بمبادرة من برلين ولأول مرة منذ عامين، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشار الألماني أولاف شولتس محادثات هاتفية ، أستمر لمدة ساعة واحدة ، وأثار هذه المكالمة ضجة كبيرة ، فبينما يقولون في أوكرانيا إن شولتز فتح صندوق باندورا، يربط بعض المراقبين الآمال في حل التناقضات بين موسكو والغرب بالمحادثة ، وبحسب ممثل مجلس الوزراء الألماني، ستيفن هيبستريت، أكد المستشار الألماني على ضرورة بدء حوار بين روسيا وأوكرانيا ، وأشار شولتز أيضًا إلى تصميم برلين على دعم القوات المسلحة الأوكرانية طالما كان ذلك ضروريًا.
وفي الوقت نفسه، قدم البيان الرسمي للكرملين جدول أعمال أوسع للمحادثة، وهكذا، ذكّر بوتين و شولتس ، بأن الأزمة في أوكرانيا ، كانت نتيجة مباشرة لسنوات عديدة من سياسة حلف شمال الأطلسي العدوانية، والتي تتجاهل تماما المصالح الأمنية لموسكو ، وأكد بوتين أيضًا أن روسيا منفتحة على استئناف المفاوضات ، والإشارة الى إن مقترحات روسيا معروفة جيداً ، وقد تم تحديدها، على وجه الخصوص، حددها الرئيس الروسي في خطاب ألقاه في وزارة الخارجية الروسية في شهر يونيو ، وشدد الكرملين ، على إن الاتفاقات المحتملة يجب أن تأخذ في الاعتبار مصالح الاتحاد الروسي في مجال الأمن، وأن تستند إلى حقائق إقليمية جديدة، والأهم من ذلك، القضاء على الأسباب الجذرية للصراع ، كما تحدث بوتين و شولتس عن العلاقات بين البلدين، وأشار بوتين إلى تدهورهم في جميع الاتجاهات ، بسبب المسار غير الودي للسلطات الألمانية ، وأضاف بوتين ، أن موسكو أوفت دائمًا بالتزاماتها التعاقدية والمعاهدية في قطاع الطاقة ، وبالتالي فإن روسيا مستعدة للتعاون متبادل المنفعة إذا أبدى الجانب الألماني اهتماما بذلك.
وبالإضافة إلى ذلك، تحدث السياسيون عن الوضع في الشرق الأوسط، وأخبر بوتين شولتس بالتحديد بالجهود التي تبذلها روسيا لخفض التصعيد في المنطقة، واتفقا على أن مساعديهم سيواصلون الحفاظ على الاتصالات في المستقبل، وبحسب السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، أنه لا يوجد حتى الآن حديث عن تطابق في الآراء بشأن القضية الأوكرانية، لكنه وصف حقيقة الحوار بأنها إيجابية ، وفي الوقت نفسه، انتقد الرئيس الاوكراني (المنتهيةولايته) فلاديمير زيلينسكي، دعوة شولتس، وقال “أخبرني المستشار شولتس أنه سيتصل ببوتين، وان اتصال أولاف، في رأيي، هو صندوق باندورا ، الآن قد تكون هناك محادثات أخرى ومكالمات أخرى ،
ومن الواضح بحسب رأي المراقبين ، أنه كان من المهم بالنسبة لشولتس ، أن يتحدث مع بوتين قبل أن يتحدث مع ترامب ، وان المستشار ، لم يتحدث فقط كممثل لألمانيا، بل عبر أيضًا عن رأي الاتحاد الأوروبي بأكمله ، ويقول عالم السياسة الألماني ألكسندر راهر ، ان أوروبا لا تزال في اللعبة ، وهذا مهم جدا ، فهناك وجهات نظر مختلفة في الاتحاد حول إمكانية الحوار مع روسيا ، وأن رئيسي وزراء سلوفاكيا والمجر، روبرت فيكو وفيكتور أوربان، يؤيدان التسوية الدبلوماسية، في حين أن عددًا من الدول الأخرى تعارض بشكل قاطع مثل هذا النهج.
وفي الوقت الذي عبر فيه الكريملين عن رضاه عن حقيقة المحادثة، لكنه نوه بالتناقض في آراء موسكو وبرلين ، الا ان بحسب بيسكوف، فإن “المناقشات كانت مفصلة وصريحة، لكن لا يمكن الحديث عن أي تطابق في الآراء هنا” ، في حين قال المستشار الألماني : “كانت المحادثة مفصلة، لكنها جعلتني أتوصل إلى إدراك عدم حدوث أي تغيير في آراء الرئيس الروسي ، وإن موقفه لم يتغير الكثير، وهذه ليست أخبارا جيدة ،لكن في رأيي، لن تكون فكرة جيدة لو جرت مفاوضات بين الرئيسين الأمريكي والروسي قريبا.
وفي المانيا أعتبرت المعارضة خطة شولتس بأنها قد تكون مناورة من قبله ، ورحبت سيفيم داغديلين العضو بالبرلمان الألماني عن “اتحاد سارة فاغنكنشت – حزب السبب والعدالة” اليساري بالمحادثة ، بين المستشار الألماني والرئيس الروسي ، وكتبت داغديلين عبر منصة “إكس” ، “حتى لو كان من الممكن اعتبار ذلك مناورة لتقديم نفسه كمستشار سلام في الحملة الانتخابية المقبلة للبوندستاغ، فإن حقيقة أن أولاف شولتس قد توصل أخيرا إلى مفاوضات مباشرة مع الرئيس الروسي بوتين ، بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا يجب أن تكون موضع ترحيب”.
وربما ينظر البعض إلى تصرفات شولتس ، باعتبارها خيانة لمصالح الاتحاد الأوروبي ، ومع ذلك، كان على المستشار أن يضيف اسمه إلى معسكر “قوات حفظ السلام” ، ويعتبر منافسه الرئيسي في الانتخابات، فريدريش ميرز، مؤيداً قوياً لاستمرار الصراع ، ومن المحتمل أن العديد من الألمان كانوا ينتظرون مكالمة هاتفية من رئيس الحكومة لبوتين ، في وقت تدعم العديد من المنشورات والصحف ميرز علنًا ، وفي الواقع، تبين أن نطاق القضايا التي تمت مناقشتها واسع للغاية ، فقد تحدث بوتين و شولتس أيضًا عن إمكانيات تشغيل نورد ستريم ، لكن شولتس لا يستطيع أن يتجاهل موقف بروكسل وباريس وأوكرانيا ، وبطبيعة الحال، كان لهذا العامل أيضا تأثير على المحادثة ككل ، وإن حقيقة إجراء المحادثة هي بالفعل نجاح كبير، مما يسمح بالحديث عن إمكانية حل التناقضات ، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به“.
إن المكالمة رمزية للحقيقة نفسها، كما كتب فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة “روسيا في الشؤون العالمية ، وإن الحاجة إلى التواصل مع الكرملين، والتي تم رفضها لمدة عامين ونصف، قد تم الاعتراف به مرة أخرى ، وهذا هو المكان الذي تنتهي فيه الأهمية، لأن الاتصالات بين الرئيس الروسي والقادة الأوروبيين ، لا يمكن أن يكون لها أي مضمون ذي معنى ، وعندما يتم طرح مسألة اتفاقيات السلام على محمل الجد، فإن رأي موسكو وواشنطن وكييف كطرف مباشر في الصراع سيكون مهمًا ، أما الباقي، في أحسن الأحوال، فسيحصل على دور داعم ، والشيء الأكثر أهمية هو أن شولتس ، اتصل عندما أصبح من الواضح أن الموقف الأمريكي سيتغير بشكل كبير.
ويؤكد المراقبون ضرورة التظاهر بأن أوروبا قادرة أيضًا على التصرف بشكل استباقي ، وبما أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه ما يقدمه حتى يتم تقديم شيء ما من الولايات المتحدة، فلن يكون هناك محتوى سوى تبادل الشعارات السابقة في محادثات الممثلين الأوروبيين مع بوتين ، وليست هناك حاجة للانتظار ، فإن حقيقة تبادل موسكو وبرلين ، لوجهات النظر على مستوى عالٍ لأول مرة منذ عامين، وإن كانت خطوة صغيرة، ولكنها مهمة نحو حل سلمي للصراع الأوكراني ، لكن إيفان كوزمين، من قناة “صديقنا ويلي” الصناعية، وهو خبير في الشؤون الألمانية، قال “لا ينبغي المبالغة في تقدير ذلك“.
واعرب المراقبون عن أعتقادهم ، أن المحادثة نفسها أصبحت ممكنة بفضل عدد من عوامل السياسة الداخلية والخارجية، التي أجبرت ألمانيا على أن تكون من أوائل الدول الغربية التي أخذت زمام المبادرة، فمن ناحية، جاء فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية بمثابة صدمة لألمانيا، حيث يصر الجمهوري على إنهاء الصراع في أسرع وقت ممكن،في المقابل، فإن شولتس بحاجة إلى تسجيل أكبر عدد من النقاط قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة.