23 ديسمبر، 2024 6:56 ص

لماذا أحب محمدا ﷺ ؟! (19)

لماذا أحب محمدا ﷺ ؟! (19)

قال تعالى :” قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا”.
فوبيا الآخر ووباء كورونا داء بلاد ما بين النهرين القاتلين !
لاريب أن الحض على التكاتف والتآلف والتعاضد والأخوة وإفشاء السلام وحب الخير ومساعدة الآخرين والدعوة اليها تعد محورا لوصايا النبي الاكرم ﷺ ومن ركائز دعوته الخالدة لتوثيق الوشائج بين أبناء المجتمع الواحد في جميع الظروف وفي كل زمان ومكان وفيها قال رسول الله ﷺ: “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل” .
وأسأل جميع منظمات حقوق الانسان وما يسمى بمنظمات المجتمع المدني وفلاسفة ومفكري علم الاجتماع “سوسيولوجى” وعلم الانسان “إنثروبولوجي” وعلم النفس “سايكولوجي” حول العالم من أقصاه الى أقصاه ولا أستثني أحدا من الملل والنحل كافة “هل قرأتم أشمل وأكمل وأروع من هذه الدرر النبوية الطاهرة لخدمة الانسان ونشر مبادئء الفضيلة والاخوة والتكافل والمحبة ومحاربة الرأسمالية والمادية والفردانية والانانية المتوحشة ؟ أتحداكم جميعا أن تأتوننا بما هو أروع من ذلك وأشمل، بل وبعشر معشار ذلك وأقل ،وليعي الجميع بأن واحدة من أسباب الحرب المستعرة على الاسلام العظيم منبع الاستقرار والطمأنينة هو وقوفه كالطود الشامخ حائلا بين الرأسمالية المتوحشة ومن على شاكلتها من نزعات وايدولوجيات وفلسفات وضعية ،وبين تحقيق أغراضهم الدنيئة لإستعباد الشعوب وإستحمارها وسرقة ثرواتها على سطح هذا الكوكب،وفي هذا قال المفكر والفيلسوف الفرنسي الشهير،روجيه غارودي،الذي إعتنقَ الإسلامَ عام 1982والف العديد من الكتب وأبرزها” الإسلام دين المستقبل ” و”الإسلام وأزمة الغرب”و” لماذا أسلمت ؟” وفي كتابه الأخير،إن :انتمائي للإسلام لم يأتِ بمحض الصدفة، بل جاء بعد رحلة عناء وبحث ورحلة طويلة حتى وصلت إلى اليقين الكامل والخلود إلى الديانة التي تمثل الاستقرار، والإسلام هو الاستقرار.
ولايختلف الحال مع المفكر والدبلوماسي الالماني المعروف ولفريد هوفمان،الذي أسلم وغير إسمه الى مراد،وألف كتاب”الاسلام كبديل” و”الاسلام في الالفية الثالثة ..ديانة في صعود “و”يوميات الماني مسلم ” و”الطريق الى مكة “،وغيرها وكلها ترجمت الى العديد من اللغات حيث قال”لم أعد أرغب العيش في بلد لا أسمع فيه نداء المؤذن الجميل للصلاة”، ولله در القائل في رسول الحق وحبيب الخلق :
تتباهَى بِكَ العصورُ وَتَسْمو..بِكَ علْياءٌ بعدَها علياءُ

وأرجو ملاحظة أن النبي الأكرم ﷺجعل المشي في حاجات الآخرين أفضل من سنة الإعتكاف في مسجده النبوي المبارك،الأمر الذي يدعونا الى تكثيف العمل الخيري بعد إغلاق المساجد وتعليقها لحين إندحار الداء وزوال الوباء،اذ لانريد ان يجتمع علينا أمران،إغلاق المساجد من جهة ،وإنحسار العمل الخيري من جهة اخرى،وعلى ذكر المساجد المعلقة والأذان الذي عشق سماعه السيد هوفمان ،حدث قبل أيام معدودات أن مررت في طريقي لبعض شأني مضطرا برغم الحظر بمسجدين إثنين مغلقين أذنا سوية لصلاة العشاء أذانا إنتهى بـ”صلوا في رحالكم ..صلوا في بيوتكم “العبارة التي أبكت – مجذوبا – كان يجلس عند باب محله إعتاد على خدمة أحد المسجدين الآنفين صيفا وشتاء وبالأخص في رمضان المبارك وصلاة التراويح ولم أره يبكي من قبل ،ما أحزنني وإضطرني للصلاة في البيت عقب عودتي على خلفية إغلاق المسجدين ، ولكن وأنا في طريق العودة الى المنزل أطرقت رأسي مليا وخشيت أن يصدق فينا الحديث النبوي الصحيح :” إن من أشراط الساعة أن يمرّ الرجل بالمسجد لا يصلي فيه ركعتين” والذي يعضده حديث آخر بذات المعنى تقريبا :” من إقتراب الساعة أن تتخذ المساجد طرقاً “، وحديث آخر:”من إقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت الفجأة “،وكنت أظن أن معنى الحديث قبل وباء كورونا المستجد مقصورا على من لا يصلي أساسا ،أو بمن يمر من أمام المساجد ومن خلالها من دون الصلاة فيها “للسياحة ،لإلتقاط الصور، لدخول المرافق الصحية ،للولوج من هذا الباب الرئيس المطل على السوق والخروج من الباب الخلفي المطل على الزقاق ونحوه”،الا أن مفهوما جديدا أوسع من سابقه تولد لديَّ ساعتها تحديدا بشأن معنى الحديث،شاهدته عيانا بيانا ولأول مرة في حياتي اذ سبق لي أن صليت وحيدا داخل مساجد مدمرة كليا ومهجورة تماما في أقصى المناطق الحدودية بسبب المعارك أيام الحرب العراقية – الايرانية ، أما أن أمر بمسجد عامر وسط المدينة يرفع الآذان من دون أن أتمكن من الصلاة فيه،فهذه قضية مختلفة كليا وموقف يستدعي إعادة النظر وشحذ البصيرة وانفاذ البصر في مجمل الاحداث والوقائع ذكرتني بمجملها بما حدث أيام الحرب الطائفية 2006- 2007حين هجر الناس عشرات المساجد إما بسبب الخوف من الاختطاف والإغتيال وإما بسبب نسف هذه المساجد ،حرقها، نهبها، تعطيلها ،مصادرتها على يد ميلشيات قذرة منفلتة عاثت يومها فسادا وإفسادا في أرض العراق تقابلها تنظيمات ارهابية تكفيرية كان يحلوا لها التفجير داخل المساجد وخلال صلاة الجمعات والجماعات ما أسفر عن إزهاق أرواح الاف العراقيين الأبرياء من دون وجه حق كلهم سيشكو الى بارئه ظلم الانسان لأخيه الانسان وعند الله تجتمع الخصوم،ولعل هذا ما ولد فوبيا الآخر هاهنا في بلاد الرافدين منذ ذلك الحين حتى صار هذا النوع من الرهاب المرضي أخطر من كورونا ولعل فوبيا الآخر هي أخطر ما يواجه الأمتين العربية والاسلامية عموما والعراق على وجه الخصوص وأعني بها فوبيا القوميات والمذاهب والطوائف فيما بينها والتي تطورت الى فوبيا الاحزاب والجماعات والتيارات أيضا .

المرعب واللافت في الأمر أن تعليق الصلاة في عموم المساجد جاء بالتزامن مع تعليقها في المسجد الاقصى المبارك “أولى القبلتين وثالث الحرمين “ومع إيقاف العمرة والصلاة في باحات الحرمين الشريفين وتعليق الطواف حول الكعبة وهناك حديث نبوي شريف يقول فيه رسول الله ﷺ: “لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُحَجَّ الْبَيْتُ” وقد يكون ذلك وقتيا في زمن محدد ،ودائميا في زمن آخر والله أعلم بالصواب الا ان الأحاديث بمجملها تبين لنا عظمة النبي ﷺ الذي أنبأنا عن تفاصيل مغيبات وغيبيات ستحدث مستقبلا بحذافيرها قبل 1441 عاما خلت .
وعلى ذكر فوبيا الأخر في العراق أقول أنه وقبل سويعات من تعليق صلاة الجماعة واذا بمراهق مصاب بمتلازمة داون – منغولي – أخمن أن عمره يتراوح بين 15- 17 عاما تركه والده في المقهى وذهب في شأنه ليتبضع من السوق تحسبا لحظر التجوال فجلس المراهق قريبا مني وعادة ما يحب رواد المقهى المزاح مع هؤلاء ممن يطلق عليهم “اصحاب القلوب الطيبة “،أذن لصلاة المغرب في الجامع المجاور فقال له أحد الجالسين ممازحا “يله كوم ويايه حتى نصلي”، فأجابه المراهق بالمباشر – لا أريد أن أصلي – فضحك الجميع مبدين دهشتهم من رده العفوي المباشر وسألوه لماذا ؟
قال لأنني أصلي هكذا “وأشار الى يديه للدلالة على المذهب الذي ينتمي اليه “ولن أفصح أأسبل يديه أم كتفها حتى لا أشخصن المسألة “،فضحك الجميع ثانية وقال له أحدهم ” لا تخف..هنا لا يهتم أحد بهيئة صلاتك مسبلا أم متكتفا إطمئن” فقال المراهق “لالا ..أخاف “وأشار بيديه ضاما أصابعه الى راحته بإستثناء السبابة والابهام على هيئة مسدس وكأنه يقول لنا “اذا صليت ها هنا فسأقتل !!
أصبت بصدمة لم أستفق منها حتى حين ، وسألت نفسي ،ترى كيف لمراهق مصاب بمتلازمة داون أن يفكر بهذه الطريقة الطائفية المقيتة جدا ومن الذي أدخل في رأسه كل هذه الافكار السوداوية المسمومة وملأ عقله بكل هذا الهراء ؟
أنهى المراهق حواره و يبدو أنه قد وجد حلا سحريا للصلاة هنا بـ”سأصلي من الآن فصاعدا هكذا “واضعا يده اليمنى على صدره فيما سبل اليسرى وكأنه يقول لنا “راح أصير سنشيعي كي أسلم على نفسي ورقبتي ” فضحك الجميع ولكن ..بكى واقع العراق وأبكاني !”.
هنا لايسعني الا أن أفصح عن إن كم الكراهية الذي أتابعه على مواقع التواصل بين شرائح المجتمع العراقي وطوائفه كافة على مستوى التعليقات ومضامين البوستات والردود والردود المضادة المشفوعة بالصور والمقاطع الفيديوية الساخرة يصيبني بالغثيان والهلع جديا ،المشكلة الكبرى أن هذا الداء العضال قد تسرب الى بعض الدعاة والموجهين والمرشدين أنفسهم كذلك ،عن السياسيين فلن أتحدث لأن هؤلاء أس البلاء وهم من أرسوا دعائم الطائفية وأججوها وتاجروا بها منذ الاحتلال الامريكي الغاشم عام 2003 لصالح أحزابهم والدول التي تمولهم ،وأقول للجميع ، بأن قصعتكم ستظل مأكولة لأنكم أنتم من سمحتم من خلال تفرقكم المذموم ولجميع الاكلة بالتكالب عليها حتى صرتم من -المعزبين- للاغراب فيما طردتم الأقارب والمعارف والأحباب عنها ،والمطلوب هو القليل من الحب في زمن الكورونا والكثير من العودة الى المنهج الاسلامي الحنيف ومنابعه الصافية !
كلامنا السالف كله عن فوبيا الآخر ،أما عن فوبيا الجراثيم بسبب كورونا فأقول، ان الفوبيا أو الرهاب كما يطلق عليه باللغة العربية مرض نفسي يتمثل بالخوف المرضي الشديد وغير الطبيعي من شيء ما ،فبعضهم يعاني من فوبيا المرتفعات ، وبعضهم من فوبيا الاماكن الضيقة ،فوبيا الحشرات ،فوبيا القطط (هذا الخوف المرضي عانى منه اكبر ثلاثة طغاة في التأريخ نابوليون وهتلر وموسوليني ) ، بعضهم من فوبيا الاسلام كما في اوربا وامريكا ، وبعضهم من فوبيا الجراثيم والاخيرة قد عانى منها عشرات الامراء والملوك والسلاطين وكبار المشاهير ورجال المال والاعمال في العالم ،وفي فوبيا التعقيم يحذر مركز حماية المستهلك الالماني من كثرة استخدام المعقمات والمطهرات -على خالي بطال – لأنها تقتل البكتيريا الضارة والنافعة في آن واحد، فيما اكد البروفيسور مارك ويلكوكس، في دراسة علمية نشرت مؤخرا ،أن “معقم اليدين مفيد للحماية من الفيروسات،الا انه ضار للجلد “،ولاشك ان ضعف مناعة الجسم هي أساس الإصابة بالاوبئة والامراض بمعنى أن من يكثر إستخدام المطهرات هكذا جزافا يصدق فيه قولهم – اجه يكحلها عماها – وليس هناك افضل لعلاج الرهاب والفوبيا نفسيا من معاملة الشيء بنقيضه ،بمعنى” داوها بالتي كانت هي الداء ” فمن يخشى القطط فإنهم يضعونه وسط خمسين قطة حتى يشفى من عقدته النفسية تلك ،ومن يخاف الثعابين يضعونه وسط الثعابين – غير السامة طبعا – وهكذا دواليك ،وبدوري أنصح من يخاف الآخر قوميا،طائفيا،عشائريا في العراق أن يخالط هذا الآخر ويؤاكله ويشاربه ليكتشف بأنه كان على خطأ كبير وغير مبرر لخوفه وأنه كان يعيش في وهم كراهية أكبر،واذكر في عام 1991 وبعدما قصفت اميركا اللعينة كل جسور البصرة وكنت يومها هناك لم يتبق من أحد الجسور بين الضفتين سوى ممر حديدي ضيق بعرض أقل من نصف متر وبطول سبعة أمتار وتحته بقايا الجسر المدمرة والنهر ولابد من عبوره مهما كلف الامر بناء على الاوامر العسكرية وقد عبر جميع الاصدقاء بإستثناء واحد من عناصر الوحدة العسكرية – وما اريد اكلكم آآآني !- فظلوا بإنتظاري ظنا منهم انني مصاب بفوبيا المرتفعات فيما الحقيقة انني كنت مصابا بفوبيا الانهر اذ سبق لي أن غرقت في نهر دجلة وأنقذني في اللحظة الاخيرة – الرائد جمال رحمه الله تعالى – وكان سباحا ماهرا يشار له بالبنان يعبر النهر ذهابا وإيابا من دون توقف وما زلت مدينا لهذا الرجل ليس لإنقاذي فحسب بل ولأنه هو من دفعني الى الصلاة وشجعني عليها علما أنه من مذهب آخر،رحمك الله ياجمال واسكنك فسيح جناته،حقا إن عمل الخير لاينتهي أبدا .
عودوا الى ربكم،الى إسلامكم ،الى قرآنكم ،الى نبيكم ،الى ألفتكم ،الى محبتكم ،الى أخوتكم ، وتوبوا الى بارئكم ،وكفوا عن الخوف المرضي من نظرائكم في الخلق وإخوانكم في الدين،كفوا عن تحريض بعضكم ضد بعض وليعن أحدكم الآخر في زمن الوباء والغلاء والبلاء وشماتة الأعداء ،فما مر بالعراق وشعبه حسبه فهل من معتبر ؟ اودعناكم اغاتي