كنت طالباً في أحد المعاهد ببغداد، عشت سنتين وسافرت لها مرات عديدة، في كل مرة اجبر نفسي على إتيان اللهجة البغدادية، من حيث اشعر أو لا، كنت أمرن نفسي دائماً على ترديد كلمات خاصة بالبغداديين أنفسهم، لا أدري ولا أتذكر لماذا؟
آخر سفرة للعاصمة كانت يوم أمس وبصحبة أخي، دخلها من منطقة الزعفرانية وصولا الى الجادرية حيث الجسر ذو الطابقين، هذه المرة أحسست إنها إختلفت عن سابقاتها كثيراً، إنتابني شعور غريب! ماذا لو إرتديت (الشماغ والخاجية الجنوبية)، وبدأت أحاسب نفسي وأنا أسترجع تلك الأيام، التي كنت أخفي فيها ال(جا)! التي يفسرها أحدهم إنها تعني (حبيبي)، في اللغة الآشورية.
قطع سلسلة افكاري سائق التكسي، سائلاً: من أين أنتم؟ أجبته بكل عفوية نحن شروكَ! وأردفت أوه إنك قطعت سلسلة أفكاري، التي كنت احاسب بها نفسي، لم لا أنقل حضارة ال(جا) لأصدقائي في العاصمة، أكملنا طريقنا يتخلله حديث عن تاريخ المعدان وسبب تسميتهم، الذي بدا السائق متعاطف معنا، بعدما اعلمته بأن حضارة الوطن بدأت من تلك الاعواد، حيث القصب والاهوار.
بعدها توجهنا للكاظمية المقدسة، وسائق آخر، الذي ما إن ركبت سيارته أبلغته أننا معدان، الذي لم ترق له فأوضحتها بأننا شروكَ، أحسست بشحوب وجهه، أخذت أشرح له كيف أضيفت أهوارنا للائحة التراث العالمي، وما لهذه الإضافة من أهمية قصوى تعم الوطن.
الرجل بانت عليه معالم الغضب وسأل بتهجم، وما تلك الفائدة التي تتحدث عنها؟! هاجمته واصفا له الفائدة:
* سنتمكن من حماية الطيور النادرة وتكاثرها، عندما تتوفر لها بيئة مناسبة.
* ستصل لقرانا الشروكَية وسائل التعلم المتطورة التي نفتقر لها.
* ستوفر فرص عمل لشبابنا العاطل.
* لا تجفيف لأهوارنا بعد اليوم، بل سيرتفع منسوب مياهها.
* لا تسمح منظمة اليونسكو لأي نزاعات عسكرية في المنطقة،
* سيزداد عدد السواح الأجانب، وستشكل مناطقنا معلما اقتصاديا يضاف للنفط.
وووووو.
أٌوف، أصابني الغرور بعدما حاول صاحبنا تغير الموضوع، قلبت موجتي على حشدنا الشروكَي، وبدأت أوضح له بطولات السيد صالح البخاتي وتضحيات أبو منتظر المحمداوي وصولات أبو زين العابدين الغزي وغيرهم، الذين أستعادوا الأرض التي اغتصبت من قبل الدواعش، وكيف سطروا أروع قصص البطولة والتضحية في سبيل الوطن والدين.
بعدها وصلني اشعار من أخي أن سائقنا من أنفسنا السنة، وقد بانت على محياه علامات الغضب وقد وصلنا منطقة الاعظمية، حينها صرخت عالياً! وإن يكن، ولى زمن تكميم الافواه، وأنا لي
الحق في ابراز هويتي الشروكَية، وإظهار معالم المعدان وتضحياتهم، في جو ساده الصمت والشحوب.
خلاصة القول: ها قد وصلنا مبتغانا، وإذا نحن بالقرب من مرقد أبو حنيفة النعمان، لنتسلق جسر الائمة وصولاً لأبا الجوادين، عندها فتحت باب السيارة وقلت بهدوء تام “الحمد لله الذي لم يجعل أبو حنيفة معيدي”.
سلام.