13 أبريل، 2024 3:41 ص
Search
Close this search box.

لكي تحقق للآخرين آمالهم

Facebook
Twitter
LinkedIn

تستيقظ في الصباح متأخرة دائما ..تنهض من فراشها حزينة كئيبة فارقها الابتسام منذ زمن بعيد ,تدير نظرات حائرة في ارجاء الغرفة الصغيرة وتحاول ان تفهم شيئا واحدا لما اصابها.
تتناول فطورها دونما رغبة وتمتد يدها الى آلة عملها تشَّغلها وتخفي خلف ازيزها اناتها واحتراقها.
وحيدة مع آلامها رغم كثرة الافراد الذين يشاركوها البيت .
وحيدة مع نفسها رغم عظم ينابيع العواطف والحنان التي تعطر حياتها .
تخرج الى فناء البيت حيث الشمس و منظر السماء الزرقاء وتنحني بجسدها الى بعض الاشجار الظامئة ترويها بالمياه من خلال صنبور متحرك تشده الى حنفية الماء في الحديقة وتهمس لنفسها مثلما احتفلت الاشجار بالماء بعد طول فترات الظمأ واستعادت حيويتها بعد خمول ربما ستفيض عليها الدنيا بالخيرات بعد شدة وعناء وامتداد زمن البلاء. ثم سرعان ما تهزأ من نفسها وتستنكران يكون له فائدة بعد فوات الاوان وطول الزمان.
تشعر بدوامة تدور في مخيلتها وتطعن مشاعرها على انها تخفي الكثير الكثير في نفسها فما فائدة ان تتحدث بما تتألم منه فتسمع كلمات مجرد كلمات لا تقدم ولا تؤخر .
تهمس لنفسها سيدفن هذا السر بهذا الفؤاد ,سيظل هذا الجرح ينزف صامتا حتى الموت فلماذا تقول شيئا مادام القدر قد قال كلمته وكلمته
قاسية عليها وهي نار ازلية احرقت زهور امالها وأحلامها واحالت حياتها الى صحراء مقفرة.
نعم …لقد كانت لها قبل وقت قصير حياة أطمئنت اليها وسكنت الى ظلها تنشد الهدوء لكن سرعان ما حلت العاصفة التي قتلت ما بقي لها من أمل …أجل كانت تستمتع بوقتها وتعمل بجد ووجدت ما يسليها في هذا العالم لكنها اليوم لا تريد الا شيئا واحدا ليس بيدها ان تصل اليه… شيء واحد هو ان تحقق امنية ان تكون اما بحق.
يصل اليها صوت احدى الطفلتين (ماما) تعاودها الذكريات وتتساءل أهي حقا أُم, أو أن ذلك مجرد وهم لصفة شيء رائع حرمتها السماء منه (الامومة الرائعة).
قد يتبادر الى الذهن تساؤل عن هذه الحالة والحقيقة هي انها ترعى طفلتَّي زوجها اليتيمتين اللتين توفيت امهما اثر ولادتهما وقامت برعايتهما بعد زواجها بابيهما وكان لهما من العمر عند اقترانها بأبيهما سنة وبضع اشهر.
كانت دائما تجد فيهما الانس والحب ولا تتوانى في ان تؤدي واجبات الامومة اتجاههما على اتم وجه بل انها تحاسب ذاتها على اقل تقصير قد يبدر عنها.
نعم هي فعلت ذلك وحاولت ان ترسم البسمة على تلك الشفاه ويغمرها السرور حين ترفع لها كلمات الشكر من تلك العيون البريئة وتسعى حثيثا ان تكون اما بمعنى الكلمة وما هي الامومة سوى الحنان والدفء والتضحية والحب بأعظم صورة ولهذا فهي حين وجدت نفسها في قرية نائية بعيدة عن دور الحضانة ما يتعارض مع استمراها بدراستها ووظيفتها تخلت عن حلمها بإكمال دراستها الجامعية كما قامت بتقديم استقالتها من وظيفتها لأجل التفرغ كليا لرعايتهما وحين بلغا من العمر السنة السادسة سعت حثيثا رغم بعض الاعتراضات التي واجهتها لا دخالهما المدرسة وصارت تحسب عام نجاحهما نجاحا شخصيا لها
واستمرت تبذل بسخاء لتمنحهما كل الدفء والرعاية وتبتسم لكل كلمة حب تسمعها .
ومضت ثمان سنوات من الرعاية وبلغن من العمر تسع سنوات 
لم يعد لها شيء في الوجودشيء ………………لا شيء لها… فهي الآن خاوية الوفاض بعد خروجها من البيت الزوجي وتخليها عنه ……لماذا….؟ لأنها عقيم …لا شيء لها …لأنها شجرة لا تثمر .
قال لها زوجها حين عاتبته على اهماله لبيته وغضبه الدائم …لماذا بحق السماء تفعل ذلك ..؟ سألته وهي تعلم السبب فهو يريد زوجة تهب له الولد فهو رجل شرقي ريفي لا يمكن ان يتخلى عن ان يكون له اولاد ذكور فالبنت بالنسبة لعرفه وتقليده لا تمثل امتداد طبيعي له…
لم يخفي عنها حسرته ولهفته ورغبته..
حسرته في ان يكون له ولد ..ولهفته على انها لم تستطع ان تكون اما لأولاده واعلن رغبته في تحقيق امله حتى لو اقتضى الأمر الزواج بأخرى وختم حديثه الصريح بأمنية ضحكت لها من اعماق قلبها الجريح (لو ان البنتين كانتا ولدين لما عانينا هذا ).كانت تلك العبارة اطلاقة الرحمة على بقايا حياة الأمل التي حاولت ان تتشبث به.
هو اذن يتطلع الى اليوم الذي يرى فيه وليدها ولكن ذلك لا يكون فهي عقيم او بالأحرى أنها امرأة عقيم بسبب التشخيص الخاطئ ,هي اشبه ما تكون بشجرة غير مثمرة لا فائدة ترجى منها لكنها فقط تظل بعض الاعشاب الصغيرة وتحميها من ارتفاع حرارة الشمس او قساوة برد الشتاء.
لقد عرفت ذلك بعد فوات الأوان وسنوات من الحسرة والالم ولفت نظرها قطة ترعى صغارها الذين ولدوا لها حديثا فسارعت الى تقديم المساعدة والطعام لها وحرصت على ان تقدم ذلك برفق ولا تثير مخاوف القطة الام
وفاجأتها احدى الفتاتين اذ قالت متسائلة… لماذا يا أمي ليس لنا أخ واستطردت.. الجميع لهم اخوان فلماذا نحن محرومون من الاخ).؟؟؟؟؟؟؟؟
كل تلك الحوادث جعلتها تتخلى عن ارادة الاستمرار في بقاء حياتها الزوجية واستمرارها فهي لا تريد ان تكون سببا لحرمان زوج من ان يكون اب لأولاد ذكور او تكون سبب في حرمان طفلتين يتيمتين ان يكون لهما اخ وحكمت على نفسها ان تخرج من بيت عملت بجد واجتهاد ليكون عامرا…وفكرت ان تخرج من حياتها الزوجية لكي تحقق للآخرين آمالهم .
نعم كان امرا قاسيا عليها ولكنها تشبثت بصبر وجلد وقاومت ارادات الجميع في التخلي عن قرارها الذي وجدوا فيه جنونا وخروجا على الاعراف ولكنها وجدت ذ لك مرا ملزما لها لكي تحقق للآخرين آمالهم.
الله فقط يعلم خفي نيتها ونيتها صادقة ومخلصة وهو تعالى يتولى الصالحين.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب