17 نوفمبر، 2024 2:52 م
Search
Close this search box.

لكي لا تتحول موازنة 2020 إلى حلبة للصراعات

لكي لا تتحول موازنة 2020 إلى حلبة للصراعات

في الأمثال والموروث الشعبي العراقي العديد من العبارات الجميلة والمعبرة ومنها ( يخوط بصف الاستكان ) ، فما نسمعه عن المشكلات التي ستواجه الموازنة الاتحادية لعام 2020 أكثر من العمل المبذول لانجازها وتقديمها إلى مجلس النواب إذ يفترض أن تقدم في شهر أيلول من كل عام الذي لم تفصله عنا سوى أيام ، ولم ترد للمواطن معلومات عن مناقشة الموازنة في مجلس الوزراء او إحالتها إلى مجلس النواب الذي يتمتع بعطلته التشريعية هذه الأيام ، والخبر الأبرز الذي سمعناه إن صندوق النقد الدولي ( زعلان ) لان هناك زيادة في العجز المتوقع لموازنة 2020 بحدود 72 تريليون دينار بسبب زيادة النفقات التشغيلية على حساب النفقات الاستثمارية ، كما تم تداول أخبار مفادها إن هناك صعوبات تواجه إعداد الموازنة نظرا لانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية والتوقعات باستمرار هذا الانخفاض للأشهر القادمة نظرا لزيادة المعروض العالمي من النفط الأمر الذي قد يؤدي لاعتماد سعر 50 دولار لكل برميل في تقديرات إيرادات الموازنة القادمة ، كما إن هناك خبرا مفاده إن شركة ( سومو ) قامت بالتعاقد لبيع النفط العراقي بأقل من الأسعار العالمية في العقود الآجلة لشهر تشرين الأول القادم ، وكل هذه الأخبار تنذر بان موازنة 2020 لا تبشر بخير لحد اليوم مما يعني ضرورة شد الأحزمة على البطون التي بدأنا بشدها منذ سنة 2009 عندما انخفضت أسعار النفط وحصلت الأزمة المالية العالمية التي زالت آثارها ولكننا نتغنى على أطلالها لحد اليوم ، إذ بقي الأمر التقشفي على ما هو عليه رغم إن أسعار النفط ارتفعت إلى الضعف كما إن كمية الصادرات النفطية ارتفعت لتصل بحدود 4 ملايين برميل يوميا وشروع العراق بتصدير الغاز السائل للأسواق العالمية ، بمعنى إن الإيرادات النفطية التي تشكل المصدر الأساسي للموازنة قد ازدادت كما إن نفقات الحرب على داعش قد انخفضت بعد تحقيق النصر المؤزر على المجرمين ممن كانوا يسيطرون على مساحات مهمة من ارض الوطن ومصادر الثروات ومحاربتهم التي تتطلب الكثير من الأموال لشراء الأسلحة والذخائر وإعانة النازحين وغيرها من الإنفاقات التي تطلبتها معارك التحرير .
ومن حق المواطن أن يسال أين ذهبت الزيادات في الإيرادات علما بأنه لم تحصل أية زيادة في الرواتب منذ 2008 حيث تم تحديد سلم الرواتب بموجب القانون 22 لسنة 2008 والذي جرى تخفيضه سنة 2014 إثناء ولاية السيد حيدر العبادي لرئاسة الوزراء الذي اصدر سلما جديدا بالرواتب يتضمن التخفيض وليس الزيادة ، كما لم تحصل زيادات في رواتب المتقاعدين وبقيت على نصوصها الواردة في قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 ، ومن حيث البناء والأعمار والبنى التحتية لم تحصل تغييرات ايجابية فالرسوم والأجور تزداد بموجب التشريعات التي تصدر او بموجب الصلاحيات التي وردت في قوانين الموازنة الاتحادية للسنوات 2015 – 2019 والتي خولت الوزراء والمحافظين زيادة الرسوم والأجور وفرض ما يرتاونه لتعظيم الموارد ، بحيث اختفت الخدمات المجانية وأصبحت اغلبها مقابل ثمن وبشكل يتعدى حدود الإمكانيات المادية للكثير من فئات الشعب لاسيما من ذوي المحدود او الذين لا دخل لهم بشكل مستمر ، ويلمس الجميع تراجعا كبيرا في خدمات الماء والمجاري والكهرباء والتربية والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والاتصالات والطرق والبلدية ، وهو أمر غير مخفي وقد أشارت إليه المرجعية الشريفة في النجف الاشرف من خلال خطب الجمعة التي تساءلت فيها إلى ابن ستقودنا الحكومة والشعب يشكو من الخلل والفشل في مختلف المجالات ، والشيء الجديد الذي فاجأتنا به الجهات المعنية هو إصدار جواز السفر السريع لقاء مبلغ 250 إلف دينار لكل جواز ، والبدء بتطبيق قانون المرور الجديد في مطلع تشرين الأول القادم والذي يتضمن غرامات مرورية لا تقل عن 100 ألف دينار عن كل مخالفة رغم إن تطبيق الإشارات الضوئية معطل والعبور خارج مناطق عبور المشاة مباح للجميع وهناك الكثير من الطرق تفتقر للحد الأدنى من متطلبات السلامة ، كما إن الحصة التموينية باتت توزع مرة كل ثلاث شهور لمادتين او ثلاثة في أحسن الأحوال .
وكعادة الموازنات السابقة فان إعدادها يتم على أساس موازنة الأبواب وليس الأهداف او العقود او المشاريع وغيرها من الأساليب التي تتبعها جميع دول العالم كما إن إعدادها يتم على أساس الاجتهادات دون وجود معطيات تستند إلى تعداد سكاني او بيانات ومعلومات حقيقية يمكن التعويل عليها ، ففي أحسن الأحوال يتم الاعتماد على بيانات البطاقة التموينية التي أصبحت جزءا من الفلكلور او إنها تعتمد على المؤشرات التي تقدمها وزارة التخطيط وهي عبارة عن تقديرات او دراسات تعتمد أسلوب العينات وليس المسح الشامل لجوانب من مجالات الحياة ، ويذكرنا إعداد الموازنة الاتحادية سنويا باستعدادات المنتخب الوطني العراقي لتصفيات بطولة كاس العالم التي تقام مرة كل 4 سنوات ، فمنذ مشاركتنا الوحيدة في النهائيات عام 1986 يقول المسؤولون في الاتحاد العراقي لكرة القدم بعد أن يخفقوا في الصعود إلى النهائيات إنهم سوف يستفيدون من هذا الفشل في البطولة القادمة وفي كل تصفيات يدخلونها بمدرب طوارئ او مدرب اللحظة الأخيرة يتكرر الإخفاق لضعف التخطيط ، لذا بقيت مشاركة 1986 ( اليتيمة ) ولعلها ستبقى كذلك مادام الفشل نفسه يتكرر لمرات ، وعودة إلى موازنة 2020 فان إعدادها وتقديمها ومناقشتها يتأخر كل عام ، آذ تعد بطريقة مستعجلة بحيث تستغرق وقتا طويلا في مناقشات اللجان المختصة في مجلس النواب ، وفي اللحظات الأخيرة تبدأ الضغوطات والمساومات على حصة إقليم كردستان وحصص المحافظات فتتحول إلى حلبة للصراعات واثبات القوى وتحقيق المكاسب ، وكل مكسب لطرف هو خسارة للطرف الآخر او هو زيادة في العجز والمديونية والقروض الداخلية والخارجية ، وبضوء هذه الصراعات يتأخر إصدارها بعد بداية السنة المالية رغم إنها تعد نافذة تشريعيا من بداية السنة المالية ( 1/ 1 من كل عام ) إلا إن تعليمات تنفيذها قد تصدر بعد 3 او 4 شهور ، وبعض وحدات الصرف لا يصلها التمويل إلا في الربع الأخير من السنة المالية مما يحرمها من التخصيصات لخدمة الفئات المحرومة من الشعب .
إن الهدف من إعداد الموازنات المالية كونها أداة تخطيطية هو محاولة تحقيق الأهداف التي تلبي الاحتياجات الفعلية بما في ذلك معالجة الاختناقات وتقديم الخدمات وتعزيز الدخل القومي وتحقيق رفاهية المواطن ، ولكن واقع الحال يشير إلى إن اغلب الأهداف التي تتبناها الموازنات هي ذات طبيعة سياسية او لتبني مشاريع غير قابلة للتطبيق وربما لتحقيق منافع فئوية تنتهي بالفساد ، وهناك تداخل غالبا ما يحصل بين الأهداف الاتحادية والمحلية في ضوء الضعف الذي تعاني منه بعض مجالس المحافظات والضبابية في تطبيق القانون 21 لسنة 2008 المتعلق بمنهج اللامركزية في الصلاحيات للمحافظات غير المنتمية لإقليم الذي تسعى لتطبيقه الحكومة الاتحادية منذ صدور القانون ، ومن المؤكد أن إعداد موازنة 2020 سيبقي الأمنيات على كما هي عليه في السنوات السابقة إذا تم الإصرار على أن نستخدم ذات الأساليب ولن نستفيد من الأخطاء السابقة في إعداد وتنفيذ الموازنات ، وهو أمر نذكره بمرارة لان الجميع يتطلع إلى أن يشهد بلدنا تطورا ملحوظا وهو ينفق أكثر من 100 مليار دولار سنويا ومؤشرات التنمية المستدامة أما باقية على حالها او إنها تتراجع بشكل لا يليق بتضحيات ومكانة العراقيين ، ولان الوقت لايزال متاحا حتى موعد إقرار الموازنة فمن واجب ممثلي الشعب في مجلس النواب التمتع بالقدر المطلوب من نكران الذات والنظر للعراق كقيمة عليا من خلال تبني أهدافا وطنية في الموازنة القادمة ، وأول هذه الأهداف هو تنمية الموارد المحلية وعدم الاعتماد الكلي على الصادرات النفطية وتنمية إنتاج السلع والخدمات المحلية في مختلف القطاعات ( حكومي ، مختلط ، خاص ، تعاوني ) ، كما إن من المهم التقليل من الهرولة للحصول على مكاسب أنانية على حساب المصالح العليا ، فالعالم يشهد تقدما تقنيا وفي يوما ما ستقل أهمية النفط باستخدام الطاقات المتجددة والبديلة وبشكل يقلل من القيمة الاقتصادية للصادرات النفطية ، ولنتذكر جميعا إن الأهداف العليا للموازنات المالية هي تحقيق العدالة والرفاهية وزيادة العوائد الإنتاجية وحل المشكلات بأنواعها وليس تحويل الموازنة إلى حلبة للصراعات لإثبات قوة البعض في تحقيق المنافع الضيقة على حساب الآخرين ، دون أن ننسى جميعا إن الفقراء ومعدومي الدخل والعاطلين والثكالى والفقراء ينتظرون الموازنة بشغف لا بهدف تحويلها إلى أداة للإعانات الاجتماعية ومعاملة الشعب كمتسولين ، وإنما بتحويلهم إلى طاقات منتجة بالعمل ليلا ونهار للدفاع عن البلد وبنائه وأعماره وتقدمه لأرقى المقامات مما يتطلب ولوج الأهداف الحقيقية ومغادرة المثل الشعبي ( يخوط بصف الاستكان ) .

أحدث المقالات