قانون المحكمة الاتحادية احتفظ به مطولا في اروقة البرلمان العراقي انتظارا للحظة المناسبة للتصويت عليه. فالمحكمة الاتحادية التي يصفها الدكتور باسل حسين رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية بانها احدى اهم المفاصل الرئيسة في السلطة القضائية وإن اهمية وخطورة هذا القانون يتأتى من ان اغلب القضايا التي تطرح للتقاضي او الاستفسار وغيرها من المهام المحددة للمحكمة تتعلق بالسياسة.
ونظرا لتوقف عمل المحكمة نتيجة وفاة أحد اعضائها أصبح لزاما تكملة هذه المحكمة لتصديق نتيجة الانتخابات المقبلة لذا فقد تقدمت قوى سياسية باقتراح قانون جديد. هذا القانون ارادت منه بعض الاحزاب الدينية السنية والشيعية جعله اداة للسيطرة على السلطة القانونية بالكامل.
اعضاء المحكمة
فقد وضعت فيه اشخاص من خارج دائرة القضاء وبعدد كبير نسبيا واعطت لهم من الصلاحيات ما لم تتوفر للقضاة السبعة أنفسهم. أربعة فقهاء اثنان من الشيعة واثنان من السنة واثنان من خبراء القانون لهم حق التصويت مخالفا للدستور حيث ان المحكمة تشكل من القضاة فقط. يبدو لي ان خبراء القانون جرى وضعهم لذر الرماد في العيون ولتبرير وجود الفقهاء لان وجودهم لا تأثير له في عملية التصويت واتخاذ القرارات. ما يفهم هو ان وجودهم هناك هو الحفاظ على سلامة تطبيق الدستور ومن ضمنها المادة الثانية (ب) التي تنص “لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية “والمادة الثانية (ج )”لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور“. لكن الملاحظة هنا ان عددهم اثنان وليس اربعة مثل الفقهاء وليس لهم صلاحيات مثلهم ايضا.
آلية التصويت
التصويت على القرارات مفصلة جيدا كي لا يمرر اي قانون دون ان تنطبق عليه ثوابت احكام الاسلام. واجب الفقهاء في هذه المحكمة هو عدم اقرار القوانين التي تخالف المادة الثانية (أ) من الدستور العراقي “لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام“ ولهم هم وحدهم الحق في التصويت على مثل هذه القرارات!!
القرارات المتعلقة بالمادة (ب) و (ج) والمتعلقة بالحقوق والحريات يجب ان تمرر من قبل ثلاثة ارباع الاعضاء ال ١٣ أي ١٠ على الاقل, لذا فيجب ان يكون احد الفقهاء على الاقل موافقا عليه. هذا يعني بان الفقهاء لهم حق الفيتو على اي قرار كان يخص الشريعة او الحقوق والحريات او القوانين الأخرى وبالتالي لا يستطيع كل القضاة وخبراء القانون مجتمعين من تمرير اي قانون يمر على المحكمة من دونهم. هذه الآلية تجعل العراق تشريعيا دولة يسيطر عليها الفقهاء الاربعة تماما مما يحوله الى دولة دينية.
مساومة وابتزاز للكورد
التصويت على القانون يجب ان يمر بموافقة ثلثي النواب لذا فشل التصويت عليه لحد الان. لكن هذه القوى وجدت ضالتها بخبز المواطنين فأوقفت الموافقة على قانون الميزانية لعام ٢٠٢١ وتساوم الكورد بالموافقة على قانون المحكمة الاتحادية لإطلاق سراح الميزانية العتيدة التي يحتاجها الاقليم لحل مشاكله الاقتصادية. هذا لا يمكن اعتبره سياسة او مساومة بل هو ابتزاز غير اخلاقي وغير قانوني لأنه يختطف الميزانية كرهينة يجبر النواب من خلال تجويعهم وتدمير اقتصادهم مقابل التصويت على قانون لا يرغبونه.
في حالة تمرير القانون كما هو
تمرير قانون المحكمة الاتحادية مثلما قدم للبرلمان يعني موت الديمقراطية الفتية في العراق وتطبيق الشريعة الاسلامية وبالتالي القضاء آمال الاقليات الدينية المبني على تكوين دولة يتساوى في المواطنين امام القانون بغض النظر عن القومية والدين والطائفة.
تمرير قانون المحكمة الاتحادية يعني بانه يمنع اصلاح لقوانين الحالية بالشكل الذي اراده شباب ثورة تشرين والعمانيين والاقليات بإبعاد الدين عن السياسة ونبذ الطائفية وإطلاق الحريات الاساسية للشعب العراقي.
تمرير القانون يعني ان كل الفقرات الواردة في الدستور فيما يخص الحقوق والحريات تصبح شبه ملغية حيث يستطيع الفقهاء في قراراتهم الغاء كل قانون لا يتلاءم مع الشريعة بينما لا يستطيع كل القضاة وخبراء القانون مجتمعين من الغاء القوانين التي تناقض المواد التي تخص الحقوق والحريات الموجودة في الدستور.
تمرير قانون المحكمة الاتحادية يعني ان الانتخابات القادمة لا معنى لها لأن البرلمان القادم لا يستطيع ان يخرج باي خطوات اصلاحية جادة ولا تمرير اي قوانين تدافع عن الحرية وحقوق الانسان التي يطالب بها الشعب العراقي حيث الفقهاء الاربعة واقفين لهم بالمرصاد في المحكمة الاتحادية التي تستطيع سحب اي قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام , الغير محددة اصلا.
تمرير القانون المذكور يعني بان أي إصلاح في العراق يرمي الى تكريس الديمقراطية وضمان الحريات الدينية والشخصية لا يمكن اي يتم الا بثورة شعبية او انقلاب عسكري وكلاهما قد يؤديان الى اعمال عنف وقتل لا يمكن الآن من معرفة مداها.
ماذا بعد تمرير قانون المحكمة:
هذه الخطوة هي الثالثة في اتجاه تأسيس الدولة الدينية في العراق. فالأولى كانت ابقاء كلمة لا اله الا الله التي كتبها صدام حسين على العلم العراقي, والثانية كانت تشكيل جيش عقائدي ديني موازي للجيش العراقي يستطيع فرض قانون الشريعة بالقوة ان تطلب الامر, والآن فرض قوانين الشريعة من قبل المحكمة الاتحادية التي سلطتها تشريعيا فوق سلطة البرلمان.
ما سيبقى من المشروع هو تغيير اسم الدولة خاصة وان هذا القانون سيسرع من وتيرة الهجرة عند الأقليات الدينية من العراق ما قد يؤدي الى افراغه منهم سريعا. وفي حالة تمرير قانون المحكمة الاتحادية لن يبقى السؤال ان كان اقتراح تغيير اسم الدولة الى جمهورية العراق الاسلامية قادما أم لا, بل السؤال سيكون متى.