18 ديسمبر، 2024 7:22 م

لماذا إدوارد سعيد فقط

لماذا إدوارد سعيد فقط

هل إزاحة النقاد والمفكرين العرب المعاصرين الآخرين من فضاء نظرية النقد الأدبي والفكري هي مجرد موقف انتقائي غربي منحاز حقا، أم أن الثقافة العربية المعاصرة تخلو من الإبداع الفكري النظري؟

في كل مرة أشتري فيها مختارات جديدة في النقد الأدبي التطبيقي أو كتبا نظرية في هذا الحقل المعرفي أو في النقد الفكري والثقافي صادرة ببريطانيا وبأقلام الغربيين، أمني النفس أن أجد بين طياتها فصولا أو حتى شذرات من النقد العربي، غير أن أمنيتي سرعان ما تخبو بمجرد أن أكون قد انتهيت من التصفح الأوّلي لفهارسها ومن مطالعة محتوياتها، وفي كل هذه الحالات أطرح أسئلة حارقة على نفسي من نوع: لماذا لا يعترف الغرب بإنتاجنا النظري وخاصة في مجال الآداب أو في غيره من الميادين المعرفية؟ وهل يعود السبب في ذلك إلى تضخم الأنا المركزية الغربية وانغلاقها على نفسها أم لأننا لم ننتج منذ سنوات طويلة شيئا فريدا من نوعه يمكن أن يستقطب النقاد والمنظرين الغربيين؟

في السنوات الماضية لاحظت تغير هذا الوضع وتزامن ذلك مع ظهور الناقد والمفكر الفلسطيني الشهير إدوارد سعيد، الذي فرضت كتاباته نفسها على الساحة الثقافية والفكرية الغربية بما في ذلك المناهج الدراسية في الجامعات، الأمر الذي يعني أن الغرب لا يتجاهل بشكل مطلق وعن سبق إصرار الفكر الجديد شكلا ومبنى في أي تجربة ثقافية وفكرية في المعمورة، إذا كانت تلك التجربة ذات قيمة مضافة حقيقية.

في هذا السياق أتذكر نصا قرأته لإدوارد سعيد نفسه يروي فيه كيف استضافه المفكر الفرنسي ميشال فوكو في شقته الباريسية الفسيحة. ويروي سعيد أن أول ما قام به في اللحظة التي كان فوكو مشغولا بإعداد مشروب له هو إلقاء نظرات ثاقبة على جزء كبير من المؤلفات المرجعية التي كان فوكو يقرأها، ولم ير بينها كتبا لمؤلفين عرب ما عدا كتابه “الاستشراق”.

في هذه الأيام استأنست بكتاب “كيف تمارس النظرية” للناقد فولغانغ آيزر البولندي الأصل والذي يرتبط اسمه بنظرية الاستقبال في النقد الأدبي الغربي المعاصر ولم يذكر فيه أي اسم لمفكر أو ناقد أدبي عربي له إسهام متفرد في بنية العمارة النقدية الأدبية والفكرية المعاصرة على المستوى العالمي، ما عدا إدوارد سعيد، الذي خصص له فصلا كاملا، إلى جانب فصول أخرى خصصها لكبار المفكرين والفلاسفة الغربيين. في هذا الفصل حلل آيزر العناصر المكونة لنظرية سعيد في الخطاب ما بعد الكولونيالي. وهنا نتساءل: هل إزاحة النقاد والمفكرين العرب المعاصرين الآخرين من فضاء نظرية النقد الأدبي والفكري هي مجرد موقف انتقائي غربي منحاز حقا، أم أن الثقافة العربية المعاصرة تخلو من الإبداع الفكري النظري وأن نسبة تسعين بالمئة من النظريات المهيمنة على حقل العلوم الإنسانية في الدراسات الجامعية ببلداننا هي نظريات غربية من دون أن تشهد على أيدي دارسينا ونقادنا أي إضافات مبتكرة؟

نقلا عن العرب