في طيّات الخطاب اليومي في العراق بلاد الشام، تتسلّل لفظة “زَلَمَة” إلى ألسنة الناس لتعبّر عن “الرجل”، فيقال: “زلمة كبير”، “زلمة محترم”، وهي تعبيرات تنبض بدلالات القوّة والنضج والهيبة الاجتماعية.
لكنّ هذا الحضور اللافت للفظة يدفعنا للتساؤل: هل “زلمة” لفظة عربية فصيحة؟
بمراجعة المعاجم العربية المعتبرة، لا نجد لهذه اللفظة — بصيغتها الشائعة — ما يدلّ على أنّها من الفصحى المقرّرة في معنى “الرجل”. ويبدو أنها وليدة العامية العراقية و الشامية، التي تعكسان معنى “الذكر البالغ”، وتُوظّف في سياقات تعبّر عن الصفات الرجولية والقدرة على القرار والهيمنة المجتمعية.
وعند الغوص في الجذر اللغوي “زلم”، تتكشّف لنا معانٍ متعددة، منها:
القدح الذي يُستقسم به، والرجل الصغير، والخادم. كما يُطلق على “الزَّليم” الغلام.
وفي الحديث الشريف ورد: “رأى زَلَمًا يَسْتَقْسِمُ بالأزلام”، وقد فُسِّر “الزَلَم” بالرجل، وهو ما يفتح المجال لاستبصار دلالي يوائم بين الفصيح والمحكيّ.
وقد يُفهم من التحوّل الدلالي لهذا الجذر أن “زلمة” ترتبط بالقوة والصلابة، كما ترتبط “الأزلام” بخشب المَيْسِر التي توحي بالصمود والمجابهة.
وهذا الربط يضفي على الكلمة طابعاً رمزيّاً يحمل ملامح الرجولة في سياق اجتماعي ثقافي.
ويذهب بعض الباحثين إلى أنّ أصل اللفظة قد يكون سريانياً أو آراميّاً، وهكذا، تقف “زلمة” على مفترق طرق لغويّ، بين الموروث الفصيح والتطوّر المحكي، محتفظة بسحرها الشعبي ودلالتها الاجتماعية، ومُشكّلة فسيفساء لفظية تتّسع للتأويل والتحليل.