لن أنسى ما قاله لي يوما أحد رفاق – القصعة – واسمه طاهر وهو من أهالي شهربان يوم كنا جالسين القرفصاء نشرب الشاي في أعلى قمة جبل (هرمن) ” وقف ابي ذات يوم خطيبا في جمع من ابناء العشيرة قائلا لهم ، يا جماعة اشهدوا بأن رايتي بيضاء نقية لم يلطخها سوى ولدي الأوسط الماثل أمامكم .. طاهر!!” وأذكر انني سألته مستغربا ولماذا كل هذا التحامل والتشهير من أب لإ بنه أمام الملأ ؟ فأجابني ” لأنني كنت في مجلس عزاء عمي وبعد ذهاب الملا لتناول وليمة اليوم الثالث حيث – الباحوث – او الدجاج وحيث – السابوح – أو السمك على وفق قاموس الملالي المتخصصين بمجالس العزاء وولائمها ، فتحت المايكرفون من دون إذن وأخذت أقرأ القرآن الذي لم اكن اجيد تلاوته وقتها على الإطلاق وبدأت بسورة مريم ، فقرأت (كهيعص) دفعة واحدة من دون تقطيع ، فضج مجلس العزاء بين ضاحك و مستهزئ و مستاء وحاقد “.ومن جميل الأمثال السويسرية قولهم ” إن كان ثوبك أبيض فلا تقترب من بائع الزيت” ويتناقل الفيتناميون في أمثالهم الشعبية ” يترك الجاموس جلده بعد موته، ويترك الإنسان سمعته التي يكون الطيب منها أفضل من الرداء الجميل” .ولاشك ان سمعة تيارات وكتل وأحزاب سياسية ومرجعيات عشائرية و مناطقية وأثنية ومذهبية باتت في الحضيض، تلطخ أثوابها وراياتها ولافتاتها وشعاراتها الآف البقع – الزمكانية – السوداء من جراء ما اقترفه عناصر وممثلون ومريدون تابعون لها من آثام ومفاسد على مدى 14 عاما ، ماتزال ماضية على قدم وساق مع سبق الإصرار والترصد ، يندى لها جبين الإنسانية جمعاء ، فلا هي تبرأت من صنيع هؤلاء حفاظا على سمعتها في الدنيا وحسابها العسير في الآخرة ولاهي فضحتهم امام الملأ كما فعل – ابو طاهر بولده – ولا هي طردتهم من صفوفها ولاهي أحالتهم الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل تخلصا من إثمهم وعارهم ، ما فتح الأبواب على مصاريعها أمام تأويلات وتعليلات لا أول لها ولا آخر !! .نعم لقد أصبت بالإحباط والكآبة في آن واحد وانا اتابع ببالغ الاهتمام مقطع فيديو يظهر سرقة ممتلكات شخصية تعود لضحايا تفجيرات مدينة الصدر تناقلته العديد من مواقع التواصل الاجتماعي ، وفجعت اكثر لما تناقلته وسائل إعلام محلية بشأن الأمتناع عن تسليم جثث التفجيرت الى ذويها الا بعد دفع 40 الف دينار !! على حد وصفها . الكارثة انك لو تلفتت ذات اليمين وذات الشمال سواء في موقع التفجيرات حيث ارتكب بعض ضعاف النفوس جريمتهم النكراء وقاموا بسرقة ممتلكات الضحايا ، او في الطب العدلي حيث الامتناع عن تسليم الجثث مجانا لوجدت رموزا ورايات وصورا وشعارات تمثل جهات عدة منها السياسي ومنها الديني ومنها العشائري لا تجدها موضوعة فوق مستشفى بجميع محلقاته لعلاج المرضى مجانا ..ولن تجدها ترفرف فوق دار أيتام بنيت لرعايتهم وتعليمهم من دون مقابل .. لن تعثر عليها فوق دار حديثة لرعاية المسنين ، لإيواء المشردين ، لتشغيل العاطلين ، لتأهيل المعاقين ، فوق جامعة رصينة بنيت بسواعد العراقيين من دون مقاولات بيعت أكثر من عشر مرات حتى وصلت تكاليفها الى أضعاف مضاعفة ، مع انك تراها حيثما يممت وجهك في عشوائيات غارقة بالمستنقعات الآسنة ، فوق المدارس الطينية وعلى جدرانها ، في المقابر ، في المستوصفات التي تفتقر الى وسائل العلاج ، في أحياء الصفيح ، فوق الجدران الكونكريتية العازلة ،قريبا من الأسلاك الشائكة ، في مساطر العمال الفقراء والكسبة ، حتى باتت مرتبطة في اللاوعي الجمعي بالمعاناة والفقر والجهل والفاقة وليس بالرخاء والصحة والتعليم ولو اردت ان انطلق من علم الرايات والرموز لقلت ان مخلوقا على وجه الأرض مهما كان انتماؤه لن يجرؤ على تعليق رموزه المعتبرة في اماكن غير معتبرة لأنها تمثل قمة الإهانة لها ولشخوصها ، فهل سمعت يوما بوضع الصليب على سبيل المثال في مستشفى يفتقر للرعاية الصحية ويعاني من نقص الكوادر الطبية والأجهزة والمستلزمات اللازمة للعلاج وشعاره الداخل مفقود والخارج مولود ؟ كلا بطبيعة الحال فهذا محال ، بل انه لا يوضع الا في المشافي الأرقى والأنظف – مستشفى الراهبات وسط بغداد مثالا – ليرتبط الرقي بالرمز فيبجل، بخلاف ما نقوم به طوال الوقت بـ180 درجة .المطلوب الان اما رفع الصور والرايات والرموز من الأماكن التي تهينها وتحط من قدرها وتقلل من شأنها كلية ، واما تأهيل ما حولها وإعماره كما يجب لنرقى بالمكان وبسكانه فضلا عن الرمز المرفوع فوقه ، بخلاف ذلك فأن الرموز وانطلاقا من المقدمات والنتائج ستهان بالتدريج لامحالة وصولا الى اصحابها وهنا مربط الفرس ، فمن أراد إهانة رمزه فليضعه في مكان غير مناسب ولا معتبر ، ولله در القائل : ما رفرفت فوق هام العرب رايات لو لم تصنها من الاسلام آياتولا ازدهت بمعانيها حضارتنا لو لم تكن عندنا للمجد غاياتلا يعرف الخير من في قلبه مرض ولا صلاح إذا لم تصلح الذات