تعودّ العراقيون على الانقلابات العسكرية وفرض الأمر الواقع بالقوة بمُسمّيات لا صحة لها وانما لخداع الشعب العراقي ، فكلّ انقلاب كان يعطي لنفسه الشرعية الباطلة تحت عنوان ( الثورة ) كثورة 14 رمضان وثورة 17 – 30 تموز ، وحتى الاطاحة بالرئيس الراحل أحمد حسن البكر عام 1979 كان نوعاً من أنواع تالك الانقلابات العسكرية التي قادها صدام حسين والموالون له . وكانت تلك الانقلابات في بياناتها رقم ( 1 ) تتحدث باسم الشعب العراقي وكأن الشعبُ هو الذي فوضها ومنحها الحق لتغيير الأوضاع السياسية بقوة السلاح ، وأنها جاءت من أجل تغيير الأنظمة الفاسدة واجراء الاصلاحات وتحقيق رفاهية العراقيين . ولكن الحقيقة كانت غير ذلك ، وانما كان هدفُ كلّ انقلاب يحصلُ الوصولَ الى ( عرش الحكم ) ومن ثم تنفيذ أجندات القائمين بالانقلاب . وظن الكثيرُ من المواطنين أن زمن الانقلابات العسكرية قد ولّى دون رجعةٍ وأنه من الصعب حدوثها بعد عام 2003 خصوصاً بعد وجود دستور دائم للبلد ووجود برلمان منتخب وحكومات منبثقة منه . الاّ أن الذي حدث في الانتخابات الأخيرة كان شبيهاً الى درجةٍ كبيرة بأيّ انقلاب عسكري من الانقلابات السابقة . ربّما يختلفُ المظهر بينهما بعض الشيء ولكن الجوهرَ متطابق جدا ، والغايات متطابقة أيضا . ولتوضيح هذا الأمر أكثر ، أعرض للقرّاء الكرام أوجه الشبه والتطابق بين الانقلاب العسكري والذي حصلَ في الانتخابات الأخيرة . فالانقلاب العسكري يقوم على مبدأ اللجوء الى استخدام القوة لفرض الأمر الواقع على المشهد السياسي دون أخذ الأذن والموافقة من الشعب . والذي حصل في الانتخابات قيام أحزاب وقوائم متنافسة باللجوء الى تجنيد أنصارها المسلحين للتلاعب بأصوات الناخبين رغم أنوفهم ودون موافقتهم . وهنا يتضح أن استخدام القوة صفة مشتركة بين الانقلاب العسكري والانتخابات الأخيرة . كما أن الذي كان يحصلُ في السابق عندما يجدُ أيّ حزب أو أية مجموعة عدم قدرتها على كسب ثقة الشعب وودّه بالطرق السلمية الصحيحة فان خيارَ فرض الوجود على الشعب كان الخيارَ الأفضل لأيّ انقلاب عسكري ، وهذا ما حصلَ في الانتخابات الأخيرة بعدَ أن وجدتْ بعض الأحزاب والقوائم فرصة حصولها على أكبر عددِ من أصوات الناخبين ضعيفة ، ممّا دفعها لحصد الأصوات بالترهيب والوعيد وبالتدخل المباشر في بعض المراكز الانتخابية . وكان أصحابُ الانقلابات العسكرية يستخدمون الكذب وتزوير الحقائق وخلق الحكايات والاتهامات كوسيلة من وسائلهم لتبرير ما قاموا به ولإعطاء الشرعية على انقلاباتهم العسكرية ، وهذا هو الذي حدث في الانتخابات الأخيرة ، حيث وجدنا الأحزاب والقوائم التي تصرّفت مثل هذا التصرف تحاولُ الدفاع عن الانتخابات بوصفها انتخابات نزيهة وأن ما يُقال عنها لا أساس له من الصحة رغم الانتهاكات والخروقات الكثيرة ورغم آلاف الطعون بها في عموم البلاد . والصفة المشتركة الأخرى بين أيّ انقلاب عسكري والانتخابات الأخيرة هي التصريحات التي تحاولُ تهدئة الشارع العراقي وامتصاص غضبه ونقمته من خلال الوعود الكثيرة المليئة بالأحلام الوردية …. اذن يمكن القول أن الذي حدث في الانتخابات الأخيرة هو انقلاب عسكري من نوع آخر . وسوف تشهدُ الأياّم المقبلة نتائج هذا الانقلاب الذي سيجعلُ العراق يعيش على صفيح ساخن وساخن جدا .