لا تـَسَلـْني أين كُـنـّا؟؟؟ أين أصبحنا؟؟؟ وكيف؟؟؟ لا تـَسَلـْني ما الذي (((فرّقنا))) قلباً وصفا؟؟؟
لا أروم تنكيلاً بأحد أو إستخفافاً بآخر أو كيل مديح لطرف ثالث حين أردد عبارات من إحدى روائع الفنان الراحل “عبدالحليم حافظ” وقتما تأسست “الجمهورية العربية المتحدة” تحقيقاً لحلم طالما راود العرب في توحيد دولتين عربيتين تمثلتا في “مصر وسوريا” على أمل توحيد جميع الأمة من المحيط إلى الخليج، ولكني ذكرتها متعمداً بفارق كلمة واحدة في أصل الأنشودة يكمن في ((فَرّقـَنا)) بدلاً عن ((وَحَّدَنا))… بل هي تساؤلات تراودنا بجملتها -نحن أهل العراق- كلما إستذكرنا مصائبنا وهمومنا وغمومنا، حتى ورد ببالي ما تحدث السيد “صبحي عبدالحميد” على مسامعي من واقعة غير مسبوقة بين رئيس الجمهورية العراقية “المشير الركن عبدالسلام محمد عارف” والسفير الإيراني المعيّن في “بغداد” عام (1964)، وذلك إثر قراءتي لمقالة نشرها السيد “عصام عبدالله” في موقع على (Facebook) يوم (21/12/2015) أشار من خلالها بأن الرئيس “عبدالسلام عارف” قد قذف وابلاً من الشتائم على “شاهنشاه إيران” وأباه وسفيره الجديد أثناء تسلـّمه أوراق إعتماده، وبحضور وزير الخارجية -حسب معلومة السيد عصام- السيد “إسماعيل خيرالله”، نازعاً حذاءه وضارباً إياه وراكضاً خلفه حتى أخرجه من القصر الجمهوري، قبل طرده من العراق!!!!؟؟؟؟؟؟
إستشعرت بمبالغة لم تكن تستوجب طرحاً بهذا الأسلوب في حديث عن تصرّف محدد وقع في أواسط الستينيات من القرن المنصرم، رغم أن هذا -ومع كل الأسف- هو ما دأب عليه العديد ممن يسردون أحداثاً ربما سمعوا بها أو تناقلتها الألسن على هواها -ولربما لأغراض إيجابية أو لأخريات سلبيات- مع تحوير ملثوم لأجل التعظيم أو التصغير لنيّة حسنة أو سواها، ومن دون إعتماد على وثائق أو حتى سماع من لدن شخصيات مسؤولة أو شخوص موثوق بهم عاشوا الحدث أو كانوا قريبين منه…
ولكن ذلك هو ما يحصل، ليس وسط مقالات بسيطة فحسب، بل وحتى في صفحات كتب صادرة في عراق ما بعد (2003) وعموم الأقطار العربية التي تعمّها
فوضى إعلامية مشهودة ومؤسفة تحت شعار “حرية الرأي والرأي الآخر”!!!؟؟؟ ومن دون أن ينسى أصحاب دور النشر قذف الكرة وسط سلـّة المقابل -ولو كانت تحتوي كـُفراً- بإدراجهم عبارتهم اليتيمة:-((صحة المعلومات من مسؤولية كاتبها، ولا علاقة لدار النشر في تفاصيلها))!!!
وفي هذا الشأن أرى وجوباً الإشارة بأن السيد المحامي “إسماعيل خيرالله” لم يكن أثناء هذه الواقعة ولا في تلك الفترة وزيراً للخارجية، بل أمسى بهذا المنصب للفترة (11/7/1967-18/7/1968) بـ((وزارة “الفريق طاهر يحيى” الرابعة)) في عهد الرئيس “الفريق عبدالرحمن محمد عارف”، أي بعد إنقضاء أكثر من عام واحد على حادث الطائرة الذي أودى بحياة أخيه مساء يوم (13/4/1966)، أي ما يزيد على (3) أعوام و(3) أشهر من هذه الرواية تحديداً!!!!
أما أنا فقد كنت بين حين وحين في البعض من تلك الفترة (تموز1964-تموز1966) برتبة “ملازم” أُكَلف بمهمة الضابط الخافر في غرفة تشريفات القصر الجمهوري فور إنقضاء ساعات الدوام الرسمي ولغاية صباح اليوم التالي، ورغم مشاهداتي العديدة -عن بعد- لشخص الأستاذ “صبحي عبدالحميد العبيدي/أبو رافد” في زياراته للقصر بصفته وزيراً الخارجية، فإني لم أتعرف به -عن قرب- إلاّ أواسط عام (1997)، حين خضت غمار إعداد مسودة كتابي الموسوم “الرئيس عبدالسلام محمد عارف… كما رأيته”، وذلك قبل أن تتوطد علاقتي الصميمية مع معاليه وتضحى زياراتي له بمعدلات شبه شهرية بمسكنه المتواضع وسط مدينة الضباط في “حي اليرموك” -والذي لم يمتلك سواه- رغم حمله حقيبتي أهم وزارتين تمثلتا بـ”الخارجية والداخلية” فضلاً عن كونه أحد أبرز الأعضاء في “المجلس الوطني لقيادة الثورة”، إضافة لترؤسه تنظيماً سياسياً-عسكرياً ذا ثقل ملحوظ وسط القوات العراقية المسلحة سمّيت بـ”كتلة الضباط القوميين”، تلك المناصب التي أهَّلته -إضافة لذاكرته المتقدة وأسلوب تفكيره- ليكون من أثرى خزائن الأحداث والوقائع عن عراق الستينيات، لأستقي منه معلومات معمقة عن أمور شاهدها بأم عينيه، أو عاشها بالتفصيل، أو تعايش معها، أو كان صاحب قرارات بشأنها، أو قريباً للغاية من أصحابها.
أيــــن كـــنـــــــا؟؟؟
في أحد أيام سنة (1997) ومن خلال حديث عام عن العلاقات المشوبة بالهشاشة مع الجارة “إيران”، تطرق المرحوم “أبو رافد” إلى موقف ربما غير مسبوق إتخذه رئيس دولة تعاني أوضاعاً سياسية مُقلِقة بعد توالي الإنقلابات
العسكرية ((والتي يسميها الأستاذ صبحي عبدالحميد “ثورات”)) وباكورتها (14تموز1958) إلى جانب الحرب الداخلية التي إنبثقت أوارها منذ أواخر (1961) بدعم إيراني مشهود للفصائل المسلحة الكردية في شمالي الوطن تمويلاً وتسليحاً وتجهيزاً وتدريباً وإيواءاً، والتي يفترض معها أن يضطر العراق لإدامة علاقاته الحسنة حيال دولة مناطة إليها مهمة “شرطي المنطقة والخليج” فتمتاز بالدبلوماسية الرقيقة والسياسة الهادئة المختلطة بالحذر لإتقاء المكائد والمصائب والإبتعاد عن الشرور والمعاضل… ولكن الذي حدث كان مثلما رواه كما يأتي:-
حديث السيد “صبحي عبدالحميد”:-
(((خلال شهر نيسان1964 كنت متبوئاً منصب وزير الخارجية في وزارة “الفريق طاهر يحيى” الثانية، وقتما قررت الدولة الإيرانية تعيين “سيد مهدي بيراسته” المقرب من شخص “شاه إيران” سفيراً لها في العراق، بعد أن ظلّ “المستشار هاشم حكيمي” قائماً بالأعمال حوالي سنة ونصف السنة.
وبعدما تحققنا من كامل هويته وسلوكه وتدرجه المتلاحق في المناصب، وآخرها محافظ “ولاية فارس” قبل أن يتبوأ منصب وزير الداخلية، أبلغنا الجانب الإيراني بقبولنا لإياه سفيراً لبلاده لدينا، وبعثنا موظفين من دائرة مراسم وزارتنا لإستقباله رسمياً عند بلوغه مطار بغداد الدولي، وتهيأنا للمراسم المعتادة لتقديم أوراق إعتماده في القصر الجمهوري قبل أن يُعَدّ ماسكاً لمنصب السفير.
كنت على يمين السيد رئيس الجمهورية تحت القبة الزرقاء للقاعة الرئيسة للقصر، وقد وقف إلى يساره الزميل “إبراهيم الولي” رئيس دائرة التشريفات في ديوان الرئاسة، وقتما دخل السفير المعين “سيد مهدي بيراسته” يرافقه القائم بالأعمال “المستشار هاشم حكيمي”، والملحق العسكري بالسفارة “العقيد معصومي”، يصحبهم المترجم الأقدم بالسفارة “سيد تيجاني”… ولكننا إستغربنا -بعض الشيء- من تفقد “سيد بيراسته” لمجموعة من الأوراق أخرجها من حقيبته الدبلوماسية الكبيرة التي كان يحملها -على غير العادة المتبعة- حتى إنتبه السيد رئيس الجمهورية قائلاً:- “يبدو أن السيد السفير قد نسي شيئاً لم يجلبه”…. وعندها إستدرك السيد “بيراسته” الموقف فأسرع بإخراج أوراق إعتماده التي يجب أن يقدمها بيديه قبل أي شيء آخر، حتى وجه الرئيس كلامه إلى رئيس تشريفات الرئاسة بقوله:- “كان يجب أن يُلَقـَّن السيد السفير بعضاً من أسس البروتوكول الضرورية”.
وبعد تسلـّم أوراق الإعتماد بدأ السفير بتلاوة صفحات عديدة كان قد أعدها مسبقاً وأطال فيها كثيراً -ونحن وقوف بوضع أشبه بإستعداد عسكري حسب الأصول
السائدة- متطرقاً إلى تأريخ العلاقات بين الدولتين الإسلاميتين الجارتين وجغرافيتهما والوشائج بين شعبيهما والعشائر ذوات الأصول والجذور الواحدة التي فرّقتها الحدود المشتركة التي رسمها الإستعمار، حتى بلغ عبارة:-
“أن جلالة الشاهنشاه محمد رضا بهلوي المعظم يرفع إليك أسمى آيات السلام -يا فخامة الرئيس- ويتأمل منك الحرص على شيعة العراق”!!؟؟
إنتبه السيد الرئيس وخاطبه بلهجة أمر:-“قف عند حدك… شيعة العراق عرب أقحاح، وهم مواطنونا وأهلنا وأعزاؤنا وفي قلوبنا، وليسوا بحاجة لكائن من كان ليصبح وصياً عليهم… وهذا الذي تفوهت به أعتبره تدخلاً في شؤوننا الداخلية لا نقبله من أحد… لذلك أرفض أوراق إعتمادك، فإستلمها وأخرج، وبلغ سلامي لشاهنشاهك ليبعث إلينا سفيراً أكثر أدباً وأصولاً… إنتهت المقابلة”…
قالها “عبدالسلام عارف” وأدار ظهره غاضباً وعاد بخطىً مسرعة إلى مكتبه الرسمي.
فوجئ “سيد بيراسته” بذلك، فبدأ يصيح ويزمجر وسط القصر، حتى وجهناه -أنا ورئيس التشريفات معاً- مع صحبه وأجلسناه في غرفة التشريفات محاولين -ومعنا مرافقوه- تهدئته وتبيان أن مثل هذه العبارات لا يمكن النطق بها أمام رئيس جمهورية وفي مثل هكذا مناسبة عند تقديم أوراق إعتماد، بل ربما تـُطرح في لقاء خاص أو على إنفراد وسط مناسبة عامة… ولكن “سيد بيراسته” لم يهدأ، بل ظل يطالب -وبصوت عالٍ- أنه لا يمكن أن يرضى بأقل من إعتذار فوري -وأمام الجميع- عن تجاهل الرئيس لشخصه وتركه لإياه ومغادرته قاعة المراسم… فأوضحنا له أن ذلك ضرب من الخيال لا يمكن تحقيقه… فتوجه لسيارته وغادرنا غاضباً ومتوعداً.
أقام “سيد مهدي بيراسته” في “بغداد” لأسبوعين متتاليين، ولكن بصفته الشخصية وليست الرسمية، ولم نتعرّض له أو نتخذ إجراء حياله رغم علمنا بزياراته للبعض من السفراء والقناصل، وبالأخص السفارة الأمريكية المتاخمة بمبناها الضخم للقصر الجمهوري، ملتقياً في أروقته -حسب معلوماتنا- بالعديد من موظفي وكالة المخابرات المركزية (C.I.A) داخل السفارة، وذلك قبل أن يعود إلى بلده بسيارة رسمية عبر منفذ “قصر شيرين” الحدوي.
وبينما عاد “المستشار هاشم حكيمي” لممارسة مهماته قائماً بالأعمال، فقد ظلت المكاتبات بين وزارتنا والخارجية الإيرانية سجالاً حول إعتماد سفير آخر لدينا… إلاّ أن وساطة من وزارتي الخارجية التركية والباكستانية وسفيريهما في
“بغداد” مهّدت لتهدئة الموقف بعد (7) أشهر كي نقبل “سيد مهدي بيراسته” ذاته سفيراً في “بغداد” شريطة أن يتصرف بكل أدب بصفة “سفيراً” في بلد غير بلده… فعاد إلينا أواخر عام (1964) ليقدم أوراق إعتماده ثانية للرئيس “عبدالسلام عارف” الذي بدوره طلب منه إعتذاراً عن تصرفه السابق وصراخه غير اللائق في أروقة القصر الجمهوري، فتم ذلك.
ولكننا تلمّسناه -من بعد ذلك- سفيراً على درجة عالية من المهنية والإنصياع في أداء مهماته الدبلوماسية بكل أصول… وقد علمنا قبل ذلك أن “شاهنشاه إيران” قد وبّخه حيال ذلك التصرف، لافتاً نظره أن لكل مقام مقال، وعلى صاحب منصب السفير أن يكون “دبلوماسياً” قبل أي شيء، وعليه قلب أسلوبه في تسيير الأمور عكس ما كان عليه في منصبيه السابقين محافظاً ثم وزيراً للداخلية في بلده، واللذين يتطلـّبان شدة وحزماً وقرارات حاسمة ينبغي أن لا تـُثنـّى ولا تـُناقش بعد إتخاذها))).
((إنتهى حديث السيد صبحي عبدالحميد))
أيـــن أصبحــنــا؟؟؟ وكيف؟؟؟
هكذا كنا لا نتقبل عبارة تمس بلدنا وسيادتنا وشؤوننا الداخلية… لكننا اليوم ومنذ الإحتلال الأمريكي البغيض الذي دمّر وطننا الحبيب وحلّ قواتنا المسلحة وجعل حدودنا سائبة أمام كل من هبّ ودبّ، وفرض علينا نظاماً سياسياً أفضى إلى تفريقنا طائفياً ومذهبياً ودينياً وعرقياً وجغرافياً وأضحى أحدنا يتصيّد للآخر ويتسلـّح للإجهاز عليه في أية فرصة سانحة، وأعدّ الأمريكيون لنا دستوراً يؤول بنا إلى التفرّق والصدام وقسّمنا إرباً إرباً، فأضحى عراقنا السائب طـُعماً لهذا وذاك ليقتحمونا من كل حدب وصوب كي يقتلوا ويذبحوا ويفجّروا ويُخرّبوا ويُفسدوا وينهبوا ويسرقوا، وبهذا التخطيط المتقن تعمّدوا إشغال الإرهابيين في أرضنا كي ينسوا أوروبا والولايات المتحدة فتنأى شعوبها وأوطانها من شرورهم إلى مستقبل بعيد… وكل ذلك قبل أن يتركوا “العراق المحتل” أواخر (2011) وهو ما زال في منتصف البئر، فلا به يخرج بجلده سالماً، وإن حاول ذلك سقط في القعر، حتى غدونا على ما نحن عليه من ((ملطشة)) هذا و((مكفخة)) ذاك، فكل الجوار والغرباء والأجانب تدخلوا، وما زالوا وسيواصلون، تحت هذه الذريعة أو تلك، ونحن فرحون وفخورون ومتفائلون -ما شاء الله- بوسائل إعلام تدفعنا للمزيد من الفـُرقة إلى جانب السلاح والمال والمعدات الـمُغدقة علينا لمحاربة الإرهاب وبـ((المجاهدين المسلحين)) بحجة الدفاع عن هذه الطائفة وذاك العرق وتلك الأرض وذلك الدين، حتى فتحوا علينا جحيم “القاعدة، وجبهة الــ؟؟؟، وجيش الــ؟؟؟، وكتائب الــ؟؟؟، وقوات الــ؟؟؟،
وجحافل الــ؟؟؟، وسرايا الـــ؟؟؟، وفيالق الــ؟؟؟” ثم أستجلبوا “د.ا.ع.ش” ليحتل (ثلث) وطننا فيقذفنا في أتون صراع دموي مرعب وخراب كارثي وإفلاس مالي يستحيل الخروج منه وسط الصروفات اليومية الهائلة لأغراض الحرب، ف(تكرم) علينا (65) دولة بزعامة “واشنطن” ضمن ما سمّوه بـ”التحالف الدولي” تتوسطها (3) دول عظمى لتفتح مخزوناتها من الأسلحة المستهلكة والأعتدة والذخائر المخزونة والمعدات العتيقة والتجهيزات البالية المكدّسة في مستودعاتها إثر إنتهاء “الحرب الباردة”، فدمّر بالقصف الجوي الهزيل -الذي رحّبنا به- مدننا وقرانا، لـنـُجبَر على صرف المليارات لإعادة إعمارها، شريطة أن ((نزهو ونفرح ونرحب ونهلـّل ونحتفل)) بـ((تحريرها)).
وكل ذلك قبل أن ((تتكرم)) دولة عظمى رابعة بالتدخل في منطقتنا لتبيد مدناً وبلدات وأريافاً بالجملة وبمعدلات يومية بإستثمار أفضل طائراتها المصممة للهجمات الأرضية وقاصفاتها الإستراتيجية ومقذوفات “كروز” والبراميل المتفجرة إلى جانب أضخم ما تمتلكها من قنابل مدافع أساطيلها العملاقة… وبذلك أضعنا بأيدينا سيادتنا وحق القرار وأُطررنا لوضعهما بين أكفّ الأقوياء الذين يمنـّون علينا بأنهم (سـ)يخلصوننا من (داعش) وبراثنه وأوزاره في غضون أشهر ليس إلاّ وبزغاريد و((هلاهل)) يجب أن نطلقها قريباً ((بعون الله وفضله على أمة العرب الحاملة لراية الإسلام الخفاقة!!!؟؟؟)).
ما الذي ((فـَرّقـَنــا)) قلـبـاً وَصَــفـّــــا؟؟؟
نحن الذين فرّقنا صفوفنا، وتخندقنا متعاكسين بعنف وإصرار أزاء بعضنا البعض… ونحن الذين خُدِعنا بهذا وذاك وحققنا أطماعهم الخبيثة… ونحن الذين أدمنا الصراع من دون أن نتوافق ونتصالح ونتواءم… ونحن الذين حملنا السلاح هاتفين بأعلى حناجرنا ((الله أكبر… الله أكبر)) فصقفنا وقتلنا ودمّرنا وفجّرنا وخرّبنا بلدنا بمباركة الأجانب.
ولكل ذلك -ولأسباب عديدة أخرى يؤسفني التحفظ عليها- فإني لا أرى موجباً في إطالة الإجابة على هذا التساؤل الذي يفرض ذاته بقساوة على كاهلنا وأعماقنا وصميمنا سوى بإستذكار ما تفوّه به الشيخ “أبا عبد الله محمد بن إدريس الـمُطـّلِبي القـُرَشي” المعروف بـ”الإمام الشافعيّ” قبل (13) قرناً مضى:-
نعيب زماننــا والعــيب فينــــا وما بزماننا من عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير حــــق ولـو فطن الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ونأكـل بعضنا بعضــاً عيانــا