تمر هذه الايام الذكرى 94 لتأسيس الجيش العراقي , فقد تأسس في 6 كانون الثاني 1921, ومن حق كل مواطن عراقي ان يتساءل كيف يمكن لجيش بهذا العمر وخضع لإعادة الهيكلة والتحديث لأكثر من مرة وقوامه اكثر من نصف مليون وصرفت عليه عشرات المليارات من الدولارات , ان يتعرض لانتكاسة في حزيران 2014 امام مجموعات ارهابية غير رسمية التكوين ؟ , وقد يعتقد البعض ان الاجابة عن هذا السؤال بمنتهى البساطة , عندما يعتقدون ان الاسباب تعود الى الفساد الاداري وضعف القيادات وإدخال غير المهنيين الى المؤسسة العسكرية , فلو كانت هذه هي الاسباب لامكن المعنيين معالجتها بسرعة من خلال اتخاذ مجموعة إجراءات للتصحيح , وقد بدأ القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع باتخاذ خطوات تصحيحية بالفعل ولكن ذلك لا يعني وضع كامل الحلول اللازمة للموضوع .
ان الاسباب التي نعتقدها تقف وراء الاداء المعروف للجيش في حزيران 2014 , او قبلها من التجارب ومنها على سبيل المثال معارك الفلوجة والنجف وما اسموها صولة الفرسان في البصرة وغيرها , متعددة ومعقدة ومتداخلة مع بعضها , وأولها ان من تولى بناء الجيش بعد حله بقرار امريكي فهم الامريكان انفسهم , ولهذا فقد تم بناء الجيش على وفق الاغراض الامريكية وليس العراقية , وثانيها ان الجيش لم يؤدي مهام الجيوش المعروفة في العالم فهو لم يتواجد في المعسكرات ويؤدي التمرينات والفرضيات الفعلية , وإنما كان يتواجد اغلبه في السيطرات وتأدية مهام تتعلق بخدمة وحماية الشخصيات والمقرات الحزبية والسياسية , وثالثها ان الغاء الخدمة العسكرية الالزامية قد اوجد طبقة من الباحثين عن الوظائف بالتطوع في الجيش , مما يعني ان هناك الكثير ممن جاءوا للجيش لكي يعيشوا وليس العكس , وقد اضيف لذلك ان منظومة الضبط العسكري التي هي اساس حصانة الجيش اتسمت بالضعف والتدني , فحتى التخاطب بين الادنى والأعلى تتم اغلبها على اساس تسميات اجتماعية وليس رسمية ( ابو فلان , حجي , مولاي , شيخ, استاذ ) .
ورابعها العلاقة السائدة بين الجيش والشعب , فالجيوش تتقوى بشعوبها كما ان الشعوب تتقوى بجيوشها وفي حالتنا فالعلاقة غير منسجمة , لان المواطنين يخافون من العسكري عندما تتم مداهمة منازلهم في اي وقت لأجل التفتيش , كما انهم يخافون منهم عندما يمرون بالسيطرات او عند حدوث انفجار , لان ما يحدث هو الرمي العشوائي بعد الانفجار واستخدام القوة ضد الذين نجوا منه , وبالمقابل فان العسكري لا يرتدي الملابس العسكرية عند انتهاء واجبه والذهاب للمنزل وبعضهم يخفي على اقرب الناس اليه على انه عسكري , وكأنه ينتمي الى مؤسسة سرية وليست رسمية ويفترض ان تكون أشرف وأقدس مؤسسة في المجتمع ويتم التفاخر في الانتماء اليها , وخامسها ان اداء الواجبات في الجيش يكون في حالات كثيرة بناءا على اخلاق العسكري وقيمه , فإذا كان يستحي ويخاف الله يذهب باندفاع عند تنفيذ الواجبات وإذا غابت قيمه فانه يترك الواجب , وبعض افراد المنظومة الاجتماعية هي التي توصيه بالهرب عندما تشتد الامور مما يؤشر وجود خلل في العقيدة العسكرية , وسادسها الخلل في تصميم منظومات القيادة في الجيش ومنها استنساخ تجربة غريبة لا تناسب وضع العراق , عندما وضعت مادة دستورية تنص على اسناد قيادة القوات المسلحة برئيس مجلس الوزراء .
ويشير كل ذلك الى ان اسباب الفشل الذي حصل لا يتحمله الجيش لوحده وإنما البيئة والظروف التي عاشتها المؤسسة العسكرية والسياسية ككل منذ 2003 , كما انه يؤشر الى وجود حاجة حقيقية وفعلية الى اعادة المؤسسة العسكرية الى اسسها الصحيحة , وان ذلك لا يأتي من خلال زيادة التسليح والاعتماد على المستشارين الاجانب للتدريب , وإنما يأتي من خلال تعزيز قيم المواطنة وسيادة الثقة بين المجتمع والجيش , من خلال ترسيخ حقيقة مفادها ان الجيش هو ملك للدولة والشعب بالفعل , والعمل على تفعيل منظومة الضبط العسكري من خلال العمل بالضوابط والأنماط السلوكية العسكرية الصحيحة وسحب الجيش من السيطرات والمقرات والمدن لأنها من واجبات قوى الامن الداخلي , فالمكان الصحيح للجيش في المعسكرات وهناك دول قوية جدا من الناحية العسكرية ولكن شعوبها لا تجد جيوشها في الشوارع قط إلا في حالات الطوارئ القصوى , وفي مثل ظروفنا فمن المفضل ان تتخذ اجراءات مدروسة لإعادة الخدمة العسكرية الالزامية , لكي يكون تواجد المواطن في الجيش امرا مألوفا وليس يتم النفور منه وهو افضل قبولا من تشكيل الحرس الوطني الذي دخل في قائمة الاختلافات , وإعادة المكانة الحقيقية للجيش ليست مهمة منوطة بالدولة وأجهزتها المختلفة وإنما من خلال مساهمة الجميع وفي مقدمة ذلك عزل السياسة والسياسيين عن الجيش , فوجود جيش قوي وعلى اسس عقائدية هو الذي يوفر الامان للشعب , فالعبرة ليس في العدد وإنما في هيبة المؤسسة العسكرية وقبلها هيبة الدولة , ونذكر هنا بان عدد افراد الجيش الالماني هو 150 الف ووزيرة الدفاع امرأة كما ان الجيش الروسي المعروف بقوته يتكون من 850 الف عسكري , وتحية حب وتقدير لجيشنا في ذكرى تأسيسه , فرغم كل ما حصل فان شعبنا يحتفظ بمحبة كبيرة للجيش وان لم يجدوا التوقيت المناسب للتعبير الكامل عن هذا الحب بعد .