لحظات نزوله من سلم العمارة من شقته الجديدة في الطابق السادس …اختار ان يمشي من السلم الاعتيادي تاركا المصعد الكهربائي لكي ياخذ في سيره النازل وقتا اكبر في الاستذكار وترديد تسبيحاته وتكبيراته التي اعتاد عليها في كل فجر وكذلك وليحرك جسمه بعد اكلة السحور الدسمة التي اعدتها له زوجته …فها هو ينزل السلم بهدوء ليتجه الى الممرات السفلية من المجمع السكني في منطقة ((كندوا الهندية )) تلك البقعة الباردة الجميلة المنعشة الواقعة على هضبة التبت المتعرجة هكذا هو يتحدث عنها منتشيا بها ويقارنها بحرارة مدينته بغداد ودرجاته المرتفعة العالية ….ولكنها بغداده رغم كل شيء….لم تغب عن باله …هي معه اينما حل …وقد تركها مكرها لظروفه الصعبة بها …
وقد أخذته استذكاراته خلال مسيره الى الشارع العام المؤدي الى طريق جامع مولانا يونس القريب من المجمع السكني مارا بحذر شديد اعتاد عليه منذ ان كان في مدينته الاولى فتأخذه حينا مخاوفه القديمة التي كان يصافها في الشوارع والازقة والطرق هناك …او قرب المزابل حين كان يتجه الى جامع محلتهم الصغير في تلك الايام السوداء كما هو يراها اويحسها اليوم حيث اثقلته الذكريات الاليمة فيها وهو يمشي في الفجر الى مسجد هذه المدينة الغريبة بطوله وعرضه مثلما يقال دون وجل اوقلق الى مسجد هؤلاء الغرباء وهو لايعرف حتى التحدث معهم او يرطن لغتهم الغريبة عليه ..ولكنه يريد ان يؤدي تلك الفريضة الجميلة وهذا الطقس الرائع الذي اعتاد عليه منذ نعومة اظافره ووعيه وايمانه بهذه الساعات التي يتجلى بها الخالق على عباده والتي افتقدها هناك في بلدته البعيدة التي اثقلتها االفتنة الطائفية وحروبها الطاحنة ودمرها العنف والخوف والفرقة ومزقها الشتات والعلاقات الغريبة الجديدة وهو الان في بلاد غريبة تتزاحم عليه الحوادث و تتشت في عينه الصور وتتنافر الاشياء وتأخذه العبرات البعيدة وهو في تسبيحاته واستذكاره ودموعه واسترداد مخاوفه وتوقعاته القديمة ..اذ قد يجد جثة مجهولة الهوية مركونة في احد المزابل او ربما يجد شخصا يعرفه او ربتما يعترضة احد القتلة من ميليشيات غريبة قادمة من وراء الحدود فيذهب دمه هدرا مثل الموت المجاني الذي يحصل كل يوم ويسجل ضد مجهول …
وكل شيء يحصل هناك في بلاده البعيدة …للمجهول ….وحتى الجثث تبقى لزمن دون هوية ….وهويستذكر هذه المآسي ..
وتأخذه شهقة اخرى وهويدخل المسجد حين يراه ممتلئا بالمصلين شيوخا وشباب واطفال وربما النساء في موقع اخر من المسجد حين تأخذه الحيرة في السؤال ليستذكر جامعهم حين حاول ان يتم صفا للمصلين في ذلك اليوم البعيد او جامع المحلة الذي يغلق في الفجر انها مفارقة عجيبة ان تجد في البلاد البعيدة البلاد التي لا تنطق لغة القران تراها تلتزم وتودي الفرائض وتمتليء جوامعها هكذا …..وهناك آه من هنالك …وحين كان في حوار مع دواخله كان يستنبط الجواب …انه العنف ذلك الداء السقيم الذي يصنع الموت والخوف والدمار ….وحيرته في تلكالمفارقة العجيبة …وتساؤلاته المتكررة …اليس هذا دمارا للروح وقيم السماء ….اليست هذه العبرة الصارخة دليلا يدوي بافاقنا ….انه الفجر ذلك الفضاء الجميل وخلوة الروح مع الرب وتجليات النفس في حوار الصدق مع الخالق البارئ المصور ….. …ومن اصدق منهم …ومن اصدق من الله قولا …في هذه الساعات ليس ثمة غير الله …هو الحق المبين … وليس ثمة غير الصدق والحق في لغة الفجر …ربما سنعرف معنى الدين الصحيح في عيون هؤلاء الغرباء ….الذين يقرأون القرآن ويعملون به وترانا لم نأخذ منه غير الكلمات والحفظ دونوعي وادراك وحصدنا كل هذا الشر وصرنا نحن الغرباء وهم ابناؤه الحقيقين ….تبا لنا ….ونحن نقرؤه بلغتنا ….