن ازاحة النظام الدكتاتوري تم مع الاسف الشديد، بايادي اجنبية،رغم انه انسجم مع ارادة الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي عربا واكرادا وتركمانا ومسلمين ومسيحين وغيرهم، ولكنه لم يأت للحكم بالقوى المطلوبة والمؤهلة لقيادة دولة تحت الانقاض. وهذا ما اصبح ورقة ” قذرة” بيد البعض للتشكيك بارادة العراقيين وسعيهم ومطامحهم بتصفية الدكتاتورية وبناء دولة عصرية متحضرة وديمقراطية دولة تحترم كافة مكونات المجتمع العراقي وتضمن حقوقهم في كافة المجالات.
ان بناء المجتمع الجديد ليست بعملية سهلة، الطريق نحوه وعر ومزروع بالاشواك ويقتضي الصبروالاناة والحكمة، وان الزعماء الذين يتمتعون بالنزاهة والشرف والاخلاص للوطن مدعويين للتحلي بتلك الصفات اولا، ثانيا ان يدركوا ان اسقاط ديكتاتورية صدام كان من المفروض ان تكون تدشين مرحلة جديدة بتاريخ العراق. ان الانظمة السابقة وحتى 2003 قامت على اسس طائفية ومحاصصة، والمفروض ان تقوم مرحلة ما بعد صدام على نفي تلك الأُسس وتجاوز لها، لا ان تكون امتدادا واستمرارا لنهج النظم العراقية السابقة. ان رؤية النظام الذي اقامه نظام نوري السعيد هو نفس رؤية الانظمة التي جاءت بعد ثورة 14 تموز ما عدى ربما فترة قصيرة من عهد قاسم، الذي اطيح به لانه ليس من النخبة التي ترى ان الحكم ينبغي ان يكون بيد طائفتها.
لذلك فان التغيرات المطلوبة بعد 2003 لا تقوم فقط على اسقاط النظام السابق والالتجاء الى الديمقراطية الشكلية الناقصة والمشوهه، ولا على تمسك شريحة او مذهب او طائفة محدد كانت مناؤة لذلك الحكم وتعرضت لاضطهاده بالسلطة، ان هذا المنهج لا يضمن للعراق قيام النظام الانساني الديمقراطي الذي يتيح لكافة مكونات العراق المشاركة بالادارة وتقرير المصير ويوفر العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لأبناء شعب العراق وتوظيف خياراته للتعمير والتطوير والانطلاق بنهضة اقتصادية تصل به الى مصاف الدول المتطورة والاضطلاع بدوره الحضاري الاقليمي والعالمي وهو يمتلك هذه المؤهلات. ان المجتمع العراقي بتشكيلته وذهنيته الراهنه هو امتداد لعصر الدولة العثمانية وربما العهود التي سبقتها، (دراسات علي
الوردي وغيرها برهنت على ذلك) والمطلوب من القيادة التي جاءت بعد نظام سقوط نظام صدام ان تقوم باحداث انقلاب جذري فيها، بتصفية الانتماءات المذهبية لتكون بديلا عنها المواطنة عراقية مع ضمان حرية العبادات الدينية. ان العراق وبفعل تكوينه الديني والمذهبي مرشح ولضمان استقراره والحفاظ على نفسه كدولة ومجتمع عراقي موحد ( رغم الغالبية المسلمة) لان يعلن نظام حكم بفصل الدين عن السياسة( ان بعض المرجعات الشيعية بدعواتها اليومية تقف مع هذا التوجه) .
ان العراق يمر اليوم بمرحلة انتقالية وصعبة وشائكة تتدخل في توجيهها ولمصالحها الخاصة قوى اجنبية، لكننها كعراقيين يجب ان نبدي الصمود والشرف والنزاهة والتضحية احيانا في تمكسنا ببلدنا وتطويره وتغيره والاستئناس بتاريخة العريق لنحافظ على وحدته الحالية. ان النجاح بهذا الاتجاه سيكون مفخرة عراقية جديدة. المهم هو ليس تفوق مكون اجتماعي او سيادة مذهب اوقومية على اخر وانما تأمين الحرية وتوفير الخيارات للجميع ، وان يكون الديني عامل للدعوة الى عدم الانحراف عن القيم الانسانية والتصدي لظلم الحاكم للمواطنيين لا الانخراط في العملية السياسية التي تنطوي على الكثير من الكبائر. ان النخبة في هذه الحالة مدعوة الى فتح الابواب امام تطوير العملية السياسية التي بدات منذ 2003 . وكسر ابدية السلطة بيد شخص واحد كنوري السعيد او صدام وغيرهم.ان واحدة من اكثر مبادئ المرحلة الجدية لعراق جديد تمكن في عدم تمسك الحاكم بالسلطة مهما كانت الاسباب والبراهين.
اننا نمر في مرحلة انتقالية ونريد ان نلغي وللنهاية تمسك الحاكم بالسلطة لمدى طويل مثل صدام حسين ومعمر القذافي وحسني مبارك وغيرهم وفي الانظمة الشمولية جوزيف ستالين وماوتسي تونغ وغيرهم، ان من المفترض ومهما كانت عبقرية وقدرات وحذاقة هذا الزعيم او ذاك ان يعطي للعراق فرصة تاريخية كبيرة بان الحاكم ليس خالد ولا ابدي ولاهو فلتة من التاريخ وانه ليس حمورابي ولاهارون الرشيد …ولاصدام حسين وانما هو موظف يتغير من حين الى آخر لاسيما وان البحوث اكدت ان اي زعيم لايمكن ان يدرك التطورات في بلدة بعد مرور فترتي حكم له. ان تمسك السيد المالكي بالسلطة ولو لاهداف يراها نبيلة وتخدم البلد ستكون اراد ام لم يرد بداية للعودة بنظام الزعيم الاوحد. هذا هو منطق التاريخ. لكننا اي شعب العراق نريد ان نرسخ مبادئ نظام منفتح وانساني وديمقراطي بديل لنظام صدام الذي ناضل ضده المالكي نفسه تاسيس وتجذير سياسة تبادل السلطة بشكل سلمي و لم تنجح الحكومات التي تعاقبت بعد انهيار النظام الديكتاتوري في توحيد القوى السياسية العراقية وجمع الصف عن طريق التفاهم والمساومات، ولم تصهركافة مكونات المجتمع في بوتقة واحدة مع الاحتفاظ بخصوصيتها، ناهيك عن الاخفاق بضمان الامن والسيطرة على الوضع والابتعاد اكثر عن الخطوط الحمراء بابتعاد العراق عن التفكك والانهيار ووضع البرامج حقا ان القيادة السياسية الحالية جاءت عن طريق لعبة انتخابية تمتلك شئ من الشرعية، لكن على رجل الدولة ان يدرك ان تطور العراق السياسي يعتمد كذلك على التغير المتواصل لرجال الحكم واحلال شخصيات جديدة، لتحقيق الاهداف الوطنية المنشودة.