26 نوفمبر، 2024 8:27 م
Search
Close this search box.

لكم فيسبوككم ولي فيسبوكي

لكم فيسبوككم ولي فيسبوكي

هذا يوم ثالث ، وليلة مثلثة من ليالي العيد ، تُفنى وتنقضي ، وأنا ما زلت راسخاً قائماً على قراري القوي ، بعدم الخروج من الدار . لا حانة ولا مانة ولا مقهى ولا مجلس لغوة ، ولا حتى تلفون ، والباب الذي تقرصك منه الريح ، سدّهُ واسترح . كتبتُ مرة ، أنني من الكائنات التي تحب التقليد . بكثير طمأنينة ، وعظيم أريحية ، وعدتُ العائلة بتشبيه حفلة شواء ، منقولة من فلم هوليوودي حميم . انتهيت الآن من خلط وعجن وتشييش لحمة الكباب ، ووضعت الفحم في منقل جينكو ، وسكبت فوقه ، قطيرات نفط ، فشبّت النار وبانت ألسنتها . يبدو أن الأمر لم يتمّ ، كما كان عليه في فلم السهرة . واحدة من طقّات الفحم ، طارت على قميصي فثقبتهُ وخلّفت دالة فوق صدري ، أما أسياخ الكباب المنتظرة ، فلقد بان حديدها ، وساح اللحمُ فوق الفحم . سمحتُ للعائلة أن تسوّيني مضحكة عملاقة ، وكان عليَّ أن أتقبل تداعيات قراري الأحمق ، بإقامة فرجة حول دكة كباب . ما زلت مسترخياً حتى مع تلك الطعنة . صنعتُ فنجان قهوة ، واستللتُ سيكارة ، وقعدتُ قدام التلفزيون ” ركبة ونص ” ولفلفتُ على القنوات البلدية ، حتى ركزتُ رمحي على واحدة ، استضافت ياس خضر . كان الأستوديو فقيراً والأسئلة باهتة ماصخة ، وثمة واحد يشبه علي الشلاه ، جلس ساهماً على ميمنة أبي مازن ، وواحدة بمواجهته ، تعبث بشاشة هاتفها . كان صوت ياس خضر ، مذهلاً بديعاً كما انولد قبل خمسين سنة . غنى ياس بكائيات ومناحات توجع القلب وتقصّر العمر ، وتتواءم مع لذة العيد السعيد ، وعند ختمتها ، أسرَّ أبو مازن الربعَ ، بأنه سيعتزل الغناء والنوح ، ويطلب المغفرة والرحمة والتوبة ، من لدن ربّ العالمين . في هذا المفصل ، أحسستُ بأنّ معدتي ، تحاول الخروج من بلعومي . درتُ التلفزيون صوب وجهة أخرى ، فانصفعتُ بمسرحية سخيفة من جعبة سمير غانم ، لكنني ضحكت على واحد من مشاهدها الشحيحة ، التي ظهرت فيها ماصولة محمد طه التي طولها سبعة أمتار ، وهي تموسق موّال ” عالأصل دوَّر ” وأنا ما زلتُ سعيداً ومسترخياً . على هام الساعة ، ذهبت الى نشرة الأخبار ، وكان النبأ الأول اليقين ، يبحث في تفصيل عشر مفخخات وناسفات جبانات ، أكلتْ وجرحت مائة ، نصفهم كان ملوّناً بأثواب العيد السعيد . مازلت أنا سعيداً ومسترخياً ، ودمائي أبرد من مؤخرة السقّاء . في قفزة نوعية فوق سلّم المصادفة ، صرت الآن بمواجهة استوديو ضخم وفخم ، فيه حسين نعمة ، وحسين غزال ، وجوقة عازفين ، منهم أبو الكمان البديع الذي شال فوق وجهه ، لغلوغاً من وزن لغلوغ فالح حسن العظيم . وجه عازف العود ، كان خلطة من وجوه ستة نواب تائبين . مقدم الحفلة ، حلو وأريحي ، وحسين نعمة ، هو هو ، حنجرته تتجوهر وتتعتق ، وتنجو من صدأ السنين . تكلم أبو علي عن الشجن والغناء الحزين الذي لا ينسجم مع ليلة العيد ، ثم صلانا بأحزن وأوجع وأقسى ما أنتجته حنجرته الذهبية . ثغيب متصل بمعاونة مدميات ومحمداويات حسين غزال ، لكنني ما زلتُ فرحاناً ومسترخياً ، خاصة على ثغبة أبي علي ، وهو يناجي حبيبه وينوح : أحبَّكْ من زمان الدور والدار ، وبها ختم على قلبي ، بشمع القراءة الخلدونية . شاشة أخرى استضافت سبعتالاف شاعر شعبي . ثمة قتال مرعد على القراءة . كان مقدِّم العصرية المسكين ، مثل مقاول بناء ، دخل مسطر عمّالة ساحة الطيران ، بحثاً عن لبّاخ أو لبّاخة ، فهجمت عليه ، ضبّة من عتاة البنائين والمبيضين والمفلشين والصباغين . منظر الشعراء ، أفحطَ قلبي ، فذهبت نحو شاشة جديدة . سعدي الحلي المختص في تفليش قلبي ، كان يتناوح ويذوب ب : آني طحتْ ، لكن طحتْ ، بس ما كول انا آخ … كمت كوّة على روحي وما تنخّيت … علّمني الدهر ماكولن أحّاه … ولا راسي البشر فد يوم طخّيتْ . ما زلت أنا معرشاً فوق جبل سعادة . سأبقى حبيس الدار . سأهيىء للعائلة ، وجبة ضحك دسمة ، حول منقل الكباب . سأسمح للفيلسوف علي الصراف ، أن يغار من لحيتي وكفشتي ، اذ هو سائر الى صلع مبين . أنا مرتاح . أنا مسترخٍ . لكم فيسبوككم ، ولي فيسبوكي !!
[email protected]

 

أحدث المقالات