عرفته عن قرب ، في بعض المناسبات التي جمعتنا صدفة ، أثناء مروري على دمشق في سنوات ما قبل الاحتلال ، كان جواد أو ما تبين لاحقاً أنه نوري المالكي لم يكن رقماً مهماً في كوادر حزب الدعوة آنذاك ، كان يقف بالصف الثالث أو الرابع خلف الكوادر القديمة للحزب ، تنقل ما بين إيران وسوريا، وعمل بتهريب العراقيين عبر الأراضي اللبنانية من خلال بيع جوازات السفر المزورة ، من غير عمله الأساسي في محله الصغير شرق مقام السيدة زينب الذي كان يبيع به الخواتم والمسابح وبعض الإكسسوارات البسيطة ، حتى أستقر به المقام في منطقة جرمانة بدمشق ليعمل في مكتب لاستئجار الشقق وتنظيفها وتهيئتها للسائحين والزائرين .
لست في وارد استعراض سيرة هذا الرجل أو الاستهانة بالأعمال التي مارسها ، ولكن الحياة علمتنا أن التجارب تصنع الرجال ، ومن لم يستفد من تجاربه ، فهو إما أبله أو يعيش على هامش الحياة ، والبعض الأخر من البشر ، حينما يعيش فترات طويلة من الحرمان ، يظل يعيش أبد الدهر في ذلك المناخ ، حتى وأن أصبح يمتلك أموال قارون ، كما حصل مع نوري المالكي.
العتب ليس عليه ولا على أمثاله من اللذين اعتلوا عرش العراق حكاماً وسياسيون سيظلون مراهقين بالسياسة لأنهم لا يجيدون لعبتها ، ولكن العتب على ألاف بلعوا الطعم وقبلوا بالخديعة ممن منحوا أصواتهم له ولكتلته الفاسدة ، هؤلاء اللذين لا نسمع منهم بعد ذلك إلا كلمات الندم والأسف ، ولكن هذا الندم سوف لن ينفعهم أمام الله والتأريخ ، لأنهم شركاء أصلاء بإيصال هؤلاء إلى سدة الحكم ، كي يتحكمون بمصير البلاد والعباد ، ولابد أن يتحملون وزر ما يفعله الحكام الفاسدين .
عادة ما أقوم ببعض المراجعات لسيرة أو أفعال شخصيات أصبحت تسمى شخصيات عامة في زمن الفوضى السياسية بالعراق ، عن تأريخها أو نشاطها ، ولكن الملفت على الدوام أن نوري المالكي وكأنه كان متعمداً أنه لم يختار له حلفاء بالسياسة إلا وأغلبهم من الفاسدين والسراق والقتلة والمشبوهين ! فهل يكمن السر في ذلك ، نتيجة لغفلة منه بسبب سوء تفكيره وعدم قدرته على الاختيار الصائب ؟ أم أن الأمر متعمداً لأنه مطمأن بعدم تعرضه للحساب في يوم من الأيام كي يكسب معهم ما يسعى أليه ؟ أم أنه لا يأبه بما يسجل التأريخ عنه وما سيرثه لأولاده وعائلته وعشيرته من تأريخ أسود ملطخ بالسحت الحرام ورفاق السوء ؟
طلب مني صديق عزيز هو مدير مفوض لشركة أوربية مهمة متخصصة بإحدى مجالات الصناعة ، أن أقدم له المساعدة والمشورة من أجل المجيء بشركته للعمل بالعراق ، ومن دافع وطني صرف شجعته بالعمل والمجيء كي يساهم في أعادة أعمار البلاد ، وقد أقترح علينا أحد الأخوة الذهاب لأحدى شركات وزارة الصناعة العراقية التي تلتقي بنفس الاختصاص مع الشركة الأوربية التي تخص صديقي ، وحينما وصلنا إلى الشركة الحكومية المقصودة
وأستعرض صاحبي إمكانيات شركته المهمة ، وقدم عروضاً كانت ستساهم بجد في تطوير نشاط تلك الشركة الحكومية وترفع من كفاءتها الفنية ، بل أكثر من ذلك ، فقد تبرع المدير المفوض لتلك الشركة الأوربية بأن تتحمل شركته إقامة ورشة صناعية داخل الشركة الحكومية على نفقة الشركة الأوربية ، وتقوم بتهيئة قطع غيار يفتقد لها العراق لتكون اللبنة الأولى للتعاون ما بين الشركتين ، وبعدما تم الاتفاق وتم توقيع عقد الشراكة ، وكانت الأجرائات تستوجب أن تتم المصادقة على نسختي العقد من وزير الصناعة في حينها أحمد الكربولي ، كي يصبح الاتفاق قانونياً من أجل ضمان حقوق الشركتين ، ولكن الوزير رفض التوقيع والمصادقة إلا أن تقوم الشركة الأجنبية بدفع مبلغ ربع مليون دولار له شخصياً ومن خلال شقيقه ( الحاج محمد الكربولي ) الذي كان يشرف على المفاوضات بين الشركتين والذي أقترح أن يتم الاتفاق خارج الدوام الرسمي ، حيث اجتمعنا في بيت كبير بمنطقة الحارثية ، يحيط به الحرس ويعمل به الخدم ، تبين فيما بعد أنه أحد مقرات حركة الحل التابعة لجمال الكربولي ، وتبين كذلك وحسب كلام الحاج محمد الكربولي والذي أصبح الآن نائباً بالبرلمان أن هذا المبلغ هو نسبة معتادة يتم أستحصالها من جميع الشركات الأجنبية أو العربية وحتى العراقية التي دخلت باتفاقات مشاركة مع شركات وزارة الصناعة ، لأن عقود المشاركة تلك فيها امتياز للشركات القادمة من خلال إعفائها من كفالة المشاركة بالمناقصات الحكومية البالغة 1% من قيمة العطاءات والتي أعفى المالكي وبمرسوم خاص كافة شركات وزارة الصناعة من تلك الكفالة بحجة دعمها .
اعتذرت الشركة الأجنبية عن الدخول للعراق لأنها لمست أنها ستكون وسيلة لفساد كبير .
كان جمال الكربولي أحد أقطاب الحلفاء المهمين لنوري المالكي في أكثر من مناسبة ، ومن اللذين يسمونهم ( سنة المالكي ) الذي كان يدرك تماماً سرقات وفساد جمال الكربولي منذ فضائح منظمة الهلال الأحمر العراقية وأخوته اللذين صنعوا إمبراطورية من المال الحرام ، على حساب لقمة عيش فقراء العراق .
ولا أريد التطرق لعشرات الأسماء من الفاسدين اللذين كان المالكي ينتقي أسمائهم كي ينظموا لدولة القانون أو لحزب الدعوة الذي أختطفه علناً من رفاق دربه في حزب أصبح اليوم يمثل صورة سيئة للفساد والسرقات واللصوص ، فهل هذه عاقبة لم يكن يفكر فيها المالكي أم أنه كان يعتقد أنه أذكى من الآخرين كي يخدعهم