محمد مهدي الجواهري او شاعر العرب الاكبر كما نحب ان نسميه علامة فارقة ومميزة في تاريخ الادب العربي المعاصر والذي لم يصل الى وفرة اعماله الشعرية احد لامن السابقين ولا المعاصرين فقد اثرى الساحة الادبية بمئات القصائد الواقعية المعبرة عن الحال وفي مختلف المجالات السياسية والفكرية والاجتماعية وحتى في مجالات الدين والعشق وكل شيء , وهذا العلم شانه شان غيره من العراقيين المبدعين صبغ حياته الناجحة بالصدق فلم يجامل ولم يهادن في قول الحق بل كان صوتا صادحا تمنى لشعبه الحياة الهانئة المستقرة وتعرض نتيجة لهذه المواقف لجملة من المضايقات والتهديدات بالاغتيال وتم طرده من جميع مواقعه في العمل الذي كان يكلف به وسافر خلرج العراق لاسباب عديدة منها المشاركات الادبية والنفي من قبل الدولة وكذلك للعلاج ولكن اشد واخطر ماتعرض له هذا العلم الادبي الكبير هو النظام البعثي الفاشي الذي اراد ان يروضه ويصبح بوقا له حاله حال الكثير من وعاظ السلاطين الذين ساروا في فلك النظام البائد ,الا انه رحمه الله رفض كل الاغراءات التي قدمت له وبقي مطالبا بتحسين حال الشعب وضرورة احترام الراي والمشاعر وهذا كان لوحده تهمة تؤدي بصاحبها الى الموت ,فكان ان غادر العراق مع مجيء صدام حسين الى السلطة عام 1979 وزار العديد من الدول وهو في سن الثمانين حينها وعقد الكثير من اللقاءات الفكرية والادبية طالبا نصرة الشعب العراقي في محنته ,منها دول عربية واجنبية كثيرة وفي نهاية عام 1989 استقر في سوريا شيخا طاعنا في السن لايقوى على الحركة الا ان قلمه ظل ساطعا منيرا لم يصدا .
وفي محاولة بائسة ويائسة اراد النظام السابق الانتقام من الجواهري وتحديدا بعد ان استلم ابن رئيس النظام عدي كل المفاصل الادبية والاعلامية والرياضية في العراق فارسل الى دمشق الشاعر رعد بندر باعتباره رئيس الادباء والشعراء العراقيين مع مجموعة من الكتاب والادباء في محاولة لجلبه الى العراق وهو في سن ال 94 وتنفيذ غايتهم الدنيئة به ولكن فراسة الاديب الكبير جعلته يعرف نواياهم برغم انه كان يصرح ان روحه باقية في العراق رغم الغربة المفروضة عليه وانه يود العودة الى العراق ليقضي ماتبقى من حياته بين احضان العراق ,رفض المرحوم الجواهري طلب عدي بالعودة وذكره بقرار ابيه الجائر بحقه هو والشاعر الكبير المرحوم عبد الوهاب البياتي باسقاط الجنسية العراقية عنهما واعتبارهما مواطنين غير عراقيين وكيف ان كل المحاولات التي اجراها الشاعران للعدول عن القرار باءت بالفشل وطلبوا منه ان يكون بوقا للنظام برغم ظلمه لشعبه ,وقال الجواهري لرعد بندر انني لو رجعت للعراق هل تضمن حياتي انا اشك لانك لاتضمن حياتك انت عندهم ,فكان ان كتب قصيدة طويلة ارتجلها عن العراق وهم جالسون عنده ابتداها بقوله احب عراقي نشرتها الصحف العراقية كلها في حينها في محاولة اخرى لغشه والكذب عليه وارجاعه الى الوطن .
ثم حاول وفد اخر ان يقوم بالمهمة نفسها عام 1995 ورفض المرحوم الجواهري استقبالهم لانه عرف غايتهم ومن ارسلهم ,فعاش شاعر العرب الاكبر بقية حياته في سوريا الى ان وافته المنية عام 1997 عن عمر يناهز ال98 سنة ,رحل وهو غير راض عن السلطة في العراق وهو الذي اعتبر نفسه ضحية للنظام وهو على قيد الحياة ,وهو الذي ارسل رسالة الى رئيس النظام عندما صدر قرار سحب الجنسية العراقية عنه يقول له من العراقي انا ام انت .
رحمك الله واسكنك فسيح جناته ,كنت محبا لعراقك وشعبه وكنت وفيا نادرا لتربتك رفعت اسم بلدك في كل المحافل فلم تقبل يوما ما ابدا ان تكون جائزتك ثانيا فكنت الاول على طول الخط مبدعا ملهما ووفيا .