عندما كنا صغارا، كان اللعب شغلنا الشاغل، وابتكار ماهو جديد منه ديدننا، مع أن المتوافر بين أيدينا من أدوات اللعب آنذاك، ليس أكثر من الـ (دعابل) والـ (مصرع) والـ (چعاب) إذ لاوجود للـ (Play Station) والـ (CEEGA) والـ (X. BOX) ولم نكن قد سمعنا بعد بألعاب الحواسيب المتعارف عليها اليوم، فلا “كلاش” ولا “المزرعة السعيدة”… ولا جير ولا بسامير.
مع ذا كان التأكيد على روح التعاون هو النصيحة الأولى التي نسمعها من أهالينا دوما، وعلينا الامتثال لها والالتزام بها، وإلا فخسارة اللعبة أول ما نجنيه من تمردنا وعدم انصياعنا لمفردات التعاون، ناهيك عن الحساب والعقاب لعدم الامتثال الى النصح والأوامر.
وكبرنا.. وتطورت بعض ألعابنا واندثرت أخرى، وحل محلها اهتمامات أملتها علينا ظروفنا الحياتية، بين أعمال وارتباطات والتزامات مهنية وأخلاقية واجتماعية، وتغيرت حيثيات حياتنا ويومياتنا، بعضها نحو الأسوأ والآخر نحو الأفضل، لكن الشيء الوحيد الذي بقي محافظا على ثباته ولم ينل منه التغيير هو التعاون.. روح التعاون. فما من مفصل من مفاصل حياتنا وما من جانب من جوانبها، إلا وكانت للتعاون اليد الطولى في تحقيق مآربنا جميعها.
وبالرجوع بذاكرتنا الى الأعوام 2006- 2007 – 2008. حين مر العراق بأعتى عاصفة اجتمع في صنعها أشخاص وأحزاب وفئات وجهات ودول، تعاونوا على الإثم والعدوان فيما بينهم، فيما تعاون العراقيون -الشرفاء حصرا- على البر والتقوى فما كانت النتائج؟ يوم بلغت تضحيات العراقيين بمالهم وأرواحهم مبلغا قلما نجد مثيله في بلدان أخرى. ولاأظن أحدا منا قد نسي كيف ثابر وجاهد آنذاك كثير من الأطباء والمهندسين والمدرسين، وأساتذة الجامعات وباقي الكفاءات والاختصاصات، فضلا عن ضباط ومراتب ومنتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، وقدموا ما استطاعوا من عطاء ممزوج بالمعاناة، رغم التحديات الصعبة التي واجهتهم، ورغم التهديدات التي تعرضوا لها، من فئة تعاونوا على ضلالتهم وتكاتفوا على خسة غرضهم ودناءة هدفهم، وما يؤسف له أنهم نالوا مانالوه من تعاونهم ذاك.
فبالتعاون إذن، يصل المرء مبتغاه لاسيما إذا كان ذاك التعاون لغاية تصب في خدمة المصلحة العامة، إذ هي أكثر نفعا وأعم فائدة من نظيرتها الخاصة.
اليوم في عراقنا الجديد، يحتم التعاون وجوده بكل أشكاله بين فئات نسيج مجتمعنا وشرائحه جميعها، بقومياتهم وأطيافهم كافة، وفي الحقيقة الواقعة أننا نلمسه -التعاون- متوافرا في الشارع والمعمل والمؤسسة بينهم جميعهم، إلا أن حضوره شحّ، ووجوده ندر بين سياسيي الحاضر، كما أنه غاب عن صناع القرار في سدة الحكم، إضافة الى أغلب رجالات الدين، إذ نراهم غرقى في بحر الراديكالية، فهم دوما وسط تجاذبات ومناكفات لاتنقطع، ويدورون في دوامات التضاد على أعلى المستويات، مايجعلهم أسيادا في معاداة الآخر، وأساطين في الإيقاع به وتسقيطه شخصيا، فإن لم يستطيعوا فسياسيا، وإن لم يستطيعوا فمهنيا، وإن لم يستطيعوا فبالمقاطعة والتهميش وذلك أضعف الإيمان. والأمر بالتالي يفضى الى نأيهم عن معنى التعاون وكنهه وفحواه، واقترابهم من الأنانية والتحيز والإثرة وعشق الذات، في وقت كان حريا بهم أن ينضووا تحت لواء الإيثار ونكران الذات.
لقد رفع أولو أمر العراقيين من الساسة اليوم، وكل من اعتلى سدة الحكم ومقاعد التسلط في مواقع صنع القرار شعار (كلمن يحود النار لگرصته) وامتثلوا -لسوء حظ العراقيين- الى قول ابي فراس الحمداني:
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
أو لعلهم اقتدوا بعشيقة ملك فرنسا لويس الرابع عشر مدام دي بومبادور، حين قالت: “أنا ومن بعدي الطوفان”. إذ اضحى مؤكدا مدى تعلقهم بمصالحهم الفئوية، وبات جليا تمسكهم الشديد بمآربهم الشخصية، أما المواطن فله رب يحميه، وأما مصلحته فله فتات مايتركونه، بعد اقتسامهم حصة الأسد منها، وأظنهم استشرعوا هذه القسمة الضيزى من أبي نؤاس، حين قال في جارية اسمها “جنان”:
جنان حصّلت قلبي
فما إن فيه من باقِ
لها الثلثان من قلبي
وثلثا ثلثه الباقي
وثلثا ثلث مايبقى
وثلث الثلث للساقي
فتبقى أسهم ست
تجزّا بين عشاق