22 ديسمبر، 2024 6:59 م

لقد ظلمناك …… يا احمد جلبي

لقد ظلمناك …… يا احمد جلبي

احمد عبد الهادي الجلبي مواليد 1944 ،. خريج معهد ماساتسوسست للتقنية في شيكاغو ، ذو الجنسية البريطانية والاميركية واللبنانية ، غادر العراق سنة 1956 وانشغل هو وعائلته بالتجارة والسمسرة المصرفية ولم يعرف له اي نشاط سياسي معارض الى ان تلقفته المخابرات الاميركية ودفعته للامام ليصبح رجلها الاول وواجهة المعارضة للحكم السابق …. ومن اجل ان يكتمل دوره لعب دورا كبيرا في تلفيق اكاذيب الاسلحة المحرمة لاقناع اعضاء الكونغرس بشن الحرب على العراق . ودخل مع الاحتلال الى العراق في 2003 دون ان يجعلوه يحظى بـ ” شرف ” دخول بغداد مع ميليشياته من ( جيش العراق الحر ) وابقوه  في قاعدة الامام علي بالناصرية مع ميليشياته التي جمعتها المخابرات الاميركية من شوارع  الشتات كي لا يدعي اي من صنائعهم هؤلاء ” شرف ” المساهمة في “تحرير العراق” مع ما يترتب عليه من معاملتهم كحلفاء وليس كأتباع  .
        يتهم السيد الجلبي تجلت حملة الاغتيالات التي نفذتها ميليشياته بحق الضباط والعلماء ورجال المخابرات العراقيين وفق قوائم ايرانية واسرائيلية معدة سلفا . والجلبي قال ان نظام صدام لم يكن ليسقط لولا التفاهم العلني او الضمني الاميركي – الايراني ، فكان هو رجل الارتباط بين الايرانيين والاميركيين في رحلات مكوكية قام بها الى ايران خاصة بعد عام 2000 لضمان تعاون ايران في مسألة الغزو …. والظاهر انه في زياراته هذه واجتماعاته مع المسؤولين الايرانيين خاصة الامنيين ( ومنهم الرئيس المنتخب روحاني الذي كان رئيسا لمجلس الامن القومي )كان قد نسج خيوطا قوية لتبعيته للمخابرات الايرانية تدفعه بذلك اصوله الايرانية البعيدة او ميوله الطائفية . وقد دفع ثمنا غاليا لهذه العلاقة عندما اكتشف الاميركان بانه كان يسرب معلومات ووثائق في غاية الاهمية للايرانيين فما كان منهم الا القاء القبض عليه في 20 نيسان 2004 وساقوه من مقره في البيت الصيني بالمنصور وهو ببيجاما النوم وقطعوا عنه المساعدات البالغة 300 مليون $ سنويا وغيبوه تماما عن المشهد السياسي العراقي ،فتحول من علماني الا منظر للتقسيم الطائفي في العراق عبر تاسيس المجلس الشيعي الاعلى ومحاولة ركوب موجة التيار الصدري الشعبية الذي كان (ومازال) يفتقر للقيادات الواعية والكفوءةلكنهلم يحصل في انتخابات 2005 الا على اقل من 3000 صوت لم تؤهله حتى لمقعد نيابي . وكان له دور مهم في تنفيذ حملات التطهير الطائفي في بغداد التي جرت عامي 2005- 2006 ضمن خطة ايرانية ( بادوات داخلية ) تم كشف النقاب عنها مؤخرا من قبل مدير المخابرات الاميركي الاسبق .
 هكذا عرفنا الجلبي وتاريخه . وقد تبين اننا ظلمناه … فالرجل كان متشوقا للعودة الى المشهد السياسي عبر صفقات ومواقف تدل انه عاشق للديمقراطية وحرية الشعوب عابرا للحدود الوطنية . فبعيدا عن هموم  شعبه الذي ينحر يوميا  ، ومشاركته بشكل مباشر او غير مباشر فيه ،  فقد وقف مجاهرا بقوة في بيروت” لنصرة الشعب البحريني المظلوم ” فكان ان تلقى وهو على المنصة حذاءا من احد الحضور الذي اعترض على وجود ” عميل على المنبر مدافعا عن حرية الشعوب وهو الذي قاد المحتل الى بلده”..أهكذا يجازى محررو الوطان على مواقفهم الانسانية ؟  .
   واخر موقف للرجل يدل على عروبته وتفكيره القومي ويرد عنه تهمة الشعوبية، اطلقه في لقاء على قناة الشرقية في برنامج طبعة محدودة بمناداته ” بوحدة كونفدرالية بين العراق وسوريا “لان هذا الاتحاد وفق قوله “سيفتحابوابا تاريخية لان سوريا في ازمة شبيهة بالحروب التي خاضتها ايطاليا والمانيا :..   واضاف الجلبي في تبريره لمقترحه بان ” الظروف الاقليمية مواتية جدا لقيام مثل هذا الاتحاد الذي وصفه بالتاريخي ” ومستبعدا سقوط نظام الاسد رغم دعم واشنطن للمعارضة وصرف قطر مليارات الدولارات وفتح تركيا حدودها للمعارضة.
   اظن ان القراء لاحظوا عدم تسلسل الافكار في كلام الجلبي وفقدان الربط بين اسباب المقدمات والنتائج في طروحاته وذلك لا يعود ، استغفر الله ، لهلوسة عقلية او قصور في الاستيعاب ، وانما لضعف الرجل باللغة العربية وهو امر شاهدته بنفسي في احد اللقاءات التي حضرتها له وتعجبت من ان رجل هكذا لغته ومنطقه اقنع الاميركان و” المعارضات العراقية في حينها بان يكون ” محرر العراق ” ، واتذكر ان احدمساعديه اجابني ان الرجل في العربية سيء لكنه عندما يتحدث الانكليزية فان منطقه قوي قادر على التاثير في اعضاء في مجلس الشيوخ الاميركي فقلت في نفسي هذا مايحتاجه العراق ( قائد لا يعرف لغة اهله بل يرطن بلغة اجنبية يفهمها اعداء العراق فلماذا لا يعمل نفسه زعيما على من يتحدث ويتفوق بلغتهم؟ ؟ ) .
     ونفس التلبس في اللغة العربية كان قد قاد الجلبي في موقف سابق في نيسان الماضيالى تهديد امارة  قطر بتدميرها و احراق الدوحة اذا ثبت دعمها للارهاب في العراق وانه يملك امكانات هذا التدمير… لكن لم يعلن لاسباب ستراتيجية عن الوسائل التي سيستخدمها في تدمير الامارة المتمددة في دورها لكن موقفه هذا يدل على حرصه على القصاص من كل الاطراف التي ترهب العراقيين وخاصة من “الخونة العرب الملاعين ”  …. مستثنيا بالطبع ادوات الارهاب التي تصدرها دولة مجاورة كونها ساعدته في اسقاط صدام فلابد ان يبقى يقدم الشكر والحمد لها مهما صدرت لنا من ارهاب مصنف ومكشوف .
آن ” للقومجيين ” العرب ان ينحنوا لجراة الجلبي في دعوته القومية للاتحاد مع سوريا محنتها هذه وهم الذين عرقلوا مثل هذه الوحدة في أفضل الظروف المواتية .وآن للعراقيين ان يتوقفوا على اطلاق التهم على صقور الاحتلال باتهامهم مرة بـ ” الصفويين ” ومرة باللاوطنيين والمعادين للعروبة .وآن الاوان لبدء عهد مسامحة حقيقية  …بالصفح عن ادوارهم المعروفة في تقسيم الشعب العراقي الى مكونات عرقية وطائفية هشة ،واشعال نار فتنة طائفية سالت دماء مئات الاف العراقيين ولم تزل فيها …فهاهم يقفزون على كل نظرياتهم الشعوبية والفئوية والانعزالية ويثوبون الى رشدهم ويصبحوا منظرين لوحدة عربية مؤكدين المثل القائل ( لا محبة الا بعد عداوة )….
كيف نفهم اللفتة الكريمة الجديدة للسيدالجلبي ؟ هل هي صحوة قومية ام تجليات من وحي الشيطان الذي يتلبسه ويسير في ركابه منذ التسعينيات ؟ وكيف يكون لمؤسس انهيار الدولة العراقية وعراب حل الجيش العراقي ومؤسسات الدولة ومؤسس اجتثاث البعث في العراق أن يطالب بالاتحاد مع البعث السوري ، هل ذلك بسبب اكتشافه ان اله البعث العراقي شرير واله البعث السوري خيّر ؟وهل تبين الخيط الاسود من الخيط الابيض في هذه اللحظات التي تموجفيها سوريا على بركان ساخن ؟  فهل هذه الفكرة من وحي الحرص على مصلحة العراق او المصلحة القومية ام هي من بنات تلك الافكار التي اسست للبيت الشيعي والاقتتال الطائفي ( من اجل تحرير بغداد من 85 % من سكانها السنة كماادلى بتصريحه لجريدة انكليزية في مطلع سنة 2006 ) او هي من وحي واملاءدولة الفقيه التي يسبح السيد الجلبي بحمدها ويتباهى بالعمل مع مخابراتها لتعقيد الوضع الاقليمي ؟..فالجلبي لا ينطق عن هوى او باسمه الشخصي . الاسلامويون العراقيون وحلفائهم من ” العلمانيين ” بدأوا لا يتعاملون مع النظام السوري من ناحية بعثيته وقومية خطه السياسي بقدر ما يتعاملون مع علوية قيادتهاو من تحالفه مع ايران وذلك كاف لمد كل سبل الانقاذ له ..لانه في نظر الجلبي وربعه نظام شيعي مهما كانت النظرية السياسية التي يعتنقها …. اما البعث العراقي فهو كافر ومجرم شيعيا كان او سنيا وهو واعضائه وانصاره هدفا للاجتثاث ولرصاص ميليشياته . ووجب ان يمتد خط الاسناد لسوريا الى حد توفير عمق استراتيجي لها يتمثل بالعراق كله ليتصل جغرافيا مع ايران .
    هذا المنطق الذي يتفوه به الجلبي يدل على ضحالة الحالة الفكرية والقصور السياسي الذي يحكم النظام السياسي في العراق بفئتيه المتاسلم والعلماني فكليهما غارق في وحول الطائفية والنظرات الضيقة المتأثرة بهذه الدرجة او تلك من الارتباطات الخارجية ، وبالتالي لا يستطيع ان يرى بوضوح ستراتيجي مسار الامور الاقليمية بعيدا عن الزاوية الطائفية ( شيعية ام سنية ) التي حشروا انفسهم فيها واصبحت تؤثر في كل حركاتهم وقراراتهم بعيدا عن اية مصلحة عراقية … فما هو هذا الاتحاد الكونفدرالي الذي يدعو اليه الجلبي  وماهي اسسه ومقوماته وكيف يمكن عبور حقائق الجغرافية والوضع الستراتيجي وما هي ردة الفعل الاقليمية والدولية ازائه ؟ ام ان اطلاق مثل هذه الدعوات الصبيانية هو اثبات لجهل مثل هؤلاء الناس بحقائق الامور والسياسة ؟ هل هو مجرد بالون اختبار لمعرفة ردود الفعل المحلية والدولية لبناء مايلزم عليها في مرحلة لاحقة ؟
   مالم يقله الجلبي صراحة انه يريد اتحادا طائفيا شيعيا عراقيا سوريا … وليس اتحادا بين بلدين عربيين يساهم في تعزيز قوة كل من سوريا والعراق في كل المجالاتالستراتيجية ( وهو لو تحقق واستمر منذ سنة 1979 لما آلت اوضاع البلدين الى ماهي عليه الان )… وفي هذه الظروف التي تمر فيها سوريا يعني ان يصبح العراق طرفا مقاتلا الى جانب النظام في حرب داخلية طاحنة ضد المعارضة المسلحة التي اصبحت مفرزة على انها معارضة سنية ومتشددة وبالتالي ان يكون العراق مشّرعا على حرب مفتوحة مع القاعدة ومشتقاتها ومع كل الدول الاقليمية التي تناصب النظام السوري العداء للاسباب الطائفية ذاتها (اي زج العراق في اتون الصراع بين الهلالين الايراني الشيعي والسني الخليجي الاميركي التركي )… خاصة وان كل المنطقة الغربية من العراق والشرقية من سوريا ستكون حكما بيد المعارضة المسلحة … فأي مصلحة للعراق في خوض غمار حرب طائفية عابرة هذه المرة للحدود الاقليمية ستكون محرقة لرجاله ولامواله وستفتح ابواب جهنم عليه من كل الجهات بالاضافة الى ماهو مفتوح حاليا ؟ .. وهل يفهم الجلبي وامثاله الوحدة العربية فقط من المنظور الجزئي التجزيئي الطائفي المخرب للبلدان ولنسيجها الاجتماعي … فهل هي هذه الوحدة العربية؟
   من هو الرابح من اتحاد الجلبي ؟ فحتى النظام السوري نفسه سيكون خاسرا لان ذلك سيثبت عليه اتهامات الاصطفاف والتحالف الطائفي الذي تروجه الدعاية الخليجية والتركية في حين يحاول هو تظهير الصراع بين الارهاب المتشدد والدولة العلمانية الحاضنة للجميع بدون تمييز …وماذا سيربح العراق ؟ ليس اكثر من استعداء اكثر من قوى محلية وعربية وعالمية والدخول في حروب استنزاف جديدة وكان تجربة السنين العشر الماضية لم تكن اكثر من كافية… فالوحدة العربية الحقيقية هي لجمع الجهد العربي وتوجيهه لصالح بناء دولة اكثر امكانات وقوة على مواجهة التحديات وليس تجميع الجهد لحروب طائفية داخلية مدمرة .
المشروع في اصله قد يكون ايرانيا لتوفير عمق للنظام السوري ويبدو ذلك واضحا لان الجلبي لم يحاول ان يلمس ولو من بعيد التاثيرات السلبية لهذا الاتحاد على العراق والسلم الاهلي فيه . فالعراق واولوياته ومستقبله دائما تأتي في اخر اولويات الجلبي وامثاله من مستوردات الاحتلال …. وكعراقيين نؤمن بالوطنية العراقية وبالعروبة ادعو الجلبي ومن يحركه ومن يقاسمه الراي … أن يدعوا ويدعموا قبل كل شيء الى الاتحاد والاخوة بين مكونات الشعب العراقي بدلا من العمل على تفتيتها … وحين يكون العراق واحدا قويا يستطيع التاثير في محيطه العربي والاقليمي ايجابا …. اما ان يذهب لاتحاد مصطنع وهو مثخن بالجراح ومهلهل ومقسم …. فهو الانتحار بعينه ….. هذه هي زمرة الساسة العراقيين وكيفية تفكيرهم الضحل … فان كان دكتور الرياضيات وعراب الغزو يمتلك ” هذه الضحالة الستراتيجية  والدونكيشوتية المغامرة الفارغة من اي منطق  ” فلا عتب على اصحاب الشهادات المزورة والعمائم المزيفة …..نعم لقد ظلمنا الجلبي في السابق لاننا لم نلمس المستوى الحقيقي لنحداره وظلامية افكاره مثل ما تعرفنا عليها الان ..