يبدو أن البعض يريدُ سبق الأحداث قبل وقوعها متوعداً قائمة من القوائم المتنافسة باستخدام ( الفيتو ) ضدها في حالة فوزها وحصولها على المقاعد البرلمانية التي تمكنها من المشاركة بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة وكأن العراق ( ملكٌ صرفٌ له ) وكأنه هو الآمرُ الناهي في تقرير مصير البلد . فبأي حق يمنحُ لنفسه استخدام الرفض المسبق وهو يعلمُ أن هذا الأمر يعني عدم احترام أصوات العراقيين الذين صوتوا لتلك القائمة المقصودة ؟ أليست الانتخابات هي الفيصل الحاسم بين المرشحين ؟ واذا كانت الانتخابات وفق الدستور العراقي ووفق رأي المرجعيات السياسية والدينية الطريق الأول لتحقيق الديمقراطية الصحيحة ، فلماذا يريدُ البعض من الآن اعلان الحرب المبكرة ضد القائمة المقصودة فيما لو حصدت نسبة عالية من أصوات الناخبين ؟ وثمّ سؤالٌ آخر يطرحُ نفسه من باب الافتراض الجدلي : كيف سيتم استخدام الرفض أو ( الفيتو ) ضد تلك القائمة ؟ الجوابُ المنطقي يقول لا يوجد نص في الدستور العراقي لمثل هذا الفيتو . اذن اللجوء الى استخدامه سيتم بطرق أخرى خارج مجال الدستور والشرعية الانتخابية ، وهذه الطرق ليست غريبة على الذين كانوا وما يزالون يصرّحون هذه التصريحات غير الناضجة . فمنها مثلا عرقلة مسيرة الحكومة المقبلة وافتعال المشاكل والأزمات واختلاق القصص المفبركة ، وتحريك البسطاء من الشعب من أجل ألاّ تنجحَ القائمة المقصودة في مسارها . وربّما اذا اقتضت الحاجة فلا مانع من استخدام قوة السلاح لتدمير العراق وما فيه اكراماً لعيون فلان أو علان . وان كان هذا البعض يرى أن تلك القائمة بزعيمها فاسدة وأنها المسؤولة عن الكثير من الأحداث المأساوية التي عانى منها البلد ، وأنها وراء الفشل الذريع على مدى السنوات الماضية ، فهذا لا يعطيه الحق باستخدام الفيتو ضدها لأن وصولها الى البرلمان العراقي لن يكون عن فراغ أو عن ( قدرة قادر ) وانما بحصولها على أصوات مواطنين عراقيين ( وليسوا أجانب ) . كما أن هذا البعض لا يملكُ وظيفة القضاء لينصب نفسه من الآن القاضي الأول في العراق ، ثم ليس من المعقول ولا من المنطقي أن يكون أي شخص مدعيا وقاضيا في نفس الوقت . فالعراق الآن يملك ثلاث سلطات مستقلة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) ولكل سلطة صلاحياتها وواجباتها وحقوقها . ومن حق أيّ مواطن عراقي مهما كان حجمه ( كبيراً أمْ صغيراً ) أن يقيم دعوى قضائية ضدّ أي شخص مهما كان حجمه ومنصبه أيضا . والقضاء هو الكفيل والمسؤول الأول والأخير من التحقيق واثبات الجريمة عن عدمها ، وليس كلّ من هبّ ودبّ . ولوْ أصبح استخدام الفيتو متاحاً للجميع لضاع الخيط مع العصفور ولغرق العراق في بحر من الدماء ( لا سامح الله ) . وليس من الصحيح ولا من الحكمة أن تطلق الاتهامات جزافاً أوْ وفق الظن ، لأن القاعدة القانونية والفقهية أيضا ترى أن ( المتهم برئ حتى تثبت ادانته ) واثبات التهمة من عدمها من صلاحية ذوي الاختصاص وهم أهل القضاء . واستنادا الى ما تقدم فان الأحداث المؤلمة التي شهدها العراق خلال السنوات الماضية لا يجوز ( شرعاً وقانونا ) أن نضعَ وزرها على طرف معين دون أن يتم تحقيق عادل فيها من قبل القضاء ومن ثم اصدار الحكم ضدّ المسببين لها ، وهذا هو الطريق الأمثل لمن يعرف معنى الديمقراطية ويفهم منطق الحق ويخشى الله في أي ادعاء أو قولٍ يتحملُ وزره الى يوم الدين . أمّا اللجوء الى الرفض واستخدام الفيتو المسبق يكشف عن أشياء كثيرة لا مجال لذكرها في هذا المقال الصغير .