18 ديسمبر، 2024 3:58 م

للفشل عنوان أسمه العراق

للفشل عنوان أسمه العراق

نحن فاشلون ، هذا ليس رأيي فأنا كعراقي لايمكن أن أتخلى عن كبريائي الزائف ولا عن التفاخر بقدراتي الخارقة ، لكن هذا مايقوله تاريخنا الذي نرفض باباء الأتعاظ منه وهو ذاته ماينطق به واقعنا المرير الحالي ، لقد فشلنا في التعايش السلمي ، وفشلنا في ارساء الديموقراطية ، وفشلنا في احترام حقوق الانسان ، وفشلنا في أن نصبح أحرار ، وفشلنا في تحمل مسئولية حكم بلدنا ، وفشلنا في بناء دولة المواطنة والفصل بين السلطات ، وفشلنا في اعادة بناء الجيش والقوى الأمنية بصورة مهنية ، وفشلنا في حماية أراضينا ، وفشلنا في استثمار أموالنا واستغلال مقدراتنا ، وفشلنا في تطبيق العدالة وتثبيت مبادئ المساواة ، وفشلنا في احترام ذاتنا وتاريخنا و كسب احترام الآخرين ، وفشلنا في تعلم كيفية قبول الرأي الآخر والتعامل معه ، بل وصل فشلنا أعلى مستوياته عندما اكتشفنا بأن لا علم وطني واحد يمثلنا جميعا ، كما فشلنا بغباء عنيد في الاستفادة من تجارب التاريخ ومآسيه .

لكن في المقابل لم كل هذا التشائم ؟ وماسبب هذه الصورة القاتمة ؟ ومن يقف خلفي و يمولني لأطمس معالم النجاح في بلادي أو لأقوم بتشويه صورة ديموقراطيتها الوليدة ؟! ولماذا لانقر بأننا شعب صابر حالفه النجاح في شتى المجالات منها انقياده السريع خلف النعرات الطائفية والعرقية ، ونجاحنا في بناء أجهزة أمنية بوليسية قمعية ونظم ديكتاتورية عسكرية ، كمانجحنا في قتل الانسان وسحله وتقطيع أوصاله وتعليقه على الأعمدة الكهربائية أو دفنه حيا والتفاخر بذلك ، ناهيك عن نجاحنا في صيرورتنا كعبيد للمستبدين والطغاة الذين نصنعهم بجهلنا قبل أن نهتف لهم في العلن و نلعنهم كعادتنا في السر ، ولايمكننا أن ننسى اداءنا المذهل لدور بيادق الشطرنج التي تحركها دول الجوار وفقا لاجنداتها المذهبية الخاصة وتحولها لخناجر مسمومة في خاصرة وطنها الذي لايعرفه الكثيرون الا عندما يفوز المنتخب في مباراة لكرة القدم ، مع عدم اغفال نجاحنا الساحق

في تأسيس دولة محاصصة طائفيةوعرقية وترسيخ ثقافة الكراهية في المجتمع ، وكذلك نجاحنا في تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة التي تقتل على الهوية ، وفشلنا في حماية أراضينا من الأمريكان والدواعش وسيادتنا من مجموعة القوى الدولية والاقليمية التي تنتهكها ليلا ونهارا ، ونجاحنا في اشاعة الظلم والفوضى وتعزيز ثقافة الانتقام وحمل الضغائن ولو بعد 1000 عام ، و نجحنا أيضا في احترام تاريخنا الذي ينتقي كلا منا منه مايستهويه وينبذ الباقي ووفقنا في فرض احترامنا على الأخرين الى حد استقبال فخامة رئيس جمهوريتنا من قبل وزير الصناعة في الامارة القطرية !!! مع عدم ضرورة اغفال نجاحنا في القضاء على الرأي الأخر وتجريم قائله وقمع أنصاره واضطهادهم ومطاردتهم ، ونجاحنا بندرة فائقة في تعدد الأعلام الوطنية بحيث بات لكل نظام حاكم علمه ونشيده ودستوره الخاص به وهو مايدل على هامش الحرية المتاح و تعدد الآراء !!!

أليست هذه هي الحقيقة والتي يدركها الجميع ويسعى جاهدا لنسيانها أو تناسيها ، هل سمعتم عن دولة ظلت في احتلال متواصل لمدة700 عام متتالية (1258- 1958) قبل أن تعود لأحضانه في العام 2003 غير العراق ؟ وهل قرأتم عن وطن يقتل أبناء شعبه أحدهم الأخر خدمة للمحاور الاقليمية المتصارعة مثل العراق؟ هل أحرقت السعودية شيعة منطقتها الشرقية تضامنا مع أهل الانبار ؟ أم ذبحت ايران سنة بلوشستان مؤازرة لأهل الجنوب ؟ وهل سمعتم بدولة سرق ثرواتها و نهب مواردها شعبها الا العراق ؟ وهل توجد دولة في العالم لايوجد لها يوم وطني باستثناء العراق الذي يحتفل أنصار الملكية فيه بيوم انهاء الأنتداب البريطاني ودخول عصبة الأمم كيوم وطني والشيوعي بيوم 14 تموز والبعثي ب17 تموز فيما يحتفل من يتربع على سدة السلطة في بغداد اليوم بذكرى الاحتلال وسقوط بغداد في 9 نيسان عام 2003 بوصفه يوما للتحرير من الديكتاتورية !!! لقد حطم غالبية سكان هذا البلد كل الأرقام القياسية في القتل والفساد والظلم والطائفية والتبعية للأجنبي .

وبعد هذا الذي قيل ماقصتنا مع التاريخ وهل استوعبنا دروسه وأتعظنا من عبره وتجنبنا مآسيه وتطلعنا من خلاله للمستقبل بايجابية ؟ الجواب هو النفي ب (كلا) طبعا ، هل تعلمنا من 14 تموز بأن العراق أصبح مقبرة للهاشميين على مر العصور وهو مذمة لا مفخرة كما نتوهم خصوصا اننا قتلناهم ظلما وعدوانا وغدرا على مر العصور ؟ وهل أيقنا بأن العراق دخل في نفق مظلم منذ ذلك التاريخ ؟ وان العسكر ليسوا جادين ببناء نظام جمهوري مدني عادل يتسم بالحرية والتعديية ؟ وان التناحر الداخلي هو سبب لهلاك جميع الأطراف وتدمير الوطن ؟ وهل خلصنا بأن السياسة لاينبغي أن تكون مجالا مفتوحا لكل من هب ودب ؟ وماهي دروس انقلاب 8 شباط الذي مرت علينا ذكراه قبل أيام بمعزل عن الولاءات الحزبية ؟ هل تعلمنا بأن من يصعد بانقلاب دموي يسقط به ؟ وان النزاهة والوطنية ليستا كافيتين لولادة نظام حكم سليم واننا فقدنا القدرة على انجاب ساسة دهاة ومحنكين ؟ وان تدخل الجيش في السياسة أضعفه وأفسد الحياة السياسية ؟ والأهم هل خبرنا أخيرا بأن ماحصل في 8 شباط لم يكن تصحيح لمسار ثورة كما قيل وانما هو حلقة من حلقات الصراع بين النخب العسكرية على السلطة واستكملت حلقاته لاحقا في 18 تشرين الثاني 1963 و17 تموز 1968 ؟

وهل تعلمنا بأن توقيع اتفاقية دولية لغرض ايقاف تمرد داخلي بأي ثمن (بدل الحوار الجاد) ولو كان بتقديم التنازلات للخارج ثم التراجع عنها بكل بساطة هو من تسبب بحرب دامية أستمرت لمدة 8 أعوام متتالية حصدت معها أرواح مئات الآف ودمرت الأقتصاد وأنهكت الدولة وظلت الاتفاقية مع ذلك مطبقة ليومنا هذا !!! وهل نعترف بأن غزو الكويت كان خطأ كارثيا دمر 18 محافظة عراقية وجر الويلات على البلد سعيا وراء سراب المحافظة 19 ؟ وهل يعلم من خرج منتفضا ضد النظام في آذار 1991 ان أمريكا تأمرت عليه وان ايران التي يدين البعض منهم لها بالطاعة العمياء وقفت متفرجة تجاهم وهم يدفنون في المقابر الجماعية ؟ وهل أدركنا ان الغزو الأمريكي عام 2003 لم يجلب للبلاد سوى الدمار والخراب وان الحرية والديموقراطية لاتستورد من الخارج وانما تكتسب بتضحيات الشعوب ونضالها ؟ وهل بات معلوما للجميع بأن الاسلاميين شيعة وسنة هم من سيكونون سببا رئيسيا في تقسيم البلاد بعدما كانوا سببا في تدميرها بفسادهم وطائفيتهم وارهابهم وانهم ليسوا أهلا لحكمها مطلقا ؟

كل هذه التساؤلات الكثيرة تجمعها اجابة واحدة وهي (كلا) والأكثر منها دروس التاريخ المتعاقبة والتي لم نستفد منها شيئا لأننا كنا ومازلنا نقرأ التاريخ وفقا لأهواءنا الخاصة وميولنا السياسية بعيدا عن المصلحة الوطنية العليا التي تقتضي الموضوعية لذا غدونا كمن يدور في حلقة مفرغة يستمر معها الجدل العقيم في أمور أكل الدهر عليها وشرب ، وانطلاقا مما سبق ستكون (كلا) تحديدا هي جوابي على سؤال ملح وهو هل سيقدر لنا البقاء كدولة في ظل هذه الاستحمار والغباء والعناد ؟ لأن هذا النمط من التفكير هو من أوصلنا الى مانحن فيه وجعل العراق يعاني ولعقود طويلة من ويلات الانقلابات والاستبداد والمجازر والحروب والعقوبات والاحتلال والارهاب والطائفية والفساد وليتحول عمليا لمقبرة كبيرة لأبنائه الذين كانوا دوما هم المشكلة لا هو .

نحن بحاجة لحنكة نوري السعيد ونزاهة عبدالكريم قاسم وقوة صدام حسين مع التجرد من الحزبية والطائفية والمناطقية والعشائرية ، متى ماتوفرت هذه المعادلة (الديكتاتور العادل) سيخرج هذا البلد من أزمته العميقة والا فاننا ماضون بثبات نحو الهلاك جميعا كالحمقى وحينئذ سيحمل كل طرف المسئولية للأخر ويبقى هو المعصوم من الخطأ دائما وأبدا !!! تبا لهذه العقول المريضة والقلوب المتلونة .

* ملاحظة : يستثنى من هذه الكلمات القاسية البسطاء والكادحين والمخلصين الذين لاحول لهم ولاقوة وكانوا دوما ضحايا لهذه السياسات.