صادق الصحن في الاماكن المقدسة تتواجد الارواح والانفس المقدسة، التقينا اول مرة قبل ثلاث سنوات وفي المشاعر الحرام هناك بمكة العظيمة حيث صفاء الروح وسموها ،التقيته ونحن نرتدي العري الدنيوي ،اذ لاملابس ، ولالباس، نحن واهل القبور سواء . مجموعة من البشر ينصهرون في بوتقة واحدة، تذوب فيها كل المميزات ،لافوارق طبقية ولا القاب علمية ، تتلاشى جميع امتيازات المعايير الجسمانية والاجتماعية ،لاشيخ قبيلة ،ولاعبد له او خادم ،رداء ابيض يستر عوراتنا ،متساوون بالاجساد لايفرق بيننا الا زكاة الانفس، سُنّة الهية وشعيرة عظمى، في تلك الليلة ونحن نتسابق مع الزمن ونرتعد شوقا لاداء الشعائر الخاصة بنا نحن اتباع اهل البيت، مشوبة بالخوف وقد تكون مخالفة لقوانين السعودية اذ كان خلاف يوما بالمواقيت، وعلينا ان نكرر الطقوس نفسها فيومين بعرفة ومبيتين بمزدلفة ومنى ورمي الجمرات بالايام نفسها، انا نفسي الى الان لم اعرف اواصدق كيف انجزناها بالوقت نفسه ،اتصور تحتاج الى معجزة، فكانت مع الشيخ روحاني، حيث اشار لنا الكبير الشيخ حيدر الحمزاوي مدير تشريفات السيد السيستاني ابان الاحتلال الامريكي وازمة النجف بان الشيخ جواد روحاني سيكون دليلنا الى مزدلفة وهو داخل الخيمة ،لم نستطيع الانتظار طويلا ،الوقت يداهمنا، الساعة تقترب الى منتصف الليل، والمسافة الى المزدلفة بعيدة ولابد ان نقطعها سيرا وكنت اعتقد نحن بحاجة الى خيل لاتلحق الريح بغبارها في ذاك البلد الصحراوي الذي لايروق لروحي لولا وجود الاطهار فيه . كان الشيخ روحاني مصرا على اكمال حديثة ،ولا احد يستطيع التحدث معه ،الجميع يهابه ،رغم مهابتهم فالشيخ الحمزاوي ورفيقنا الاخر دمث الاخلاق بن عمي الشيخ سعد التميمي وكيل السيد السيستاني بمحافظة الكوت ،لم ينبسو ببنت شفه ،تجرأت ودخلت على الشيخ وبرغم هيبته الكبيرة وبعد السلام قلت (يله شيخنا تأخرنا)قابلني بابتسامة انهالت على قنوات مباسمه كنسيم بارد اشار لي مهدهدا الارض ..استريح وانا بلا تردد امتثلت لامره فوجدته رجلا مهيبا بفطرته صاحب خلق نبيل وعقل راجح وقلب كبير، كانت كلماته تسير مع الدماء باوردتي متجهة نحو القلب ،ومن هنا بدأنا التعارف واتجهنا الى وجهتنا،بهذه الاجواء وانا بين الفينة والاخرى اهز الورد في مرابع جماله ،ممازحا روحه النقية واداعب ذاكرته فيتساقط علينا ثمرا جنيا من ما يحمل ، انتهت الرحلة ،وعاد جسدي الى روحي التي اجبلت على ارض الرافدين ببغداد، فاكتشفت ان لا عن عبث تلقى محبة انسان في قلب انسان ، وان اهم الاهداف السامية التي تريد الشريعة السماوية من هذا التجمع هو التعارف البشري . والاكتشاف الاهم بان صديقي هو سماحة الشيخ اية الله جواد روحاني اعلى الله مقامه هو وكيل السيد السيستاني دام ظله الوارف في اهم عاصمة للتشيع طهران، وهو محاضر سابقا في جامعة المصطفى بقم وعضو اللجنة العلمية فيها!!!
لم ينقطع سماحته خلال ثلاث سنوات فكان سباقا بارسال التهاني والتعازي بجميع المناسبات عبر الواتساب .
وفي هذا اليوم مساء الجمعة رن هاتفي، جواد روحاني يتصل ، سارعت الاجابه بعد التحية والسلام بادرني بسؤال (انتم عادة تزورون الجوادين يوم السبت ام الجمعة؟) قلت ازور لا على التعيين قال (كنت اعتقد هذه الايام فانا موجود بالكاظمية ومعي العائلة وكنت اتمنى اشوفك ) توجهت مباشرة نحو الكاظمية ،واتفقنا اللقاء بعد صلاة العشائين بالحضرة المقدسة ،وبادر الى ذهني ان الشيخ ربما يحتاج الى سكن او جولة في بغداد اجريت اتصال مع الاهل وطلبت منهم التهيؤ لتجهيز بيت عندي ضيف مهم مع عائلته ،واتصلت باحد الاصدقاء لتحضير سايق وسيارة وتفريغ بعض الشخصيات الامنية حماية للشيخ لانه يرتدي العمامة، خوفا عليه من اي اساءة ولو بكلمة من الطارئين على مجتمعنا قارعوا الطبول الذين يقتاتون على فتات فضلات اسيادهم من اكياس قمامة السفارات .
وصلت بالموعد المحدد كان الشيخ ينتظرني ورغم ارتدائي الكمامة وزحمة الزائرين الا ان الشيخ اتجه صوبي بشغف وعانقني بحفاوة منقطعة النظير ،وبنفس الاشارة الى الارض طلب مني الجلوس ،كانت القباب الذهبية تعلونا كجبلين شامخين ونسيم الصحن يقتبس من شباك الحضرة نورا يضيء درب الهداية للزائرين ، الا انني كنت مشغولا بلقائه والعيون روامق مني الى محياه الباسم وبشاشته عند اللقاء وعظيم قدره ،ساعتان مرن كالبرق ،لم يغنوا فيها الا بمكارم الاخلاق والدعاء للعراق ، وهنا استدركت وبادرت بالكلام ،شيخنا تفضلوا معي انتم والعائلة انا بخدمتكم وقد رتبت كل ما تحتاجونه في بغداد، رد علي مبتسما انا بضيافة الشيخ محمد حسن ال ياسين وكيل السيد ببغدادوجميع اموري مرتبه وبعد لقائكم اذهب الى بيت عمتي قرب ساحة عبد المحسن الكاظمي واعود الى سكني وجدولي مزدحم بالمواعيد .انا محتاج اشوفك فقط انا مشتاقلك وها قد تجدد اللقاء بمكان مقدس اخر لنعيد الذكريات ياصديقي ،فمن غير اللائق ان اكون هنا ولم اتصل بكم ،وفي الحقيقة لايوجد في ادواتي وامكاناتي تعبير يليق بوصف هذه المشاعر ابلغ من الصمت وانتهى اللقاء .