14 نوفمبر، 2024 9:39 ص
Search
Close this search box.

للناصرية، يا طارش ،لا تمر بينه الا الكفيل وياك !!!!

للناصرية، يا طارش ،لا تمر بينه الا الكفيل وياك !!!!

بعد قرابة أكثر من ربع قرن من الزمان، زرت الناصرية مدينتي الحالمة التي تحتضن الفرات بنخيلها ومزارعها واهلها الطيبين ، زرتها بناءً على رغبة العديد من أصدقائي وأخواني هناك، أخبروني بان الناصرية قد أرتدت جلباباً زاهياً يليق بها بها وأن زيارتها واجب علي لأنني أعشقها أولاً وثانياً ،لأنني كنت زائراً لها بين الحين والحين ، ولابد من أكحل عيني بها بعد هذا الفراق الطويل.

على أية حال ، حزمت أمري ، وتوكلت على الله ، ووظبت حقيبة السفر وارتديت الزي العربي زي اهلنا في الجنوب ، وتوجهت نحو ساحة النهضة لأستقل سيارة الأجرة (الكرايسلر الأمريكية ) التي يسميها الناس هنا بـ (اوباما) ولا اعرف سبباً وجيهاً لهذه التسميات الغريبة التي اعتاد اهلنا على أطلاقها على السيارات مستخدمين أسماء الممثلات والشخصيات السياسية!!.

قبل أن نصل الى البطحة وماأدراك ما البطحة؟ نقطة تفتيش بائسة لا تتوفر فيها أبسط مستلومات الأستراحة أو الوقوف الأظطراري ، على اية حال ، علينا أن نترجل من السيارة وأن نقوم بتقديم البطاقات الشخصية لرجال الأمن واعني بالبطاقة الشخصية هوية الأحوال المدنية الجديدة حصراً التي تحمل علامة (الفسفورة) .

الويل والثبور لمن لايحمل هذه البطاقة الجديدة، من حسن حظي أن بطاقتي جديدة ولم يمضي على اصدارها سوى شهور قليلة ، أستلم رجل الأمن العابس ذو الوجه المكفهر البطاقات وغادرنا بسرعة، جاء رجل أمن آخر وطلب أن نقف سويةً وأن يكون السائق معنا.

عاد الرجل المكفهر ذو الوجه البائس الينا ، وقال بلهجة جافة تنم على حب الأنتقام منا، هل لديكم كفلاء ؟

قال الشاب الجريح في الحشد الشعبي البطل الذي تبرعت له بمقعدي الأمامي في السيارة، انه من مدينة الشطرة وانه أصيب في رجله اليسرى وقد ترك أوراقه في

المستشفى الميداني الذي عولج فيه ، وانه في أجازة لزيارة أهله ومن ثم العودة الى جبهات القتال ثانيةً.

لم يابه به ، بل أصر على وجوب حمل البطاقة وتسمية الكفيل.

جاء دوري ، قلت له ، جئت من بغداد لأزور مدينتي الناصرية ، الناصرية محافظة من محافظات بلد عظيم أسمه العراق، أنا من الجنوب ، عشيرتي من الجنوب ، بل هناك مدينة في الناصرية الأغلبية العظمى من اهلي وعشيري وانتم تعرفونها.

تركني وانصرف ، بعد لحظات ،جاء رجل أمن يبدو ان رتبته كبيرة بدليل انه كان متجهماً أكثر من رجل الأمن الأول ، وجهه حيادي، يتكلم بالتقسيط المريح ، سالني بدون اية مقدمات ، لماذا جئت الى الناصرية؟ عجيب ، لماذا ؟ انهم اهلي والناصرية بلدتي حالها مثل القرنة والمشخاب وكويسنجق والمقدادية والكحلاء … أنا عراقي وقد كفل الدستور حق تنقلي وسفري .

أستشاط الرجل غضباً ، أردف من اية عشيرة انت ؟ قلت له أنا من العشيرة الفلانية سالني من تعرف من عشيرتك في الناصرية، أجبته وبدون تردد اعرف الجميع ، شجعني هذا السؤال في أن أذكر له اكثر من عشرة اسماء من أسماء الشخصيات المهمة في المحافظة وحتى اسم رئيس العشيرة واسماء أشخاص مهمين في المحافظة.

قال لي محتجاً انت لست من اهل الناصرية لان البطاقة الشخصية تقول أن ولادتك في بغداد ، كيف تقنعني انك من اهل الناصرية ؟ قلت له يا ابني انا عراقي ولدت في بغداد واهلي في كل مكان اهلي العراق عشيرتي العراق ، كل العراق اهلي، نعم انا بغدادي المولد ولكنني جنوبي الهوى وعشقي وهواي دجلة والفرات ، أجدادي عاشوا في الجنوب ، زرعوا الأرض ، ضحوا بحياتهم في ثورة العشرين ، أجدادي هم من بناة العراق وهم بناة الحضارات القديمة التي تفتخر انت وانا بها.

لم يعجبه كلامي ، لكنه قال لي انني ساساعدك وساتصل ببعض ممن تعرفهم ، فعلا اتصل باكثر من شخص وكلهم يعرفونني ، لكنه كان خبيثاً ولم يصدق ما سمعه هو باذنيه ، وعاتبته بشكل هادىء يبدو ايها المحترم انك تريد اكثر من كفيل لانك اتصلت باكثر من شخص ، هل هذا يعني انك ستتصل بكل الذين اعرفهم وماأكثرهم ، هنا كانت الطامة ، غضب مني واستشاط غيضاً ونادى باعلى صوته على أحد المراتب وهمس باذنه ، بعد قليل جاءني شخص آخر وقال لي حسناً اين بطاقتك الشخصية ؟ قلت له أخذها المتجهم ذو الوجه البائس ، ذهبنا اليه، انكر وجود البطاقة لديه ، ضاعت البطاقة أذن.

نعم هكذا اراد ان ينتقم مني مسؤول نقطة التفتيش والدليل على ذلك هو المحادثة السرية التي جرت بينه وبين احد رجاله وابلاغه بضرورة أخفاء البطاقة ومن ثم التلذذ بمصيبتي الثانية.

بين لحظة ولحظة يهددنا السائق بانه سيتركنا في هذه الصحراء لاننا لانملك الكفلاء ، اتصلت بالكثير من معارفي وقد لبوا ندائي واتصلوا بالنقطة وتكلموا مع كل المتجهمين ذوي الوجوه البائسة ولكن بدون جدوى.

استمرت المعاناة اكثر من ساعة ، بقاؤنا في هذه الصحراء ليلاً يتعبني ، ويقلقني أيضاً، أخيراً أنفرجت الأزمة ، وجدوا البطاقة الشخصية ، كانت موضوعة على منضدة أحدهم ، هم يعرفون بالطبع مكانها لأنهم هم الذين اخفوها.

في مكان ضيق اشبه بالزنزانة ، طلب مني احد رجال الامن ان اقدم بعض التفاصيل الشخصية جداً ، الاسم الكامل ، العمر ، رقم الموبايل ، مكان السكن في بغداد ، الغرض من الزيارة قلت له زيارة الاهل كتب بدلا عن ذلك زيارة عمل ، (الحكومة اعلم مني بذلك) . الغريب ان اسم كفيلي كان مفاجأة جداً لي وغير متوقعة بدلاً من ان يكون كفيلي واحداً من بين عشرين شخصية معروفة في الناصرية شخصيات تضم قضاة واطباء ورجال اعمال وموظفين حكوميين ورؤساء عشائر وأفخاذ معروفين ، كان كفيلي شخصاً لا اعرفه ولا يعرفني على الأطلاق ، اسم كفيلي ياسادة هو الرائد أياد . من هو اياد الله أعلم .!!!

انتهت الأزمة ، غادرنا البطحة ، بعد مسافة كيلومتر واحد تقريباً، كانت هناك نقطة سيطرة أخرى، توقفنا، تكررت القصة نفسها، جاء احد المتجهمين من ذوي الوجوه البائسة ، وطلب البطاقات الشخصية، أخبره السائق باننا للتو عملنا المطلوب ـ قال بلهجة عصبية ، هناك أجراءات وهنا أجراءات أخرى مختلفة.

ترجلنا من السيارة وبدأ التحقيق الثاني معنا، اسباب الزيارة ومن هم الكفلاء .

سالني المسؤول عن النقطة من هو أسم الكفيل ، قلت له ببراءة وصدق ان اسم كفيلي الرائد اياد ، سالني ماأسم ابيه ؟ قلت لا اعرف !!

أستشاط الرجل غيضاً وراح يعظ شفتيه بشكل هستيري وهو يقول لي كيف يكون كفيلك هذا الشخص ولا تعرفه !! أعطني رقم موبايل الرائد اياد ، قلت له سبق وان قلت لك لا اعرفه ، قالوا لي ذلك وثبتوا اسمه في نقطة البطحة بالامكان الاتصال بهم للأطمئنان على ماقلته.

ليس من واجبي ذلك، قالها بعصبية وتركنا وقد أستأسد السائق علينا مهدداً بأن يتركنا والعودة الى اهله لأنه قد تاخر عليهم.!!!

دخنت بشراهة في تلك الليلة المظلمة وسط الصحراء ، نعم صحراء قاحلة ، البوابة الى دخول الناصرية بوابة مهملة مقفرة بائسة .

ولولا الحياء والخوف من زعل احبائي ، لعدت ثانية الى بغداد بدلاً من البهذلة والمعاناة التي واجهناها في طريقنا الى الناصرية.

بالفعل ، فكرت بذك وهيأت حقيبتي لكنني لم أجد اية سيارة تتوجه الى بغداد في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل.

تحدثت مع احبتي في الناصرية ، شرحت لهم حجم المعاناة التي صادفتنا ، قالوا لي ان سبب اعتماد مثل هذه الأجراءات يعود الى ما تعرضت له المدينة مؤخراً من حوادث تفجير وارهاب .

اتفهم والله هذه الهموم وهذه الأنشغالات الأمنية والمدينة مدينتهم ومن حقهم ان يحافظوا على امنها وسلامتها ،ولكن ليس من الموضوعية بمكان ان يتم التعامل مع زوار المدينة بهذا الشكل المقرف وبهذه الوجوه البائسة التي تتلذذ بعذابات الزائرين الذي لا حول ولا قوة لهم ، المطلوب اعتماد الشفافية في التعامل ووضع اناس يعرفون واجبهم الأمني بشكل سليم وصحيح ، المطلوب الكثير من العمل الجدي لهذه المدينة التي ذاقت الاهمال والتهميش طوال عقود عديدة.

تحية لمدينتي الناصرية ولكل اهلها الطيبين بأستثناء اصحاب الوجوه البائسة والمتجهمين.

أحدث المقالات