20 ديسمبر، 2024 10:03 ص

لكي تنتهي : فوضى السياسة وسياسة الفوضى

لكي تنتهي : فوضى السياسة وسياسة الفوضى

من المعروف ان مصائب ونوائب الشعب العراقي كثيرة وكبيرة ، ومن الصحيح القول ان هذه المصائب والنوائب التي أحرقت وسرقت وضيعت وابادت اغلى واعز ماتملكه الشعوب الا وهي الثروة البشرية ، خاصة فئة الشباب الذين سحقتهم عجلة الحروب التي مرت على هذا البلد الجريح ، بالإضافة الى حرق الأخضر واليابس من ثرواته في تلك الحروب ، ولكن الصحيح أيضا ان مصيبة الشعب العراقي بعد التغيير الذي حصل على يد الامريكان ،واحتلالهم العراق وسقوط الصنم ، أقول ان مصيبتهم بل كارثتهم الكبرى هي في الطبقة السياسية الحاكمة ، على اختلاف مسمياتها واتجاهاتها .حيث اتخذت هذه الطبقة شعارا غير معلن ولكنه اصبح واقعا واضحا جليا ومطبقا بشكل لايقبل اللبس او الغموض،الا وهو الفساد واستباحة المال العام العراقي ، وذلك بثلاث طرق :

* الطريقة الأولى هي الطريقة القانونية : حيث تم تشريع قوانين وقرارات ومناصب تصب في النهب المنظم للمال العام ، ومثال على ذلك الرواتب والامتيازات والمخصصات المالية الكبيرة التي لايوجد لها مثيل في العالم ، والتي كلفت خزينة الدولة مئات المليارات من الدولارات .

* الطريقة الثانية هي طريقة سرقة المال العام بغطاء قانوني : وهذه الطريقة هي الأخطر والأكثر شيوعا في مؤسسات الدولة الحكومية ، بل هي الأكثر تدميرا وايذاء للدولة والشعب العراقي ، حيث انها تمس كل قطاعات الدولة ، وخاصة الخدمية منها ، مثل الماء

والكهرباء والصحة والتعليم ، وغيرها من القطاعات التي هي في تماس مباشر مع المواطنين ، ويكفي النظر الى حجم الأموال التي رصدت لهذه الخدمات منذ سقوط الصنم في العراق ، وحجم المصروف منها ، ومقارنته مع المتحقق والمنجز الحقيقي على الأرض ، لتعرف حجم الكارثة والبلاء الذي أصيبت به الدولة والشعب العراقي ، من هدر وسرقة للمال العام ، بل ان الالاف من المشاريع هي مشاريع وهمية ، أي على الورق فقط ، بل انك قد تجد ان تلك المشاريع قد دخلت في اضبارة جميلة ، عليها أسماء وعنوانين وتواقيع شخصيات اعتبارية وفنية ، تؤكد على انجاز تلك المشاريع بأفضل واحسن مايكون . والمصيبة ان كل ذلك يجري تحت مرى ومسمع من السلطات الثلاث ، والمؤسسات الملحقة بها ، مثل هيئات النزاهة المتعددة ، وهي ان تحركت لمتابعة مخالفة او حتى جريمة تدخل تحت هذا العنوان ، فان تحركها تحرك خجول من باب رفع العتب او ( اسقاط فرض ) مما أوجد طبقة جديدة من سراق المال العام ، تجدها في حاشية أصحاب المناصب الصغيرة والكبيرة ، أليس ( من أمن العقوبة أساء الادب ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

* الطريقة الثالثة هي الفساد والسرقة المباشرة : وهذا مايتم جهارا نهارا من اقصى شمال العراق ، الى اقصى جنوبه ، بطرق واشكال مختلفة ، من خلال الرشاوى التي تعج وتضج بها دوائر الدولة ومؤسساتها ، او بيع الوظائف الحكومية ( صغيرها وكبيرها ) فظاهرة بيع

الوظائف أصبحت معروفة لكل مواطن عراقي ، وهي ليست حكرا على الوظائف الدنيا ( عامل نظافة اومعلم مدرسة او مهندس معماري ) بل ان وزارات الدولة هي الأخرى قد تم عرضها للمزايدات السرية من قبل رؤساء كتل معروفة ومشاركة بقوة في الحكومات السابقة والحالية ، وباعترافات وتصريحات موثقة بالصوت والصورة تؤكد حصول هذه الجريمة بحق الشعب والدولة العراقية . ثم الا يكفي ان نفط العراق الذي يصدر من حقول كركوك وحقول إقليم كردستان ، من دون ان يدخل الى خزينة الدولة منها دينار واحد ، هي مصيبة وكارثة كبرى تمارس جهارا نهارا ، وكأنهم دولة مستقلة . وهذا الامر ليس مقتصرا على الإقليم ، بل انه كان يمارس في جنوب العراق ولفترة طويلة بعد سقوط الصنم ، واحتلال العراق من قبل أمريكا .وقد يكون مازال موجودا ولكن بنسب بسيطة ومحدودة . ان الإصلاحات التي قام بها السيد العبادي تستحق كل التقدير والاحترام والتشجيع من قبل الشعب العراقي ، باعتبارها خطوة على الطريق الصحيح في مسار طويل وشاق وشائك ، يحتاج فيه الدعم المستمر مع المتابعة والمراقبة لكل الأحزاب والكيانات والشخصيات التي تدور في فلك الحكومة والبرلمان وحتى القضاء ، لمعرفة وتشخيص الخلل ومتابعته وايقافه عند حده .

ان السيد العبادي يحتاج الى ان يضع النقاط على الحروف ، وان يقول ( للاعور يااعور) مع احترامي للاخوة المصابين بهذه العاهة الخَلقية ، فانا اقصد

أصحاب العاهة الخُلقية من سراق المال العام ، من الذين كانوا السبب في وصولنا الى الحالة المزرية التي نحن عليها ، وكذلك من الذين يحاولون وضع العصي في عجلة الإصلاح .

وان كان الرجل قد ( عُتب ) في بداية الامر على شكواه من السياسيين الفاسدين وابنائهم ، حتى وصل لسان حال البعض وكأنه يقول للسيد رئيس مجلس الوزراء المحترم :

ان كنت ( لاتشكو ) فتلك مصيبة

وان كنت ( تشكو) فالمصيبة اعظم

فانا اعتقد ان الرجل كان شجاعا ولماحا ، وهو يرسل رسالة غير مباشرة الى الشعب العراقي ، وعلى رأسه المرجعية الدينية ، مطالبا إياهم بالدعم والاسناد في مواجهة ( تغول ) الأحزاب الفاسدة ،هذه الرسالة وصلت ، وتمت الاستجابة السريعة لها ، من خلال الدعم غير المحدود من قبل المرجعية وكذلك المتظاهرين ، للسيد العبادي ، بشرط ان يكون واضحا وصريحا وجريئا في الوقوف بوجه الفاسدين ، وان يسمي الأشياء بمسمياتها ، وان يضرب بيد من حديد على هذه ( القرادة ) التي امتصت دماء الشعب العراقي قبل أمواله .

ان في تجارب الشعوب لخير ( دواء ) يمكن الاستفادة منه في علاج هذا السرطان المستشري في الجسد العراقي ، ولعل التجربة الإيطالية في القرن المنصرم ، هي واحدة من التجارب التي يمكن دراستها و( تعريقها ) ومقاربتها على الحالة التي وصلنا اليها ، فهم قد أصيبوا بمافيات

الجريمة والسرقة والفساد الذي طال كل مؤسسات ومفاصل الدولة الإيطالية ، ووصل الامر الى اعلى السلطات التشريعة والتنفيذية وحتى القضائية ، ولكن الايطاليين استطاعوا بهمة وشجاعة رجال وطنيون واكفاء ان يتصدوا لمافيات الاجرام والفساد الكبرى ، ونجحوا في الحد منها والقضاء عليها ، رغم انهم قدموا تضحيات كبيرة من اجل ذلك .

ان الكرة الان في ملعب السيد العبادي ، وعليه ” الضرب بيد من حديد ” على الرؤوس العفنة والفاسدة مهما على مقامها ، او تسترت وتبرقعت باغطية واستار وشعارات دينية او دنيوية كاذبة ، فقد باتت مفضوحة امام الله والناس وليكن العلاج سريعا وملموسا وقريبا ، فما عاد المواطن العراقي يستطيع الصبر أكثر من ذلك .

 

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات