22 ديسمبر، 2024 10:20 م

لماذا أكتب كثبرا عن الأدب الروسي؟

لماذا أكتب كثبرا عن الأدب الروسي؟

يعتز المثقفون الروس – أيما إعتزاز – بالأدب الروسي الكلاسيكي ، ويقولون ان هذا الأدب العظيم ، هو الإسهام الروسي الحقيقي في تطور الثقافة العالمية . فالأدب الروسي يحتوي على عدد من الروائع التي تعد من أعظم الأعمال الأدبية في الأدب العالمي ، خاصة في مجالات الرواية ، والقصة القصيرة ، والشعر .وهذه حقيقة يعترف بها كل متذوق للأدب الرفيع أتيح له الدخول الى العالم السحري للروائيين والشعراء الروس العظام ، عالم العواطف الجياشة والمصائر التراجيدية ، والزاخر بالقيم الإنسانية المشتركة بين البشر ، مجسداً في أعمال عمالقة الأدب الروسي : غوغول وتورغينيف وتولستوي ودوستويفسكي ، وتشيخوف. وهو أدب مفهوم من الجميع وممتع للجميع .
عندما اطلع القاريء الغربي على الأدب الروسي الكلاسيكي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وقع في عشق هذا الأدب الباحث عن معنى الحياة والوجود . ولم يمض وقت طويل حتى أخذ نقاد الأدب في الغرب يكتبون دراسات ومقالات عن هذا الأدب الرائع، وأخذ عدد كبير من الكتاب الغربيين يتعلمون منه تقنيات الكتابة .
وكان القرن الماضي بأسره، قرن الأدب الروسي في الأدب العالمي . ولم يستطع أي أدب قومي او وطني في ابعد زاوية من عالمنا الفسيح أن يتجنب تأثير هذا الأدب . ويكفي ان نقول ان روايات تولستوي ودوستويفسكي وقصص تشيخوف ترجمت الى معظم اللغات الحية في العالم ، وما زالت تحظى بمقروئية واسعة في الشرق والغرب ، و حولت مئات المرات الى مسرحيات وافلام سينمائية ناجحة في هوليوود ، وفي بقية انحاء العالم ، وخاصة روايات ” الحرب والسلام ” و ” آنا كارينينا ” و ” الجريمة والعقاب ” و” الأخوة كارامازوف ” وغيرها كثير .
وعندما كنت طالبا في موسكو في الستينات من القرن الماضي رأيت أن عددا كبيراً من الطلاب الغربيين ، وخصوصا من الولايات المتحدة الأميركية يدرسون اللغة الروسية في جامعة موسكو والجامعات والمعاهد الروسية الأخرى . استفسرت منهم عن سبب اختيارهم دراسة اللغة الروسية ،قالوا أنهم جاؤوا ليتعلموا هذه اللغة – رغم صعوبتها – من اجل قراءة روايات تولستوي ودوستويفسكي وقصص تشيخوف وشعر بوشكين وماياكوفسكي ، وتسفيتايفا ، وأخماتوفا ، ويسينين باللغة التي كتبت بها . فقراءة الأعمال الإبداعية بلغتها الأصلية شيء ، وقراءة ترجمتها في أي لغة أخرى ، مهما بلغت درجة اتقان الترجمة شيء آخر ..
النصوص الإبداعية ، وخاصةالشعرية منها تفقد ايقاعها وكثيراً من رونقها وحرارتها في الترجمة .
الأدب السوفيتي
مهما كان رأينا في النظام السوفيتي السابق ، الا أننا لا يمكن أن ننكر ان هذا النظام قام بتجديد كل مناحي الحياة الروسية وكان له ابلغ الأثر في الثقافة والأدب ، على الرغم من أنه حاول خلق لون من الادب يتفق مع اغراضه وبرامجه . كانت الفترة من عام 1917 حتى سنة 1921 عهد تحلل في التقاليد الادبية الروسية وعهد اضطراب في المناقشات التي جرت بين المذاهب الادبية ، ومع اشتداد قبضة ستالين على السلطة ازدادت الرقابة الأيديولوجية المفروضة على الأنتاج الفكري والثقافي صرامة .
و تعرّض الكتاب الاحرار الى شتى انواع المضايقات والقمع والأرهاب الا أن الحقبة السوفيتية ، رغم ذلك شهدت بروز أدباء عباقرة في كل المجالات الأدبية . وكانت روسيا محط أنظار العالم ، وهي تخوض تجربة هائلة جديدة – لم يعرف لها التأريخ مثيلاً – لخلق ليس نظام جديد للحكم ومنهج مختلف للحياة فقط ، بل الأهم من ذلك هو خلق انسان جديد ومستنير حيث تم القضاء على الأمية تماما ,كانت الدولة تصرف بسخاء على نظام التربية والتعليم ، كما تصرف بسخاء أيضاًعلى الدعاية . ورغم التضييق الشديد على حرية التعبير، الا ان الشعب الروسي قدم للعالم كتابا وشعراء موهوبين يشار اليهم يالبنان بينهم عدد كبير من الكتاب الأحرار الذين حاولوا الكتابة بأساليب جديدة وحافظوا على حريتهم الداخلية . وبسبب ذلك ، راح عدد من خيرة الكتاب والشعراء والمفكرين الروس ضحية للأرهاب الستاليني . وعلى أية حال لا يمكننا أن نشطب على الأعمال الأدبية السوفيتية ، فقد انتج حتى الكتاب المؤمنون بالثورة والاشتراكية أعمالا أدبية رائعة .
وكان العالم طوال العهد السوفيتي يتابع بشغف أعمال الكتاب والشعراء الروس الطليعيين مثل زامياتين ،وبابل ، وبيلنياك وزوشينكو ،وايرنبورغ وبلاتونوف و باوستوفسكي ،وتسفيتايفا ، وأخماتوفا وباسترناك وسولجنيتسن وبرودسكي وغيرهم .