تسالم فقهاء الشريعة على أنَّ فعل المعصوم وقوله وتقريره حجة لازمة في التشريع إذا توفرت في النصوص والحوادث المعنية عوامل القوة ضمن متبنيات أصول الحديث وقواعد علم الرجال من قبول سند الحديث وتعديل الراوي وتجريحه، وموافقة النص للقرآن الكريم وعدم معارضته للثوابت العلمية والعقلية وانسجامه مع الواقع، لأن النص وإن قوي سنده ورجاله إن تعارض مع ثوابت القرآن الكريم فإنه يُرمى عرض الحائط، لأن القرآن قطعي الصدور، وما كان ظني الصدور لا يستقيم عوده عند المقابلة.
وخلال القرون الأولى من حياة الإسلام ظهرت مدارس فقهية كثيرة قادها فقهاء وعلماء أو نسبت إليهم بعد رحيلهم، وتحزبت الأمة الإسلامية على مفترق مشاربها إلى هذا المذهب الفقهي أو ذاك، ومع تقادم الزمن زال الكثير منها ودال القليل، واشتهر منها في الوقت الحاضر المذاهب: الجعفرية الإمامية، الحنفية، الشافعية، المالكية، الحنبلية، الزيدية، الإسماعيلة، والأباضية، ولكل مذهب حضوره في هذا البلد أو ذاك نتيجة إلتزام هذه العاصمة أو تلك، أو هذا الحاكم أو ذاك بمذهب بعينه وفرضه على الأمة بقوة السيف، والقليل من الذين حكموا البلدان الإسلامية كان يسمح بانتشار مذهب فقهي غير الذي هو عليه، والكثير من الحكام الطامحين استخدموا المذهب مطية لتوسيع سلطانهم، والكثير من الحروب التي وقعت داخل العالم الإسلامي تعود في مناشئها الى اعتبارات مذهبية، وبعضها قامت على أساس قومي أو عنصري ألبسه القادة جلباب المذهب من أجل خلق قاعدة شعبية مذهبية تقف مع الحاكم بالضد من الحاكم الآخر، وبسبب هذه الصراعات والإحتراب المذهبي اندثرت مدارس فقهية واندمجت بعضها ببعض، ومات مذهب في بلد وبرز في بلد آخر، وهكذا دواليك حتى استقرت على المذاهب القائمة اليوم.
ولعلَّ من الشخصيات العلمية التي وثَّقت هذه المسيرة التاريخية للمذاهب الإسلامية عبر صفحات التاريخ هو الفقيه المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي في موسوعته الفريدة (دائرة المعارف الحسينية) عندما تناول بالتفصيل وبإسلوب جديد غير معهود به موقع الإمام الحسين(ع) من التشريع الإسلامي وذلك في أحد أبواب الموسوعة الحسينية الستين والذي أسماه (الحسين والتشريع الإسلامي)، وفيه وظَّف أدوات الفقه والأصول وعلمي الرجال والحديث إلى جانب العلوم المساعدة الأخرى في بيان التشريعات الإسلامية المنسوبة إلى الإمام الحسين(ع) من فعل وقول وتقرير، ومقارنة كل تشريع يُنسب بالضرورة إلى الشيعة الإمامية الإثني عشرية مع المتبنيات الفقهية للمذاهب الإسلامية الأخرى، في قراءة فقهية جديدة وبيان نقاط الإتفاق والإفتراق، بما يؤسس لفقه إسلامي على المذاهب الإسلامية.
وحتى يومنا هذا صدر من باب (الحسين والتشريع الإسلامي) ستة أجزاء، تابعنا في قراءات سابقة أربعة أجزاء، وبين أيدينا اليوم الجزء الخامس الذي صدر حديثا (2018م) في 398 صفحة من القطع الوزيري صادر عن المركز الحسيني للدراسات بلندن.
الولادة بعد الطهارة
إعتاد فقهاء المسلمين على تقسيم المسائل الشرعية إلى مسائل عبادات ومسائل معاملات، أو ما يعبر عنه بفقه العبادات وفقه المعاملات، وأكثر فقهاء المذاهب الإسلامية يبدأون في فقه العبادات بباب الطهارة، باعتبار أن الطهارة هي مقدمة لكل عمل عبادي، وما كان واجبًا فمقدمته واجبة، ولم يشط الفقيه الكرباسي في تناول المسائل الشرعية التي أتتنا عن الإمام الحسين(ع) عن هذا الخط، فقد بدأ بحث المسائل الشرعية المتعلقة بـ “كتاب الطهارة” منذ الجزء الرابع من باب (الحسين والتشريع الإسلامي)، وواصل في الجزء الخامس هذا الباب لينتهي منه وليدخل بعده مباشرة في باب جديد هو “كتاب الولادة.
وقد ضمّ الجزء الخامس بقية كتاب الطهارة العناوين التالية: تطهير الخبز الملوَّث، حكم اللقمة المتنجِّسة، الجنابة والمسجد النبوي، دخول غير المتطهِّر على المعصوم، والطلي بالنورة، أما كتاب الولادة، فقد اشتمل على العناوين التالية: تأذين المولود، تحنيك المولود، تعويذ المولود، العقيقة للمولود، حلق شعر المولود، تسمية المولود، التهنئة بالمولود، الإطعام للمولود، اللعب مع الأولاد، وعطاء المولود.
واعتمد المؤلف في تناول هذه المسائل كما يؤكد: (الأسلوب المتبع في عرض المسائل التي طرحها الإمام الحسين(ع) في مجال التشريع يعتمد على ما نصَّ عليه (ع) أو ما قام به ومارسه بنفسه أو أجراه أحد المعصومين في حقه كجده أو أبيه أو أمّه أو أخيه أو نجله عليهم السلام منذ الولادة وحتى الإستشهاد، أو أنه سكت عمّا جرى امامه وهو في مقام يمكنه ان ينبِّه الفاعل أو القائل ولم يفعل فكان ذلك إمضاءً منه على ما جرى).
وفي كل مسألة استعرضها الفقيه الكرباسي قلّبها من أوجهها ممهِّدًا لها بمقدمة لغوية وعلمية شارحا كل مسألة فقهية ضمن عنوان مستقل، ثم يخوص بالتفصيل في سند رواية المسألة الفقهية ورواتها ورجالها، ودلالتها من حيث الوجوب والإستحباب أو الحرمة والكراهة ومواردها، والحكمة الشرعية منها إلى جانب الحكمة العلمية والعملية.
في الفاه نعمة
علّمنا الآباء منذ الصغر أنْ لو عثرنا على قطعة خبز في الطريق نهوي إليها باحترام ونلتقطها من الأرض ونمسح ما عليها من غبار أو قذارة ونقبلها ونضعها على رأسنا ثم نأكلها إن كانت قابلة للأكل أو أن ندسها في شق أقرب جدار يقابلنا أو أن نضعها في جانب من الطريق بعيدًا عن أقدام المارّة والسابلة، وقد عززت فينا هذه التربية قيمة الخبز وأهميته، بل وقيمة عموم الطعام الذي نأكله، وتثبيت العامل النفسي والروحي في جدوى احترام الطعام الذي هو هبة السماء، وأنَّ الإحترام هو أحد مصاديق شكر النعم في قوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) سورة إبراهيم: 7، وبتطبيق مفهوم المخالفة، فإن إهانة الطعام من مظاهر الكفر بأنعمه الله وقد وضعت الآية الكريمة معادلة لطيفة يدركها كل صاحب عقل، فالشكر يزيد النعم والكفر بها يمحقها.
والخبز هو من أظهر مصاديق الطعام، ويمثل سفرة كثير من شعوب الأرض إن لم يكن أغلبها أو كلها، وقد بحث الفقيه الكرباسي المسألة ضمن كتاب الطهارة بناءً على ما ورد عن الإمام الحسين(ع) أنه ذات يوم دخل المستراح فوجد لقمة ملقاة – قطعة خبز- فدفعها الى غلام له وقال: يا غلام إذكرني بهذه اللقمة إذا خرجت، فأكلها الغلام. فلما خرج الحسين بن علي(ع) قال: يا غلام أين اللقمة؟ قال: أكلتها يا مولاي. فقال(ع): أنت حرٌّ لوجه الله تعالى. فقال له رجل: أعتقته يا سيدي؟. قال(ع): نعم سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: من وجد لقمة ملقاة، فمسح منها أو غسل ما عليها ثم أكلها لم تستقر في جوفه إلا أعتقه الله من النار. وأضاف(ع): لم أكن لأستعبد رجلا أعتقه الله تعالى من النار.
وهذه الرواية ومؤداها، دلالة ذات مغزى كبير على أهمية احترام اللقمة، وبتعبير الكرباسي: (هذه المادة الأساسية في الحياة بالاعتبار الأخص تعد نعمة إلهية، وذلك لأنَّ كل شيء يمكنك أن تستفيد منه يعد نعمة ورزقا من الله جلّ وعلا سواء كان ظاهرًا أو باطنًا حتى القوى الباطنية التي غفل عنها الإنسان وكشفها بعد ذلك، بل وكشف بعضها العلم الحديث تعد من النعم الإلهية بل من أقواها، وبهذا الإعتبار الخاص أصبح للخبز إعتبار آخر غير التغذية، بل وأصبحت له حرمة معنوية لا بدَّ من احترامها، ومن موارد الإحترام عدم تدنيسه بالخبائث بل إنقاذه منها).
من هنا فإن المستفاد من الرواية كما يؤكد الفقيه الكرباسي مسألتان: الأولى: على المكلف أن يطهّر الخبز الملوث بالقاذورات. الثانية: من المرغوب فيه شرعا أكل الخبز الذي طُهِّر من القاذورات.
ولا يتوقف التطهير على خصوص الخبز، والظاهر كما يضيف الكرباسي: إنَّ كل نعمة من المأكولات الرئيسية محترمة شرعًا، ولذلك إذا تنجست استحب تطهيرها. ومن موارد الإحترام عدم الصلاة على الطعام ووطئه، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق(ع): (ولا يصلّى على شيء من الطعام، فإنما هو رزق الله لخلقه ونعمته عليهم، فعظِّموه ولا تطؤوه ولا تهاونوا به)، بل قد يشمله اللعن، فقد قيل للإمام الصادق(ع) أن أحد أصحابه يكون على سطحه الحنطة والشعير فيطؤونه يصلّون عليه، فغضب الإمام(ع) ثم قال: لولا أني أرى أنه من أصحابنا للعنته.
وتكمن حكمة تطهير اللقمة المتنجسة وأكلها كما يضيف الكرباسي: (في المجال النفسي حيث أن الإنسان بطبيعته لا يرغب بالقيام بذلك، فإذا تمكن من إخضاع نفسه عبر أكلها بعد الإطمئنان من أنها غير ملوثة فإنه بذلك يروض نفسه ليصبح في علييين).
ومن الحكمة العلمية في رفع الخبث عن اللقمة: (النظافة والإقتصاد)، فالأولى دفع للجراثيم والأمراض لأن ترك الطعام للقذارة والتلوث هو بمثابة إنشاء لبيئة حاضنة للأمراض وإفساد للطبيعة، ومن الناحية الإقتصادية فإن ترك الطعام وهدره دون الإستفادة منه للإنسان أو الحيوان هو من موارد التبذير وهدر الأموال والأرزاق، وقد توأَمَ القرآن بين المبذر وإخوان الشياطين بقوله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) سورة الإسراء: 27.
في الواقع أن قصة الإمام الحسين (ع) مع غلامه، هو درس وعبرة لكل من يطعم الطعام في سبيل الله، وأهمية إحترام اللقمة والنعمة وتطهيرها من القاذورات، وهذا يقتضي من باب أولى عدم التبذير في الطعام، لأنه يبطل الثواب المرجو من الإطعام، ولما كان المسلمون يولمون الناس في مناسبات عدة، منها الأعياد، وفي شهر شعبان وشهر رمضان، وفي شهري محرم وصفر على حب الإمام الحسين(ع)، فإن التبذير يتعارض كليا مع رسالة الإسلام ويتناقض مع رسالة الإمام الحسين(ع) في أهمية إحترام لقمة الخبز وسلامة توزيع الطعام في المناسبات الدينية.
إيلام الطعام وأهميته
وحيث يحذر الإسلام التبذير في الطعام ويدعو إلى احترام لقمة العيش فإنه يحث بشكل كبير على الإطعام في المناسبات الخاصة والعامة، ويشجع عليه دون إسراف أو تبذير، وواحدة من هذه المناسبات هو عمل وليمة الولادة، حيث يناقش الفقيه الكرباسي هذه المسألة على ضوء الوليمة التي تم عملها في اليوم السابع من ولادة الإمام الحسين(ع)، أو ما يُعرف بالعقيقة.
ولعل من عوائد إيلام الطعام في المناسبات من الناحية الشرعية وعلى المستوى الإجتماعي كما يؤكد الفقيه الكرباسي: (إذا ما قيد الإطعام بالمساكين والفقراء كما ورد في بعض الروايات، هو إشباع من ليس له قوت يومه، والذي هو الفلسفة الكبرى في جانب من جوانب تشريع جميع الكفارات والصدقات لدفع العوز الموجود بين المسلمين وإطعام ذوي الحاجة)، وما يتعلق بخصوص طعام الولادة: (إشباع من لم يشبع بطنه وتأمين لقمة العيش من هذه الموارد والأمر الذي لا يتركه عرضه للقيام بما يخل بالأمن من سرقة أو الإنجراف نحو الإجرام أوّلاً، ويحافظ على المودة والوئام بين أفراد المجتمع الواحد ثانيًا، والتشجيع على الزواج والإنجاب ثالثًا، والإعلام عن نسب المولود رابعًا).
ولا شك أن الإيلام عند ولادة المولود، يمثل نموذجا شاخصا من نماذج الإطعام على المستوى المجتمعي، لأن ما من دار إلا وله مولود ذكرا كان أو أنثى، وعمل الولائم يخلق وعلى مدار السنة شبكة من العلاقات المجتمعية في المحلة أو الحي الواحد، ويذيب باستمرار المشاكل العالقة أو التي تحدث بين الفينة والأخرى بين أبناء المنطقة الواحدة، لأن النفسية المسلمة اعتادت في الأفراح والأتراح نسيان مشاكلها أو حلها، ومجالس الإطعام هي من البوتقات الطيبة لاستيعاب المشاكل وتذويبها أو التقليل من آثارها السلبية.
ربما تجد الأسرة الفقيرة صعوبة في عمل الوليمة لمولودها أو ميتها، لكنَّ خلة التهادي التي شجَع عليها الإسلام وتعمل بها الكثير من الشعوب بوصفها خصلة إنسانية جميلة منسجمة مع الفطرة، تجاوزت هذه المعضلة، فالإيلام وإطعام الأهل والأقرباء والأصدقاء من فقراء وأغنياء هو في واقعه مجلبة للهدايا المالية والعينية والغذائية تستفاد منها الأسرة الفقيرة المولمة.
أما من الناحية المالية فإن من حقوق الطفل على الأب توفير العطاء والرزق، بل ويستحق من بيت المال عطاؤه ورزقه، وهذا ما كان يُعمل به منذ صدر الإسلام الأول، وما نجده اليوم في عدد كثير من البلدان الغربية التي تصرف راتبا اسبوعيا او شهريا للطفل حتى سن البلوغ القانوني، إنما كان ساري المفعول في فترات طويلة من عهد الإسلام، ولكن الحكومات التي تعاقبت على حكم العواصم العربية والإسلامية في القرون السالفة أضاعت حق الطفل فضلا عن إضاعتها لحق الإنسان، ولهذا يشعر الإنسان المسلم بخيبة الأمل عندما يرى حفظ الغرب لحقوق الطفل وتضييع الشرق لحقوق الكبار.
ملاعب الطفولة
ويواصل الفقيه الكرباسي في كتاب الولادة، بيان الحكم الشرعي لحقوق الطفل على ضوء السيرة الحسينية، من تلاوة الأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى، وتحنيكه بالتمر وما شابه، وتعويذه بكلمات الله من الشيطان وجنوده، وحلق شعره وتخضيب لحمة رأسه من أجل صحته وسلامته، وأهمية اختيار أحسن الأسماء والألقاب لما للإسم من تأثير روحي ونفسي وسلوكي على الإنسان، وتقديم التهنئة بالمولود كواحد من عوامل تمتين العلاقات الإجتماعية بين أفراد العشيرة والمحلة والمجتمع.
كما يؤكد الإسلام على أهمية للعب بالنسبة للأطفال في داخل البيت وخارجه وعدم الضغط عليهم لأن الضغط الشديد يولد لدى الطفل أمراضا نفسية غير ظاهرة وبعضها ظاهرة مثل مرض التوحّد، وقد كان النبي محمد(ص) على عظمته يلاعب الحسن والحسين عليهما السلام وهو الذي قال فيه رب العزة والجلالة: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم: 4، فعظيم خُلُقِه لا يمنعه من التصابي مع الأطفال واللعب معهم، فهو من مظاهر الرحمة والتراحم، وقد ثبت كما يشير الفقيه الكرباسي: (إنَّ الحسنين كانا يلعبان مع الأطفال في الطريق).
فاللعب: (يوجب بناء الطفل بناءً صحيحاً يتناسب مع عمره وحاجته)، وفي اللعب: (فوائد جسمية وعقلية واجتماعية ونفسية وخلقية وتربوية)، كما: (إن اللعب في سن مبكرة يفتح للطفل آفاقا جديدة ويجعله منفتحا مع كل ما يحيط به)، ويوفر له فرصة طيبة: (يتعامل بها مع الآخرين عندما يكبر حيث يكتسب خبرة في تلك الفترة تساعده على معالجة ما يدور في المجتمع الذي حوله)، ويقدم له: (قدرة كبيرة على الاختيار، وبالطبع نحو الأحسن والأفضل، وهذا ما ينعكس على نفسيته وعلى تصرفه عندما يكون شابًا أو شابة)، كما يفيض عليه شعورا طيبا: (بالثقة بالنفس وتبتعد عنه الأخلاق الذميمة، بل تنمو عنده مكارم الأخلاق)، واللعب مع متابعة الوالدين دون تدخل مباشر هو عامل كبير في التنشأة السليمة، وإذا سلمت حياة الفئات العمرية الصغيرة أمكن الإستبشار بمجتمع سليم.
وللألبان نظرتهم
وحيث أنَّ الإمام الحسين(ع) بنهضته الإصلاحية هو رمز إنساني تجاوز إشعاعه دائرة المحيط العربي والإسلامي، فإن ما تركه للإنسانية يتجدد ألقه كل حين، وهذا ما يعرفنا عليه الأديب الألباني أستاذ فقه اللغة الدكتور رجب كوسيا المولود سنة 1936م في جمهورية الجبل الأسود، في المقالة التاريخية والأدبية التي كتبها باللغة الألبانية وهو يقدم للجزء الخامس من “الحسين والتشريع الإسلامي”، حيث استعرض جانبا من الأدب الألباني ومدى تأثير شخصية الإمام الحسين(ع) على نتاج الأدب الألباني، معتبرأ أن: (ما يربط المجتمع الألباني بالنهضة الحسينية هو الجانب الإنساني والحضاري من واقعة كربلاء التي جاءت لأنقاذ البشرية بعيدا عن الطائفية والعرقية والقومية والجنسية، فهي حركة كبيرة تهدف إلى تحرير الأمة من ربقة الظلم).
واعتبر الدكتور رجب كوسيا، الحاصل على “وسام شرف الأمة” من قبل رئيس جمهورية ألبانيا، أن ما يصدر من تحت يد المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي من مؤلفات عن النهضة الحسينية في إطار دائرة المعارف الحسينية هو أنجاز معرفي عظيم، استطاع فيه إنتاج موسوعة فريدة عن شخصية الحسين(ع) الهامة، فهي أكبر موسوعة معرفية كتبت حتى الآن، تميزت بتنوع أبوابها، ومنها الجانب التشريعي. ووصف الجزء الخامس من الحسين والتشريع الإسلامي الذي اطلع على فحواه بأنه إنجاز معرفي وفقهي وتشريعي لم يسبقه إليه أحد.
ولم يجانب الأديب الألباني الشهير رجب كوسيا الحقيقة في تأكيده على عالمية النهضة الحسينية وإنسانيتها، وأهمية الموسوعة الحسينية وفرادتها، حيث يأتي راعيها في كل باب معرفي بجديد يتجاوز حاجز المألوف، بحثًا عن الحقيقة وإن تعارضت مع التراث الشعبي، حتى بلغت المجلدات نحو التسعمائة طبع منها حتى اليوم (114) مجلدًا، ويمثل الجزء الخامس من “الحسين والتشريع الإسلامي” الجزء رقم 113، وما زالت بوابة التحقيق والتأليف مفتّحة على مصراعيها.