22 ديسمبر، 2024 2:25 م

لكي لا يتورط مجلس النواب بهدم القطاع المختلط

لكي لا يتورط مجلس النواب بهدم القطاع المختلط

تضمنت جلسة مجلس النواب (22) المنعقدة يوم الخميس 6/10/2016 العديد من الموضوعات المدرجة في جدول الأعمال ومنها الفقرة التاسعة المتعلقة بمناقشة مشروع قانون تعديل قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 المعدل ، والتي تنص على إلغاء المادة 102 من أمر سلطة الائتلاف المرقم 64 لسنة 2004 وإعادة العمل بالفقرة ثانيا من المادة 114 من قانون الشركات .
ويبدو الموضوع للوهلة الأولى من الأمور البسيطة على الرغم من كونه موضوعا خطيرا ويمثل عودة للماضي المؤلم وإعادة هيمنة الدكتاتورية الإدارية لأجهزة الدولة على قطاع الشركات ، حيث يمثل هذا المشروع انتكاسة خطيرة في البناء الاستثماري للبلد وسوف يساهم في إنهاء وجود القطاع المختلط وهروب بعض رؤوس الأموال العراقية والأجنبية خارج العراق لعدم وجود أية ضمانات للمستثمرين بالحفاظ على حقوقهم .
ولشرح الموضوع للقارئ (غير المتخصص) نقول أن قانون الشركات العراقي كان في زمن النظام السابق يتضمن الفقرة ثانيا من المادة 114 التي تعطي الحق باستخدام الفيتو لممثلي الحكومة (القطاع العام) في مجلس إدارات الشركات المختلطة وبالتالي فأن أي قرار لمجلس الإدارة لن ينفذ ما لم تحصل موافقة ممثلي الحكومة عليه ، وكان السبب في وضع هذه المادة يعود إلى سببين أولهما النهج الاشتراكي للحكومة وحصر جميع السلطات بممثليها ، والسبب الثاني يعود إلى معاملة الحكومة لشركات القطاع المختلط معاملة القطاع العام وكانت تحصل على العديد من الامتيازات التي تعتقد الحكومة آنذاك بوجوب السيطرة عليها وفقا للمنهج المركزي السائد في حينه ، ومن أهم الامتيازات التي كانت تحصل عليها شركات القطاع المختلط هي :
. القدرة على استملاك الأراضي والعقارات التي تحتاجها
. الحصول على القروض والتسهيلات المصرفية أسوة بالقطاع العام
. امتيازات الاستيراد والحصول على العملات الصعبة بأسعار خاصة
. إلزام دوائر الدولة بالشراء والتعامل مع القطاع المختلط وامتيازات الحصول على الأفضلية في العقود
. الحصول على الوقود والطاقة والموارد بأسعار تفضيلية
. الإعفاء من الضرائب والرسوم الكلي أو الجزئي
وغير ذلك من الامتيازات التي تم إلغائها جميعا بعد التغيير عام 2003 ، بحيث أصبح القطاع المختلط ينوء بعبء ثقيل نتيجة معاملته أسوة بالقطاع الخاص مع بقاء سيطرة الدولة عليه متمثلة بديوان الرقابة المالية ومسجل الشركات وممثلي الحكومة من القطاع الاشتراكي وتدخل الجهات القطاعية التي يرتبط معها.
أن تمرير هذا القانون وتشريعه من مجلس النواب سوف يؤدي إلى تجميد مجالس إدارات الشركات وجعلها رهينة بيد القطاع الحكومي وضياع حقوق القطاع الخاص العراقي والأجنبي ( المساهم في القطاع المختلط ) الذي تصل مساهمته في العديد من الشركات المختلطة إلى أكثر من 70% من رأسمالها ، كما يمكن أن يؤدي إلى حدوث العديد من المشكلات , ومن أولها إقامة الدعاوي القضائية في المحاكم العراقية والدولية نتيجة لتوقيع العراق العديد من الاتفاقيات لضمان حقوق المستثمرين ، كما أن من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى توقف النشاط الاقتصادي في هذه الشركات من خلال عجزها على سداد التزاماتها وحتى رواتب منتسبيها ، وسوف ينعكس ذلك على باقي القطاعات، بل من المحتمل أن ينعكس مستقبلا على توجهات الدولة بشان خصخصة منشآت القطاع العام الفائضة لديه ، وسوف تنعدم الثقة بأية استثمارات أو خصخصة مستقبلية مادامت الحكومة أو البرلمان يملكان سلطة التشريع وبالشكل الذي يمكن أن يصادر حقوق الناس بكل بساطة بمجرد تمرير قانون بسيط من مادتين فقط .
أن المعنيين يعتقدون أن الحكومة العراقية ومجلس النواب ليس لديهما النية لمصادرة حقوق الناس أو العودة إلى النظام الدكتاتوري ، وأن طرح هذا المشروع للنقاش قد يكون محاولة من بعض الجهات استغلال الانشغال الكبير للحكومة ومجلس النواب بالقضايا المهمة والمصيرية التي يمر بها بلدنا العزيز حاليا لتمرير قوانين تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني ، ولكننا على ثقة بأن مجلس النواب سيقوم برد هذا المشروع و يدقق في أهداف الجهات التي تقف وراءه ، و ننتظر من الحكومة ومجلس النواب أن يصدرا قرارا يلزم مؤسسات الدولة في رفع يدها عن القطاع المختلط ، وأن تقوم ببيع أسهمها في هذه الشركات والتي تبلغ قيمتها الاسمية (81) مليار دينار عراقي فقط إلى المساهمين من القطاع الخاص بسعر السوق أو القيمة الاسمية أيهما أقل وبتسهيلات في التسديد لغرض تحقيق مبدأ التحول إلى اقتصاد السوق وتحرير هذه الشركات من السيطرة الحكومية الثقيلة التي لم يعد لها مبرر أو جدوى بعد إلغاء جميع امتيازات القطاع المختلط ، وهذا الإجراء الصحيح من شانه أن يسهم في تطوير هذه الشركات ومنح المستثمرين العراقيين والأجانب الثقة المطلوبة بالدولة العراقية بجميع مؤسساتها وتوجهاتها في دعم القطاع الخاص وضمان ورعاية حقوقه واستثماراته وتوفير التكافؤ والمنافسة الشريفة في أسواق العمل المحلية ، كما يوفر فرصة للقطاع المختلط لالتقاط الأنفاس وتفعيل نشاطاته لمعالجة خسائره المتراكمة التي تسببت بها سياسات الاستيراد المفتوح على مصراعيه .