22 نوفمبر، 2024 7:14 م
Search
Close this search box.

لقد زرعتَ فينا وطناً !

لقد زرعتَ فينا وطناً !

كان هناك شاب متفوق في الدراسة، وكان وضعه المادي صعباً، فإضطر للعمل بعد المدرسة ببيع بعض الأغراض، التي يأخذها من المتاجر، بالدق على البيوت وعرضها عليهم، لم يكن هذا الشاب ينفق الكثير من المال على نفسه، فكل شيء يذهب للتعليم والكتب، حتى يضمن نجاحه الدراسي، فكان مدركاً أن المخرج الوحيد، من هذه المشاكل التي يعيشها، هوالتفوق في دراسته، والحصول على شهادة عالية، وفي يوم من الأيام لم يستطع الوقوف على قدميه، من شدة التعب والجوع!
حاول الشاب التجلد والصبر، وأبى أن يطلب المساعدة، لكنه لم يستطع فقام بدق باب أحد البيوت، فظهرت امرأة شابة وقالت له:ماذا تريد؟ شعر الشاب بالإحراج فلم يطلب الطعام، وقال لها: كأس ماء لو سمحتِ، نظرت المرأة الشابة لوجه البائع، فأدركت جوعه وخجله من السؤال، فخرجت ومعها قطعة خبز وكأس حليب ساخن وقدمتها له، فعرض عليها شيئاً من الأغراض التي معه، مقابل ما أعطته إياه، فقالت له: لا ثمن لعمل الخير!
مرت الأيام وأصيبت تلك المرأة بمرض عصبي نادر، دخلت على إثره المستشفى وخضعت للعلاج، وكان هناك طبيب منكب بشكل غريب على الإشراف على حالتها، وقام بكل ما في وسعه للعناية بها أملاً في شفائها، وبعد شهرين من العمل الطبي المتواصل، نجح خلالهما هذا الطبيب الشاب في علاج المرض وشفيت المرأة، عندما قرب موعد مغادرتها المشفى، جاءها أحد الممرضين بالفاتورة داخل ظرف، نظرت لزوجها الذي كان خائفاً من الدخول في مشاكل قانونية، بسبب الفاتورة الضخمة المتوقعة.
المرض الخطير الذي أصاب المرأة إضطرها لدخول المستشفى، لكن زوجها متوجس من التكاليف الباهظة، فتحت المرأة الظرف وهي مرعوبة، لتجد فيه العبارة التالية: الفاتورة دُفِعَت منذ سنوات، كأس حليب وقطعة خبز لبائع جائع، نعم طموح رائع أن يبلغ الإنسان أوج سعادته، وإبداعه، وتسنمه مناصب كبيرة، لكن أن تبقى إنساناً بالمعنى، الذي فطرك عليه الباريء عز وجل، فذلك أروع وأعظم درجة، كما أن ألم الفقير لا يعرفه إلا الفقير، عاش العوز!
إعجتني العبارة لأحد القادة الشباب والتي قال فيها: (لكل منا وطنه الخاص، فبعض وطنه الانسانية، وبعض وطنه المذهب، وآخر وطنه القومية، فالوطن الحقيقي هو الذي يعيش فيك لا الذي تعيش فيه)، ولقد تعامل الطبيب الشاب بوطنه الإنساني، حيث قُوبِل إحسان المرأة في الماضي، بأن وجد لها العلاج من مرضها العضال، فما أحوجنا اليوم الى تمكين شبابنا، وإشباعهم بهذه القيم الإنسانية النبيلة، حين تجعل المجتمع يتطور، بعيداً عن إصطلاحات العظمة والتباهي، لكونه طبيباً وهي إمرأة فقيرة!
صور كثيرة تبلورت عند العراقيين بعد عام (2014)، تمثلت في صور التلاحم الوطني بين أبناء العراق، عندما إنبرى الغيارى لتلبية نداء الفتوى الجهادي، دفاعاً عن الأرض والعرض، كما إحتضنت عوائل الجنوب والوسط النازحين، فراراً من بطش الدواعش الجبناء، فالدافع لهذا هو العقيدة التي يمتلكها أبناء الحسين (عليه السلام)، والتمسك بشعاره:(هيهات منا الذلة)، فحفظ حرية وكرامة الإنسان، وعرضه، وأرضه، ووطنه، أروع خير يُقدَم للإنسانية جمعاء بلا ثمن، وهذا وحده زرع جميل.
إشاعة مصطلحات بالعمق الذي طرحه السيد عمار الحكيم، والعاملين معه من الشباب، أظهر مقدرة وعناية فائقة بهذه الشريحة، للمشاركة في صياغة مبادئ إعادة تحديد دور الحكومة،أمثال:(القيادة بدل الإدارة، التمكين من الخدمة بدلاً من مجرد تقديمها،تشجيع المنافسة وليس الإحتكار،تمويل المخرجات وليس المدخلات،تلبية إحتياجات العملاء أي حكومة المكاتب)،ولو عملنا كفريق منسجم، دون أي (إزاحة جيلية) بيننا، مع أنها مصطلح مثير للجدل شديدة، إلا أننا سنحقق ثورة في كل شيء، وسيعيش الوطن فينا لا أن نعيش فيه فقط!

أحدث المقالات