سؤال ورد في سياق مقالة بعنوان ” الكلدان والكلدانية ورجال الدين ” للأخ الناشط القومي الكلداني نزار ملاخا تحسس فيه وبحرارة ما آلت أليه أوضاع المسيحيين في العراق وبالذات الكلدان ما بعد التحرير الأمريكي !!! وهو نفس السؤال الذي يتردد وبألحاح في أذهان الكلدان منذ الأحتلال الأمريكي عام 2003 . لقد وضح للعالم أن الحرب التي شنتها الأدارة الأمريكية السابقة على العراق لم تكن أسبابها تلك التي أعلنت عنها لتأسيس ديمقراطية في العراق, وتحرير الشعب العراقي من النظام الدكتاتوري الذي يمتلك أسلحة نووية وبايولوجية وكيمياوية ويتعاون مع القاعدة, بل كانت لأسباب أخرى لا علاقة لما ذكر لأن أمريكا قبل غيرها كانت تعلم بعدم صحة تلك المبررات التي توالت أعترافات المسؤولين الأمريكيين في أدارة الرئيس بوش الأبن ومن تلاه في سلسلة أدارته بعدم صحتها , بل كان السبب الحقيقي هو تحطيم قوّة العراق بعد خروجه منتصرا من الحرب الأيرانية العراقية , ويملك جيشا قويا أمتلك خبرة ثمان سنوات في معارك شديدة وقاسية, أضافة الى خزّينه الأستراتيجي من ثروات معدنية , والأهم بروز جيل عظيم من الكفاءات العلمية الوطنية, مما قد يكون عائقا أمام الأطماع الأمريكية في المنطقة, بالأضافة الى تحجيم قوّة عربية مهمة بعدما جرى تحييد قوّة مصر, وذلك خدمة لأسرائيل وأهدافها . وقبل الدخول في تفاصيل الأجابة عن هذه ال ” لماذا ” علينا أبراز حقائق تاريخية مهمة : –
1 – أن الكلدان هم السكان الأصليين لهذا البلد ” العراق ” منذ الأزل, وبأثباتات تاريخية سواء من المؤرخين أو من الكتب المقدسة التي لا يرقى أليها الشك , وأن العراق هو موطنهم الأزلي منذ بدء الخلق وما بعد الطوفان, وهذا هو السبب الأساسي في حرصهم على هذا البلد, أضافة الى أنهم أول من أسس دولة متكاملة بالمفهوم الحديث وهي الدولة الكلدانية (1) كما وأنهم أصحاب آخر دولة ذات حكم وطني عراقي كانت قائمة قبل ” 2500 ” سنة, قبل أن تتعرض لمختلف الأحتلالات الفارسية والتركية , وبعد آخر حكم وطني لم تنشأ دولة في العراق الا حين تأسيس الحكم الوطني بعد الحرب العالمية الأولى عام 1921�ولى عام 1921 حين برز ثانية الدور الكلداني في تثبيت دعائم الحكم متمثلا بالدور التاريخي والمهم للبطريرك الكلداني , عمانوئيل الثاني يوسف توما (2) في منع أقتطاع لواء الموصل من جسد دولة العراق الفتيّ كما حصل للواء الأسكندرونة السوري .
2 – كان ولاء الكلدان الوحيد هو لوطنهم العراق منذ تأسيس الحكم الوطني الحديث دون النظر لنوع الحكومة التي تحكم منطلقين من مبدأ أن الحكومات زائلة والوطن باقِ, لذلك كان لهم أحترام خاص سواء من الحكومات المتعاقبة أو من القوميات التي تشكل الدولة العراقية, وكان تمثيلهم السياسي في مختلف الحكومات يوازي نسبة عددهم لسكان العراق دون ما يسمى “كوتا” أو حصّة أو ماشابه ذلك, وكانوا بصورة عامة منصرفين الى العلم والثقافة والصناعة والتجارة والفنون بكل حرية ونشاط وأمانة , ولم يتورطوا في مشاريع أو تنظيمات تؤدي الى أن تؤثر على اللحمة القوية التي تربطهم بوطنهن ومواطنيهم , فهم لم ينخرطوا في قوّات جيش الليفي التي شكّلهالتي شكّلها الأحتلال البريطاني للأعتماد عليها في بعض المهمات لصالح بريطانيا, وكذلك ظلّوا موالين للعراق ولم ينجرفوا الى جانب الفصيل الآثوري الذي قاد التمرد على الدولة العراقية الفتيّة عام 1933 والذي تسبب بمأساة كبيرة للآثوريين جراء أستشهاد الآلاف منهم على أيدي قوات بكر صدقي, الا أن ذلك لم يمنعهم من أيواء وأحتضان ومساعدة مجاميع كبيرة من الآثوريين الفارين من بطش السلطات الحكومية في العديد من القرى والبلدات الكلدانية في لواء الموصل .
3 – ومثال آخر من الزمن القريب, فعندما أندلعت الثورة الكردية في أيلول 1961 وأشتدّت المعارك بين الحكومات العراقية المتعاقبة وبين القسم من الأكراد بقيادة المرحوم الملا مصطفى البرزاني, كان تصرّف الكلدان كمواطنين في الدولة دون الأنحياز الى أي طرف , والذين أشترك في المعارك , كان ضمن القوات العسكرية الحكومية النظامية كمقاتلين في الجيش النظامي ينفّذون الأوامر العسكرية بمهنية , في حين أن القوميات الأخرى كالعربية والكردية واليزيدية وحتى الآثوريين كانت لهم قوات غير نظامية أطلق عليها ” أفواج الدفاع الوطني ” مرتبطة بقيادة الجحفل الخفيف الأول في الموصل, وكان للأخوة الآثوريين فوجين من هذه الأفواج , أحدهما في منطقة الشيخان بقيادة المرحوم ” شيبا ” وهو أبن أخت المرحوم ” عزيز آغا ” (3) والفوج الآخر في منطقة سرسنك بقيادة الرائد ” ملكو ”
هذه هي الأسباب , أو الأجابة على هذه ال ” لماذا ” وهي أن الكلدان العراقيين لا ولاء لهم الاّ للعراق مهما كانت المغريات أو الضغوطات, محبين لوطنهم, مجتهدين في خدمته بعلمهم وثقافتهم وفنونهم , لا يضعون أيديهم بأيّة يد تنوي النيل من هذا ذا مواصفات لشعب هي ضد الأهداف التي يسعى أليها أي محتل أو غاصب , فهو يفتش عن من يتعاون معه في تنفيذ مخططاته وهي بالتأكيد ضد مصلحة الوطن والأنسان العراقي . وهي نفس الأسباب التي أدّت الى أهمال دور الكلدان في العراق , وحبذا لو أقتصر الأمر على الأهمال فقط ولم يتحول الى قتل أكثر من ” 1000 ” مسيحي وأغتصاب أموالهم وتهجيرهم في أصقاع العالم المختلفة وتهديم كنائسهم وأغتيال رجالاتها وسلب حقوقهم السياسية كقومية ثالثة في العراق , وأخيرا محاولة محو أسم قوميتهم العريقة وأعطائها أسماء هزيلة في محاولة لتهميشها نهائيا . فلو لم يقم المحتل الأمريكي بكل ذلك, لكان محتلا غبيّا .
(1) أدّي شير – كلدو و آثور – صفحة “6”
(2) هو المثلث الرحمات عمانوئيل الثاني يوسف توما – 1900 – 1947
(3) هو غير المرحوم عزيز آغا ياقو الشخصيّة الكلدانية المعروفة من قرية فيشخابور