23 ديسمبر، 2024 12:06 ص

لماذا أحب محمدا ﷺ؟! (23)

لماذا أحب محمدا ﷺ؟! (23)

قال تعالى :” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ” .
قلوب تهفوا الى مكة والمدينة بينها لمشاهير أجانب أسلموا فحجوا !
نعم لقد إستبد الشوق بالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لزيارة الحرمين الشريفين -المكي والمدني- وشد الرحال إليهما في مواسم الحج والعمرة للصلاة والإعتكاف والتهجد والتعبد والتضرع فيهما هناك كما جرت عليه العادة منذ قرون لاسيما بعد تعليق السفر اليهما والصلاة فيهما مؤقتا بسبب وباء كورونا المستجد (كوفيد – 19) بما حز في نفوسهم كثيرا مع رؤية الحرمين الشريفين خاويين على غير عادتهما في صور أبكت الملايين وأدمت قلوبهم حول العالم وستظل كذلك كلما تم تداولها مستقبلا ،وإنطلاقا من هذا الشوق الكبير أرسل لي أحد الأخوة الأحبة مقطع فيديو لأغنية جميلة جدا تتحدث عن مكة وعن الاسلام وتتغنى بهما منسوبة لمطرب البوب الشهير مايكل جاكسون ،الا أنها تعود في حقيقتها الى المطرب الكندي من أصول باكستانية”عرفان مكي”وكان على الديانة المسيحية قبل أن يعتنق الاسلام ويتخصص بالانشاد الاسلامي ،أما عن سبب التوهم الدائم في نسبة الأغنية الى جاكسون فمرده الى تشابه صوتيهما بشكل لافت من جهة ،ولأن ملك البوب مات والكثير من حوله فضلا عن معجبيه يشتبه بإعلانه إسلامه قبل موته من جهة أخرى، وما يدعم ذلك هو إسلام شقيقه”جيرمين جاكسون أو محمد عبد العزيز”وشقيقته “جانيت جاكسون” ولم يتمكن أحد بما فيهم نقاد الموسيقى ومنذ وفاته عام 2009 والى يومنا هذا من البت في نفي أو إثبات إسلام جاكسون من عدمه والكل منقسم بين ناف ومثبت منذ ذلك الحين !

نجمة بوليوود المطربة والممثلة باكستانية الاصل ،رابى بيرزادا، سبق لها أن نشرت عبر حسابها على “إنستغرام” صورا لها أثناء تأدية مناسك العمرة فى مكة المكرمة وهي بملابس الاحرام معلنة توبتها وإعتزالها التمثيل من هناك ،قائلة لمعجبيها “من الصعب جداً التحكم فى عواطفك عندما تكون أمام الله مباشرة لكن الامتحان الحقيقى يبدأ بعد العمرة..لم أر مكانا أو كائنا واحدا في هذا العالم يشبه هذا..الحمد لله لقد أديت ثلاث عمرات خلال 6 أيام من وجودى فى مكة !”.

بعد رحلته إلى مكة المكرمة عام 1929 لأداء فريضة الحج ألف المستشرق والفنان التشكيلي الفرنسي المعروف ايتيان دينيه ، والذي سبق له أن اشهر إسلامه وغير إسمه الى ناصر الدين دينيه ، كتابه الشهير (الحج إلى بيت الله الحرام) والذي ضمنه لوحات بريشته بينها الوقوف بعرفة ، صلاة المغرب حول الكعبة، ومنظر عام للكعبة ، وجبل النور وقال فيه “هذه الرحلة تركت في نفسي انطباعات لم أشعر بما هو أسمى منها في كل حياتي. فلا أحد في العالم يمكنه أن يعطي فكرة عما شاهدته من جوانب هذه العقيدة الوحدانية من حيث المساواة والأُخوة بين الناس من مختلف الأجناس كانوا مزدحمين الواحد بجانب الآخر ” أما عن المسجد النبوي الشريف فكتب دينيه ” إن عجائب الأرض لا يمكن أن تقارن بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث قوة الانفعالات وعمق الأحاسيس التي تنتاب الكائن أمام هذا الصرح العظيم ” وذلك بعد تأليفه كتابا عن سيرة النبي المصطفى ﷺ بالاشتراك مع احد الكتاب الجزائريين بعنوان ” محمد رسول الله “، ولله در القائل عن رحلة الحج المباركة :

يَا رَاحِلِينَ إِلَى مِنًى بِقِيَادِي ..هَيَّجْتُمُوا يَوْمَ الرَّحِيلِ فُؤَادِي

سِرْتُمْ وَسَارَ دَلِيلُكُمْ يَا وَحْشَتِي ..الشَّوْقُ أَقْلَقَنِي وَصَوْتُ الْحَادِي

ولاريب أن كل شعيرة ومنسك في فريضة الحج وهي الركن الرابع من أركان الاسلام الخمسة ،سُئِلَ النبيُّ ﷺ: أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: إيمانٌ باللهِ ورسولِه. قِيلَ: ثم ماذا؟ قال جهادٌ في سبيلِ اللهِ. قِيلَ: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مَبرور” ، وقال رسول الله ﷺ :” بُنِيَ الإسلامُ على خَمسٍ؛ علَى أنْ يعبَدَ اللهُ ويُكْفَرَ بمَا دونَهُ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحجِّ البيتِ، وصومِ رمضان “، اقول إن لكل شعيرة ومنسك في الحج معنى عميق وهدف سام نبيل ومقصد شريف كبير، بدءا من الطواف حول الكعبة عكس تجاه عقارب الساعة تماما كما هو دوران كل شيء في هذا الكون بدءا من الالكترون حول نواة الذرة ،الارض حول مركزها ، القمر حول الارض ،الكواكب مع الارض حول الشمس ، الشمس بكواكبها حول مركز المجرة ،المجرات حول مركز الكون ، كلها تدور عكس اتجاه عقارب الساعة في تسبيح وتوحيد كوني رائع ومتواصل ومنتظم ،وصولا الى الثياب البيضاء غير المخيطة وغير المعطرة – ثوبا الإحرام – فهذان ينهيان التمايز الطبقي ويذيبان الفوارق الاجتماعية ويمحوان النظرة القطرية ،العنصرية ،القومية الضيقة ويجعلانك لاتعرف حقيقة وانت وسط الجموع البيضاء من هو الأمير ومن هو الحقير، من هو الغني ومن هو الفقير،الكل هاهنا سواسية كأسنان المشط يرتدون زيا واحدا يشبه – الكفن – مذكرا إياهم بالموت ونهاية الرحلة الدنيوية في نهاية المطاف مهما طال العمر ولابد من الاعداد لهذه الرحلة كما ينبغي لها أن تعد ، وعندما ذهب الى مكة حاجا عام 1964،ولبس الاحرام الابيض عقدت الدهشة لسان زعيم الزنوج الاميركان ، مالكوم اكس ، والذي سبق رحلته الى الديار المقدسة أن أشهر إسلامه وغير إسمه الى ” مالك شهباز “،هذا الزعيم الكبير الذي وقف ندا ضد سياسية التمييز العنصري في بلاده ،ذهل لما وقع عليه بصره من وحدة الصف والألفة والمحبة بين مختلف الاجناس والأعراق في الحج ، حيث لافرق بين أسود ولا أبيض ، ولا بين أحمر ولا أصفر الا بالتقوى فقال قولته الشهيرة :”في حياتي لم أشهد أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، إن أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية فيها” ،وانوه الى أن اللون الأبيض وكما يقول علماء النفس هو من أفضل الألوان ،مؤكدين أن من يفضل اللون الأبيض يتميز بالقلب الطيب والإخلاص والصدق وهو رمز للنقاء والصفاء والطهارة والسلام والحب، ولذلك يرتديه الاطباء والممرضون وتطلى به المستشفيات ومراكز العلاج الطبي حول العالم ، وفي إستحباب لبس البياض قال رسول الله ﷺ” البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم وإن خير أكحالكم الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر” ولله در القائل في ليس الاحرام :

وصرنـا كأموات لـفـفـنـا جسومنـا..بأكـفانـنـا كـل ذلـيـل لـمـولاه

لعل يـرى ذل الـعـباد وكسرهـم..فـيـرحـمهم رب يـرجـون رحماه

نعم لقد أعجبني رأي الدكتور مجدي عاشور، في قضية السبعة بمناسك الحج ، الطواف بالكعبة سبعة أشواط والسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط ورمي الجمرات سبعا حيث قال ،أن ” تكرار رقم سبعة في مناسك الحج كأنه رسالة بأن كل شوط أو حصوة يسد بابا من أبواب جهنم السبعة لقوله تعالى (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُوم)” وكأنه يرمي النفس الأمارة بالسوء + شياطين الانس + شياطين الجن وهؤلاء هم اعداء الانسان طوال سني حياته في ثلاث رميات “الصغرى، والوسطى، والكبرى” في كل مرة بسبع حصيات يكبر فيها ربه وهذه كلها بمثابة محاكاة لأبرز مافي الكون وسننه فأيام الاسبوع سبعة ايام ، ألوان الطيف الشمسي سبعة ، السماوات سبع ، الارضين سبع ، سورة الفاتحة هي السبع المثاني ،الموبقات الأخطر سبع ، السجود في الصلاة يكون على سبعة أعظم ، السلم الموسيقي يتألف من سبع درجات نغمية اساسية ، كما ان الرقم سبعة لايقبل القسمة وليس له جذر تربيعي !

بطل العالم في الملاكمة للوزن الثقيل ثلاث مرات مايك تايسون ، والذي اشهر اسلامه وغير اسمه الى مالك عبد العزيز، وقف في رحلة العمرة باكيا امام قبر الرسول الكريم ساعة ونصف كاملة وهو يتأمل ويذرف الدموع على الخدين مدرارا ، قائلا ” لن أنسى ما حُييت تلك اللحظة التى شعرت فيها بحالة من الهدوء النفسي لم أشعر بها من قبل، وما زلت أذكر لحظة وقوفى فى حضرة النبى الكريم ﷺوصلاتى فى الروضة الشريفة”، وذلك على خطا استاذه بطل العالم الاسبق كاسليوس مارسيلوس كلاي ، الذي اشهر اسلامه وصار اسمه محمد علي كلاي ، والذي ذهب الى العمرة ونطق الشهادتين هناك وقال عنه المطوف المعروف بـ” مطوف المشاهير ” جميل سليمان جلال :” لقد كان كلاي كثير التأثر والبكاء عندما شاهد الكعبة المشرفة ” .

يا خير من دُفِنَتْ بالقاع أعْظُمُهُ.. فطاب من طيبهن القاع والأكم

الدكتور جيولا جيرمانوس ، الذي اشهر اسلامه وغير اسمه الى عبد الكريم جيرمانوس ، ليؤلف كتابه الشهيرعن الحج بعنوان ” الله اكبر ” بعد رحلته وزوجته التي اشهرت بدورها اسلامها وحجا سوية وقال من جملة ما قاله عن الاسلام ” وليس في تعاليمِ الإسلام ما لا يُمكِن تحقيقُه عمليًّا، وهي معجزة عظيمة يتميَّز بها عن سواه؛ فالإسلام دينُ الذهن المستنير، وسيكون الإسلام معتقد الأحرار..أنه دينُ الطُّهر والنظافة والسلوك الاجتماعي، والشعور الإنساني”.

كذلك الحال مع الدبلوماسي والمفكر الالماني الرائع الدكتور ويلفريد هوفمان،الذي اشهر اسلامه وغير اسمه الى ، مراد هوفمان ، حين ذهب الى رحلة الحج العظيمة وحج مرتين وإعتمر سبع مرات والف كتابه المدهش (الرحلة الى مكة) واصفا يوم عرفة وهو خير يوم طلعت عليه شمس والذي قال فيه رسول الله ﷺ : “ما من يومٍ أكثرَ من أن يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبدًا من النار، من يومِ عرفةَ، وإنَّهُ ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكةُ، فيقول: ما أراد هؤلاءِ ؟” ، يذكر هوفمان في كتابه المترجم الى عدة لغات عالمية ،ان “ملايين من الناس يتشحون بأكفان، ويتركون في هذا اليوم كل شيء وراء ظهورهم فوجودهم اليوم مكرّس لله وحده يتوقّعون موتهم، يصلون ويتضرعون في خشوع ويقين لم يحدثا من قبل، ولن يحدثا في الغالب من بعد”.

قال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ :” الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ”.

وقال ﷺ : “مَن حجَّ للهِ، فلم يَرفُث، ولم يَفسُقْ، رجَع كيوم ولدَته أمُّه”،وقال ﷺ :”عُمرَةٌ في رمَضَانَ تَعدِلُ حجة أَوْ حَجَّةً مَعِي “.

المخرج الاميركي مايكل وولف، الذي اشهر اسلامه وهو من عائلة يهودية ليخرج فيلما وثائقيا عن الحج بعنوان “أمريكي في مكة ” ومن ثم ليؤلف كتابين عن رحلة الحج الاول بعنوان ” رحلة أمريكي إلى مكة” والثاني “ألف طريق إلى مكة”، وبعدها اخرج فيلما وثائقيا عن سيرة النبي محمد ﷺ، ويقول عن ذلك كله” الاسلام يمحو الفوارق المادية والعنصرية التي تسيطر على العالم ..وبما أني من المولعين بالترحال فقد كان وقت الرحلة الأهم في حياتي بعد إسلامي هي زيارة مكة المكرمة وكان ذلك في شهر رمضان وأعددت لتغطية الحج وتقديمه للعالم من خلال أشهر القنوات الفضائية لتصل الصورة إلى العالم الغربي وإلى غير المسلمين”.

الاعلامي والمفكر النمساوي الشهير ليوبولد فايس الذي أسلم عام 1926 وغير اسمه الى ” محمد اسد ” وكان يهوديا ، ليؤلف كتابه ذائع الصيت ” الطريق الى مكة ” قال فيه “شعوري لم يكن قط قويا كما كان الآن أمام الكعبة ” ولله در القائل :

إلـيــك إلــهــي قـــد أتـيـت مُـلـَبـيــــــاً…فـبارك الهي حـجـتـي ودعائيــا

قـصـــدتــك مـضــطـراً وجـئـتـك باكيـاً …وحاشاك ربـي أن تــرد بـكـائـيــا

وهاهي جموع المسلمين وملايينهم في أرجاء المعمورة كلها تهفو لعودة العمرة والحج بعد زوال الوباء ليشدوا الرحال الى الديار المقدسة ملبين ومهللين ومكبرين ومسبحين وعابدين وتائبين عسى أن يكون ذلك قريبا وما ذلك على الله بعزيز .اودعناكم اغاتي