18 ديسمبر، 2024 6:49 م

لكي لا نفقد البوصلة!

لكي لا نفقد البوصلة!

تصاعد الصراع بين أمريكا وإيران في مدة أسبوع ومسرحه العراق، ووصل الى مديات خطيرة ومازل؛ حين أقدمت المليشيات المدعومة من قبل إيران بالهجوم على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء بقيادة قيس الخزعلي قائد العصائب وأبي مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي، وتم إحراق مكتب الاستقبال مما يعتبر سابقة خطيرة، فالسفارات مناطق مصانة وتتحمل مسؤوليتها الدولة المضيفة..الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية تتوعد بالعقاب وفعلا نفذته بسرعة وبدقة فجر يوم الجمعة وهو اليوم الثالث من السنة الجديدة، حين استهدفت سيارتين في حي سكني قرب المطار بقذائف مصدرها طائرة أمريكية مسيّرة، وأدى الى مقتل ثلاثة أشخاص على رأسهم قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وأبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي وستة آخرون..
لقد كشف هذا التصعيد العسكري الخطير بين إيران والوجود العسكري في العراق عن معطيات خطيرة، أهمها أن العراق فقد سيادته المطلقة والنسبية وأن حكومته غير قادرة على إثبات وجودها، وغدت هزيلة فاقدة الهيبة عاجزة على حماية وصيانة حدودها براً وماءً وجواً وكذالك أثبتت عجزها على حماية السفارات والهيئات الدبلوماسية لدرجة بدا فيها العراق حديقة خلفية لإيران! وميليشياتها المتمكنة في العراق التي لها اليد الطوالى في الاستحواذ على مقاليد السلطة وأمنها ولها الدور المشين في قتل المتظاهرين لإسكاتهم بشتى وسائل القمع من قتل واغتيال وجرح وخطف شباب الانتفاضة الباسلة..
كان دخول الميليشيات عبر المنطقة الخضراء ومهاجمتها السفارة الأمريكية يطرح أسئلة: كيف تم ذلك دون أن تتصدى قوة الحرس لهم؟! بمثل ما يطرح السؤال: لماذا هذا الاحتجاج الضعيف الذي هو أقرب الى العتب من قبل الحكومة تجاه قصف القوات الأمريكية لمواقع الحشد الشعبي حيث القتلى أكثر من خمسين والجرحى بالعشرات إن لم نقل بالمئات؟! أما كان الأجدى بتوجيه إنذار شديد اللهجة والتهديد بطردها إن أعادت الكّرّة؟!
ومن ناحية أخرى أصبح الوجود العسكري عبءاً ثقيلاً بغيضاً، ضرره أكثر من فائدته، بل بوجوده بدأت فلول الدواعش تسترجع تشكيلاتها متسللة من تركيا وكردستان مسعود وعلى مرأى من أعين القوات الأمريكية ورضاها، لكي تبرر وجودها ومن مصلحتها أن تعبث وتبعث القوى الإرهابية بأمن العراق!!
لقد أصبح واضحاً أن أمريكا متغلغلة حتى في القوات المسلحة ولها عيون فيها، وإلا كيف تسنى لها أن تعرف مكان وجود سليماني والمهندس اللذين تحركا بجنح الظلام؟ ومن أعطى الاحداثيات الدقيقة.؟. وهذا الأسلوب اتبعته إسرائيل في استهداف قوّاد حماس : صلاح شحادة والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأبو شنب…والقائمة تطول، عن طريق الرصد من قبل عملائها الفلسطينيين. أحسب أن السيناريو سيتكرر نفسه لاستهداف قادة الحشد حتى إزالته..فقد وجدت أمريكا ضالتها باسلوب الاستهداف بالطائرات المسيّرة في ظل حكومة مشلولة معزولة عن الشعب..
وأصبحت المنطقة كلها والعراق في القلب منها على كف عفريت ،فقد عُوِّض الفريق قاسم سليماني بقائد عسكري أكثر تشدداً وهو العميد إسماعيل قاآني – قائداً لفيلق القدس- الذي راح يتوعد أمريكا بالانتقام وجعل أشلاء جنودها تملأ الأرض ( أي أرض؟) الأمر الذي يهدد أمن العراق وبيئته.. نتمنى للخصمين اللدودين ألا يجعلا العراق مسرحاً لمعاركهم، فبلدنا ملّ البارود والدخان والقتل ولا يتحمل أي عملية حربية، فشعبه يتطلع للسلام..
ومن الملفت أن هذه الحادثة (مقتل سليماني والمهندس…) قد كشفت أن إيران لا يحمل شعبية أو ودّاً لدى قطاع واسع من الشعب العراقي، بسبب الممارسات السلبية لذيولها في العراق وتصديهم لقتل الشباب العراقيين المنتفضين، في حين رفع الشباب المنتفضين لافتات تندد وتستهجن بشدة العمليات العسكري التي استهدفت الحشد وقادته..وهذا يدل على وعيّ عال وشعور بالمسؤولية وبُعد نظر.. فإيران رغم الحرب العوان بينها وبين العراق تبقى جاراً ولا يمكن الغاء التاريخ والجغرافية، وما على العراق إلا التفاهم وتوطيد دعائم السلام معها، فالحكومات زائلة ورؤساؤها زائلون، وتبقى الأوطان والشعوب! وحيث أن حكومتنا الهزيلة عاجزة عن حفظ سيادة واستقلال العراق فإن مهمة الشعب إزالتها و ومحاسبة المقصرين والفاسدين والقتلة، والأمل قريب مادامت الانتفاضة مستمرة..
أما الولايات المتحدة فالتاريخ يثبت أنها عدوة الشعوب، وهي غريبة عن المنطقة وإن مشاكل العراق تعاظمت بفعل احتلال أمريكا للعراق وما جلبته من حكّام فاسدين عاثوا فساداً طيلة ستة عشر عاماً، وهم في طريقهم الى الزوال..
لابد من التفريق بين جار وإن كان ثقيلا يمكن التفاهم معه، وبين عدو محتل بغيض متحالف وداعم لعدو أبغض وهو إسرائيل..
نعم، لكي لا نفقد البوصلة!