23 ديسمبر، 2024 2:55 ص

لماذا أحب محمدا ﷺ؟! (27)

لماذا أحب محمدا ﷺ؟! (27)

قال تعالى : ” وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا”.
رحم الله ضرير الفجر الذي فاق “المبصرين “إبصارا وبصيرة!
اليوم تحديدا كان لي مع بعض النفحات القرآنية مواقف عدة لفت إنتباهي منها موقفان، نشر الأول منها الدكتور حلمي الفقي ،على صفحته الشخصية في موقع التواصل الإجتماعي- فيس بوك – وأحببت أن أنقلها لكم عن كيفية تسجيل الختمة المرتلة لأول مرة من سورة الفاتحة الى سورة الناس في إسطوانات مسجلة مدتها 45 دقيقة ليتم بثها بداية ستينيات القرن الماضي من إذاعة صوت العرب منذ ذلك الحين والى يومنا هذا،بمقترح تقدم به رئيس جمعية الحفاظ على القرآن الكريم فلقي المقترح صدى واسعا وتحول الى واقع حال وكانت التسجيلات قبلها مجرد تسجيلات محافل لسور قرآنية متفرقة – تجويدا – فحسب وبدأت الختمات المرتلة بصوت الحصري- من دون مقابل- لتثني بصوت عبد الباسط ومن ثم المنشاوي،فمحمود علي البنا وإنتهاء بمصطفى اسماعيل ، اللطيف أن صاحب شركة الاسطوانات والتسجيلات رفض أن يتقاضي ثمنها وله بذلك أجرالتلاوة كاملة الى يوم الدين.
اما الموقف الثاني فحدثني به أحد أبناء الأعظمية الفيحاء عن الشيخ الحافظ الضرير ملا سامي الاعظمي، وقال وبالحرف، إن “ملا سامي الضرير كان يخرج من بيته سيرا على الأقدام في أحلك الظروف التي مرت بالعراق وأشدها قتامة ورعبا عام 2004 من شارع عمر بن عبد العزيز حيث يقيم كل يوم قبل صلاة الفجر لوحده في الأزقة والحارات بمسافة تصل الى نصف ساعة متواصلة تقريبا وصولا الى جامع الإمام ابي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي متوكأ على عكازه ليؤم المصلين في صلاة الفجر وليختم المصحف كل شهر ختمة كاملة فيها -أي صلاة الفجر- في رمضان وسواه من الشهور القمرية، وذات يوم أمسك الجنود الاميركان بتلابيبه وهو في طريقه الى المسجد وبعد أن علموا بأنه شيخ ضرير أخذوا عصاه التي يتوكأ عليها وأخضعوها للفحص الدقيق ظنا منهم بأنها تحوي جهاز استشعار الكتروني أو جي بي اس وما شاكل ، فوجودوها مجرد عصا بسيطة من الخيزران ليس إلا فعادوا وفحصوا ساعته -ساعة مخصصة للمكفوفين- واذا بها ساعة عادية جدا وقديمة ولاتقنيات حديثة فيها البتة، فعاودوا تفتيشه تفتيشا دقيقا بمعية المترجم لمعرفة سر قدرة رجل ضرير وكبير في السن على السير كل هذه المسافة الطويلة بمفرده ذهابا وايابا من والى المسجد الكبير وسط الامطار الغزيرة والأوحال وفي أزقة ضيقة لاحدود لأفرعها الجانبية التي يتيه فيها -المبصرون وبقوة إبصار 6/ 6- الا انهم لم يجدوا شيئا فألتقطوا له ولعصاه ولساعته صورا كثيرة بحثا عن السر الذي حير عقولهم وفات رعاة البقر وأعداء البشر قوله تعالى في محكم كتابه العزيز :” فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” ، رحمك الله ياملا سامي الاعظمي، لقد حفظت القرآن صغيرا فحفظك الله تعالى بالقرآن الكريم كبيرا وأنار بصرك وبصيرتك ببركاته ،ولله در وليد الأعظمي القائل في فضل القرآن الكريم وهو جار لملا سامي وابن منطقته الغراء :
قرآن ربك يا محمد عِزُّنا ..ونظامنا الداعي لعيشٍ أرغد
الناس فيه على السواء جميعهم ..لافضل فيهم لأبيض أو أسودِ
ومن الجدير ذكره أن لكل قارئ من القراء المشاهير قصص وحكايا ومواقف وألقاب على شاكلة – ضرير الفجر العراقي – فعبد الباسط عبد الصمد مثلا لقب يوما بـ” مارلون براندو العرب “وذلك لوسامته وأناقته ولفرط تأنقه في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه وتنقلاته وإستعماله لأرقى العطور ولحضوره الطاغي في المحافل والمناسبات واللقاءات علما أن أولاده وبناته كلهم من حفظة كتاب الله العزيز وقد أسلمت أشهر مذيعة في اوغندا بعد انتهاء محفله تأثرا بصوته وأدائه وذهبت الى الحج بوساطة منه بل وأقامت هناك طوال حياتها وتحولت الى داعية الى الاسلام في أفريقيا الى وفاتها وقد أسلم بين يديه العشرات خلال المحافل التي أقامها في آسيا وأفريقيا ،فيما لقب محمد صديق المنشاوي بـ” الصوت الباكي “لتركيزه على مقام النهاوند الحزين، وله موقف مشهود مع عبد الناصر حين أرسل في طلبه لقراءة القرآن في حفل يحضره الرئيس ليتشرف بذلك فرفض المنشاوي ذلك وقال قولته المعروفة “لقد أرسل عبد الناصر لي بأسوأ رسله..لماذا لا يكون الشرف لعبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي بدلا من ان يكون الشرف لي شخصيا بحضور حفل يحضره الرئيس ؟!”،وكاد أن يفقد حياته إغتيالا بالسم عام 1963 في حفل كبير حين قدم أحدهم مبلغا ماليا لكبير الطباخين مقابل دس السم في طعام المنشاوي الا أن الطباخ ذهب وأخبر الشيخ بذلك فأبى الأخير أن يأكل شيئا من طعام الوليمة ورحل متذرعا بعذر مقنع،وكان عبد الباسط والمنشاوي صديقين حميمين شاءت الأقدار أن يتوفيا في نفس الشهر الهجري”ربيع الثاني” وكلاهما كان يطبق مقولة شيخهم الأكبر محمد رفعت الشهيرة، إن ” قارئ القرآن لايهان ” والتي قالها رفضا لمساعدات الملوك والأمراء وكبار التجار يوم أصيب بـ”مرض الزغطة” في حنجرته الذهبية والتي منعته من القراءة لاحقا وكان فقيرا لايمتلك ثمن العلاج ولاتكاليف العملية، أما مصطفى اسماعيل ،الملقب بـ” قارئ الأمراء والفقراء “فقد ترك خلفه 1300 تلاوة مازالت وستظل تبث في كل الاذاعات والفضائيات العربية والاسلامية ما تعاقب ليل ونهار .
فيما الشيخ الحصري وهو أول من سجل القرآن مرتلا برواية حفص عن عاصم ورواية ورش عن نافع ، ورواية قالون والدورى عن أبي عمرو البصري بالتتابع ، فكان أول من رتل القرآن في الأمم المتحدة وأذّن لصلاة الظهرهناك ، وهو أول من رتل القرآن في القصر الملكي البريطاني وأول قارئ للقرآن في البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي!
وفي بعض هؤلاء العمالقة قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :”من ناحية إتقان الأحكام فالشيخ الحصري ، ومن جهة الاداء والاتقان النغمي فمصطفى اسماعيل ،أما عن حلاوة الصوت فعبد الباسط ،بينما الشيخ محمد رفعت ففيه كل ذلك ” .
ولهذا قال الحاخام الأكبر للكيان الصهيوني سابقا مردخاي الياهو، مخاطبا مجموعة من المتطوعين في الجيش الصهيوني،ان “هذا الكتاب الذي يسمونه القرآن هو عدونا الأكبر والأوحد، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته، وكيف يمكن تحقيق السلام في وقت يقدس العرب والمسلمون فيه كتابا يتحدث عنا بكل هذه السلبية، على حكام العرب أن يختاروا إما القرآن أو السلام معنا !”.
ولهذا دعا القس الامريكي تيري جونز،الى حرق المصاحف في الذكرى السنوية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولا خير في هذه الأمة مالم ترجع الى كتاب ربها تلاوة وحفظا وتعلما وتعليما وفهما وعملا بالأحكام.
وفي كتاب الله تعالى قال ﷺ: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”، وقوله ﷺ:”من علم آية من كتاب الله، عز وجل، كان له ثوابها ما تليت”،وقوله ﷺ:”ان الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب” فعودوا الى كتاب الله جميعا ولاتتخذوا هذا الكتاب العظيم مهجورا .
ولايسعني في هذا المقام الا أن أوجه نداءا عاجلا الى إدارات الفضائيات العربية والعراقية كافة أقترح فيه وبإلحاح شديد بأن يقرأ المصحف ويتلى بالتزامن مع متابعة معاني كلمات الآيات والمفردات القرآنية أولا بأول،وأنصح بأن تضاف تلكم المعاني المهمة الى التلاوات لتظهر أسفل الشاشة في شريط متتابع كسبتايتل الأخبار يعرض بالتزامن مع النص المقروء تحديدا ولجميع القراء والقراءات وفي جميع الفضائيات، وشكرا للشيخ محمد الحسيني السامرائي،الذي أثار هذا الموضوع المهم جدا ذاك أن الاف المسلمين يختمون المصحف دوريا وشهريا من دون أن يفهموا آية ولا كلمة واحدة من كلماته ولا أحكامه ولا معانيه العظيمة البتة . اودعناكم اغاتي