23 ديسمبر، 2024 8:55 ص

لقاء مع طلاب جامعة في اوربا الشرقية

لقاء مع طلاب جامعة في اوربا الشرقية

بحكم عملي في اوربا لفترة طويلة، التقيت عام 1999 بأستاذ في عاصمة اوربية شرقية ترجم كتاب من سلسلة تحمل اسم (اكبر الطغاة في العالم وكان العدد الأول يحمل اسم صدام حسين) وهو الكتاب الأول من السلسلة، الكتاب متوسط الحجم صدر باللغة العبرية، وترجمه البروفيسور الى الأنكليزية، وتطرقنا الى مواضيع تضمنها الكتاب وفيه اكاذيب واخطاء تأريخية وجغرافية وسياسية عديدة فندتها له بعلمية صادقة، وهناك ايضا حقائق وردت في الكتاب أيدتها لأنها صحيحة. وقال لي وهو على حق في قوله ” لقد ترجمت الكتاب وانا غير مسؤول عما فيه”. فأجبته :أنت على حق، نحن نقول ” ناقل الكفر ليس بكافر”. فأعجبته الجملة ودونها في دفتر صغير يحمله. كما دون تصحيحاتنا عما جاء في الكتاب من تواريخ ومعلومات خاطئة.
تفرع النقاش الى مواضيع عديدة، وتبين انه بروفيسور في أهم جامعة في العاصمة ومن جملة ما قاله انه يأخذ على الإسلام عدة أمور، منها تعدد الزوجات، وإستخدام العنف (الإرهاب)، وإرتداء الحجاب، وامور فرعية مثل الختان، وتحريم أكل لحم الخنزير، فقلت له، يمكننا ان نناقش هذا الأمر من خلال محاضرة مفتوحة مع الطلاب في الجامعة ان أحببت ذلك، ويمكن مناقشة الموضوع معك ومع طلابك ايضا واجراء مداخلات وحوارات مباشرة، فإرتسمت الفرحة على وجهه بهذا الإقتراح، ربما ظن انه سيحرجنا أمام الطلاب، وإننا سرنا بعفوية أو غباء الى الفخ الذي رسمه في مخيلته لنا، او ربما أراد أن يتعرف عن قرب ومن مسلم على الحقيقة.
الحقيقة لا أعرف مغزى ترجيبه في البداية، وظننت ان الإحتمال الثاني هو الأقرب. بعد حوالي اسبوع اتصل بي، وقال لي لقد حددنا موعدا في الإسبوع القادم، فهل يناسبك؟ أجبته نعم، وستكون زوجتي بمعيتي ان وافقتم لأمورتتعلق بالمناقشات، فرحب أشد ترحيب. وقلنا له: هل ترغب ان يكون الحديث باللغة الانكليزية فأنا أجيدها، او اصطحب معي مترجما ليترجم حديثي الى لغتكم الوطنية، فأجاب: ربما بعض الطلاب لا يجيدون اللغة الأنكليزية، وافضل ان يكون معك مترجم.
بعد أن قدمت نفسي الى طلابه ورحبت بهم، قلت لهم سنناقش عدة محاور ونبدأ بموضوع تعدد الزوجات.

تعدد الزوجات
قلنا: ربما تظنوا ان الكثير من المسلمين لديهم أكثر من زوجة واحدة، الحقيقة هي غير ذلك، فهي حالات محدودة جدا قلما تجدها في المدن، بل توجد في القرى وبحالات محدودة، حيث يحتاج المزارعون الى ابناء كثر يساعدوهم في فلاحة الأرض، فنحن عشيرة تتألف من المئات من العوائل لدينا حالاتي زواج متعدد فقط، علما انه في العراق لا يجيز القانون ان يتزوج الرجل من امرأة ثانية إلا بعد موافقة زوجته الأولى.
قلنا للأستاذ والطلاب، لو افترضنا جدلا ان اي منكم تزوج من امرأتين، فهل يمكن مثلا ان يعدل بينهما مائة في المائة، فكان جواب الجميع: كلا بالتأكيد!
قلنا حسنا هذا ما جاء في القرآن، فقد وضع الله شرطا تعجيزيا وهو العدلة بين الزوجات، اي العدالة المطلقة وليست الجزئية، لأنه لم يحددها، فقد جاء في سورة النساء/3، وهذه اسم السورة التي كرم فيها الله تعالى النساء، بجعل كلمة النساء اسما لسورة في القرآن بقوله ((فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)). ويكملها تعالى في سورة النساء/129 ايضا((وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ )). هذا هو موقف الإسلام بمعنى أن تعدد الزوجات أمامه عقبة كبيرة او سُيج بسياج حصين وهو العدالة بين الزوجات، فقد وضع الله شرطا لا يمكن للبشر تحقيقه مهما بلغوا من العلم والأخلاق والإرادة، مثال على ذلك ان النبي محمد نفسه لم يعدل بين نسائه، وفضل السيدة عائشة أم المؤمنين على بقية زوجاته، ورغب أن يدفن في حجرتها، ومات في حضنها، فكيف يستطيع بقية العباد تحقيق العدالة بين الزوجات؟ لذا فالمشكلة ليست في الإسلام، بل في المسلمين الذين تغاضوا عن شرط الرب المتمثل بالعدالة، وقال لهم بصريح العبارة لن تعدلوا.

إرتداء الحجاب
بينا لهم انه من خلال معيشتا في العراق، لم تكن المرأة العراقية تلبس الحجاب أو ما يسمى بعصبة الرأس، بل كنا نراى الراهبات في الكنائس وكبار السن من المسيحيات يرتدين الحجاب او عصبة. الرأس، وعرضنا عدد من الصور عن المرأة العراقية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وصور ارشيفية لخريجي الجامعات من الجنسين، ولم تكن اي فتاة او سيدة ترتدي الحجاب. ومن الناحية الدينية لا يوجد في القرآن نصا يفرض على النساء ارتداء الحجاب، وأصدر الأزهر وهو اكبر مؤسسة اسلامية فتوى بأن الحجاب لم يفرض على النساء، والنساءأحرار في إرتدائه من عدمه، وبفترض عدم تدخل الدولة في ظل الحكم الديمقراطي في اوربا ان تفرض لونا معينا من اللباس على النساء، لأن هذا يخل بالحريات الأساسية وحقوق الإنسان. والآن سأريكم ما جلبته معي، هذا هو الكتاب المقدس المصور، جميع صور السيدة العذراء كما تلاحظون بحجاب، وجميع التماثيل والرسوم والصور في الكنائس لمريم العذراء ترتدي الحجاب، فلماذا لا تعترضوا على حجابها؟ اليس من المفروض ان يقتدي المسيحيون بالنبي عيسى (ع) والسيدة مريم العذراء (ع). ان قلتم ليس باللباس، نقول لكم، لقد أجبتم وانتهى النقاش! مثلما انتم أحرار في عدم لبس الحجاب، فأتركوا غيركم يرتديه، الحرية مكفولة للجميع كما يفترض. هذه زوجتي بينكم سبق ان إرتدت الحجاب ثم خلتعه بإرادتها، عندما رأت انكم تنظرون اليها بإستخفاف وتتهكمون على حجابها، كأنها قادمة من كوكب آخر، وسأسألها أمامكم، هل فرضت عليك لبس الحجاب او نزعه؟ فأجابت: كلا! انا من قررت ارتدائه، وانا من قررت ان أخلعه، بسبب خشيني من مشاكل ربما تحدث معي ولا أقدر ان اخمنها، سيما بعد أن رأيت افلاما، احدهما يولع حجاب امرأة من الخلف بعود ثقاب، وآخر يسحب الحجاب من رأس امرأة بقوة وغيرها، وخشيت ان أمر بنفس التجربة، وربما يتصرف زوجي بعنف نحن في غنى عنه، فقررت ان أساير المجتمع الذي أعيش فيه، وشعرت بأن حالتي النفسية تحسنت بعد خلع الحجاب.

العنف والتطرف الاسلامي
لا أخفيكم سرا، انه توجد في القرآن آيات تحرض المسلمين على العنف لكن ضد الكفار فقط، بإعتبارهم أعداء للمسلمين، وكانوا يؤذون النبي محمد والمسلمين، لذا فالعنف ضد العدو متاح لكل انسان، حتى القانون الدولي يسمح بمواجهة العنف بالعنف. فإضطر المسلمون الأوائل للهجرة الى الحبشة، واهتم بهم النجاشي وهو نصراني، واحتضنهم بعطف كبير، عندما وجد ان دينهم دين الحق، وان أسم النبي (محمد ) ورد أربع مرات، ومرة واحدة بإسم (أحمد). في حين اسم يسوع المسيح (25) مرة في القرآن، واسم مريم العذراء (31) مرة. لكن في الإنجيل ورد اسم (مريم) في سفر متي ولوقا ومرقص (17) مرة، وفي انجيل يوحنا مرة واحدة فقط. فمجموع ما جاء في العهد الجديد (18) مرة فقط. ولدي قائمة بأسماء السور في القرآن، والأسفار في الإناجيل التي ورد فيها اسم مريم (ع).
الإسلام مأخوذ من السلم والسلام، وعبارة (السلام عليكم) هي تحية المسلمين، لم يقولوا (الحرب عليكم)، بل (السلام عليكم). وعرضت بيانات عام 1997 عن الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والمافيات عالميا، وكانت النسبة في امريكا اللاتينية ضعف ما هي عليه في الدول الإسلامية، وقلنا لهم: هل كنتم تعرفون هذه الحقائق، اجابوا: كلا! فقلت: لأن الإعلام الأوربي يركز على الدول الإسلامية فقط. وانتم الطبقة المثقفة في المجتمع لا تعرفون هذه الحقائق فما بالكم بالغير!
لقد استعمرتنا دولكم لعقود، ودفعنا في الجزائر مليون شهيد لخروج المستعمر الفرنسي، ولم نطلق عبارة (الإستعمار المسيحي) بل (الإستعمار الأوربي) لأنه لا علاقة للدين المسيحي المسالم بالإستعمار، خاض الغرب حربين عالميتين بسبب التنافس على المصالح بينهم، واجبروا الشعوب الإسلامية على الدخول في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ودفعنا الملايين من القتلى والجرحى المسلمين، ولم نحمل الدين المسيحي المسؤولية. انظروا الى حالات التطرف الاسلامي وهي تتلخص في تنظيم القاعدة وحزب الاخوان المسلمين والتطرف الإسلامي في ايران، ومن هي الجهة التي تقف وراء دعمهم؟
الخميني مثلا جاء من فرنسا بدعم امريكي، وامريكا واوربا هي من ساعدته على تولي الحكم الاسلامي المتطرف في ايران واسقاط الشاه العلماني. والأخوان المسلمين تدعمهم الولايات المتحدة واوربا بشكل مكشوف، وتنظيم القاعدة دعمته الولايات المتحدة وسلحته ومولته لمحاربة الغزو الروسي لإفغانستان، وكانت تصفهم بالمجاهدين من أجل الحق، ثم انفلتوا من قبضة الأمريكان بعد تحرير افغانستان من الغزو الروسي.
سؤال: اريد منكم أسماء ثلاثة من كبار الطغاة في التأريخ العربي والاسلامي القديم والحديث؟
لم يعرف اي منهم طاغية اسلامي في العهد القديم، وتوقفوا عند الخميني وصدام حسين في الوقت الحاضر (حينها). قلت لهم حسنا سأقرأ عليكم العشرات من الطغاة الأوربيين قديما وحاضرا، وبدأت بنيرون وتوقفت عند هتلر وموسوليني وستالين.
وقلت للبروفيسور هل نستمر بمناقشة بقية المحاور ام ان الوقت لا يسعفنا. فأعتذر بأن الوقت المخصص إنتهى. والحقيقة ان الأستاذ كان فرحا جدا، على العكس مما تصورته، سيما بعد تفاعل الطلاب مع المحاور وكثرة الأسئلة والمداخلات. وقدمت مساعدة البروفسور باقة ورد لزوجتي، ومجموعة من كتب البروفيسور ليٌ بتوقيعه. كانت التفاته رائعة، والتف الطلاب حولنا شاكرين على المعلومات التي لم يكن لهم سابق علم بها، نأمل اننا قد غيرنا بعض الرؤى عند البعض ممن شارك في المحاضرة.
تنويه
توجد بعض المعلومات التي سبق أن دونتها في عملي داخل العراق وخارجه، ولكن من المؤسف ان هذا الكشكول في بلدي الذي لا استطيع ان اخترق جدرانه الولائية، ففرق الموت هي من تحرس سور الوطن، والولي الفقيه هو صاحب الأمر بتحديد المسموح والممنوع دخولهم من العراقيين في الخارج. لذا اعتمدت على الذاكرة فيما سردته، وسنحاول ان نكتب عن أمور أخرى في المستقبل القريب بعون الله.
علي الكاش