شاركتُ الخميس الماضي، في ندوة لمركز كارنيجي للشرق الأوسط (في بيروت)، بعنوان “عصر جديد للنساء المقاتلات في الشرق الأوسط”، مع خبيرتين متميزتين في شؤون النساء المسلّحات، الأولى هي إيزابل كازر (من بريطانيا)، وتحدثت عن النساء الكرديات المقاتلات، والثانية هي دالية غانم- يزبك، من الجزائر، وتحدثت، مثلي، عن النساء الجهاديات، والتحولات الجوهرية التي حدثت في الكم والدور بالنسبة للمرأة في أوساط تنظيم داعش.
كان التركيز لدى الحضور عن السبب الذي خلق هذه التحولات، أو ما هو محور الجاذبية في تنظيم متوّحش، يفترض أنّه ذكوري، ليجتذب مئات النساء الأوروبيات والغربيات، وأعدادا كبيرة، غير معروفة، ولا توجد عنها أي إحصائيات دقيقة أو علمية من العالم العربي، فضلاً عن السوريات والعراقيات اللواتي تزوجن أفراداً من التنظيم، وأصبحن جزءاً من “العائلات الداعشية”؟!
المفارقة أنّ هذا السؤال المطروح من قبل الجمهور كان هو نفسه بمثابة “المشكلة البحثية” (كما هو معروف في مناهج البحث العلمي) التي انطلقتُ منها مع الزميل حسن أبو هنية في كتابنا الأخير “عاشقات الشهادة: تشكلات النسوية الجهادية من القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية”، وربما استبطنت هذه المشكلة فرضية غير صحيحة، مرتبطة بانطباعات غير دقيقة، بأنّ النساء عامل ثانوي أو مكرهات أو مغلوب على أمرهن في الانضمام إلى هذا التنظيم وهذا التيار.
لقد تبين من خلال عدد كبير من الحالات والإحصائيات والدراسات السابقة بأنّ النساء هن عامل أساسي ورئيس، ويقمن بأدوار حيوية وجوهرية في داخل التنظيم، ويكفي أن ندرك بأنّ 40 % من مواقع التجنيد والدعاية للتنظيم تدار عبر النساء.
لكن، وبالرغم من أهمية الخلاصات السابقة وغيرها من نتائج توصّلنا إليها في كتابنا المذكور، إلاّ أنّ المشكلة ليست ما يحدث في داخل الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، وقد يزول “ظله” عنها، خلال فترة قريبة وتتبخّر دولته المفترضة التي أقامها في تلك المناطق، إنّما ما يفزعني حقّاً، ويزعجني، وأنا أفكّر بالمستقبل، أبعد من قصة المرأة داخل التنظيم، إلى التحولات الكبيرة التي حدثت في أوساط “التيارات الجهادية” المتطرفة، وأقصد هنا “الطفرة” التي وقعت في دور المرأة ومدى اندماجها ومشاركتها في هذه الحركات.
وإذا كانت هنالك جمل مختصرة يمكن أن ألخّص فيها المقصود، فهي أنّنا انتقلنا من مستوى الأفراد الذكور إلى “العائلات” في التيارات الجهادية والداعشية بصورة خاصة.
دعونا ننتقل بصورة مكثّفة مختصرة إلى الحالة الأردنية، إذ شهدنا أول قضية فيها مشتبهة بتأييدها لتنظيم داعش، وهي ليست حالة فردية استثنائية ومصادفة، فهنالك اليوم مؤشرات مقلقة على تحولات شبيهة في موضوع المرأة والعائلات في هذه الحركات، وهنالك مئات الشباب الأردني الذي إما اصطحب عائلته معه إلى تلك المناطق، أو تزوّج هناك وأنجب أبناءً يحملون اسمه، وجزء منهم سيعود إلى الأردن بعد انتهاء “زوبعة داعش” في تلك المناطق.
وأنا أتابع مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية (ضمن مشروع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية لبناء قاعدة بيانات عن السلفية الجهادية في الأردن) صُدمت بعشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لأردنيات من زوجات المقتولين والمقاتلين والمعتقلين من أبناء التيار، وليست الصدفة – بطبيعة الحال- هي بوجود أولئك النساء، بل بتأثرهن البالغ بأقاربهن الذين اندمجوا في تلك التيارات، وتبنيهن الفكر نفسه، وهذا على الأغلب ينطبق – وفق مؤشرات أخرى- على الأطفال من الذكور والإناث!
من أجل ذلك كان رئيس هيئة الأركان محقاً بأنّ مواجهة داعش لا تكفي أمنياً وعسكرياً، وهي خلاصة مهمة، لكن المهم متى نبدأ ترجمتها أردنياً على أرض الواقع؟!
نقلا عن الغد الاردنية