18 ديسمبر، 2024 9:18 م

لغة الطائفية .. من جديد

لغة الطائفية .. من جديد

يبدو أن الأمور تتجه الى التصعيد من جديد وكأن الصورة والذاكرة تعود الى الاعوام السوداء التي مرَ بها العراق من العام 2006 الى عام 2008م نتيجة للمقدمات الخاطئة والتشريعات والسياسات غير المدروسة والاجندة الخارجية التي تتداخل وتتقاطع لتصنع صنيعها البشع في الجسد العراقي المثخن بالجراحات .
وما نريد أن نتحدث ونسلط الضوء عليه هو لغة الطائفية التي يتحدث بها الزعامات والعامة على السواء فالجميع يقول أنه مظلوم والظالم هو الطرف الاخر( عراقي ) ، والجميع يتحدث عن المؤامرة وأطراف المؤامرة هم دول خارجية بمعونة ادوات عراقية ، فالحكومة تقول انها تواجه مخططا لهدم العملية السياسية وما ترشح عنها وترتب عليها من منجزات !! وهذا المخطط يشترك فيه تنظيم القاعدة وزعامات كردية ودول اقليمية لتتحرك الادوات العراقية مترجمةً لهذا المخطط ويربطهم جميعا الرابط الطائفي ..
أما المتظاهرين بزعاماتهم المحلية والمتحدثين باسمهم فيقولون أنهم انتفضوا ليطالبوا بحقوقهم التي حرمتهم منها الحكومة العراقية ، والى هذا الحد وهذا القول فالامور طبيعية جدا ولكن الاشكال والمفارقة الكبيرة في الحديث عن القصة التي تروي حركة الافعى الممتدة من طهران الى بغداد ودمشق ولبنان والتي فرخت باليمن وباضت بالبحرين ونامت في القطيف ويربط هؤلاء جميعا الرابط الطائفي ..
ولابد من الاشارة الى امور مهمة منها : أن التدخل الخارجي الاقليمي واضح في العراق كما تذكر الحكومة العراقية ولكنه ليس كل المشكلة ولا هو اساسها ( حاليا ) فهناك عجز وفشل وهناك محاصصة بنيت على اساس الطائفية ترجع الى الصياغات التي وضعها قانون بريمر وهناك محسوبية وفساد حزبي وصل الى المؤسسات السيادية ومؤسسات بناء الدولة على العموم ، فهل تمت معالجة هذه العاهات لتكون معالجة التدخل الخارجي ايسر واسهل هذا التدخل الذي لا يقتصر على تركيا والسعودية وقطر وغيرها بل وايضا التدخل الايراني الواضح الذي بدأ منذ زمان بعيد سبق كل التدخلات التي ذكرناها وهو يساويها بالقوة ويعاكسها بالاتجاه .
ومن الامورالمهمة أن المظاهرات قد بدأت وكأنها تطالب بحقوق عامة الشعب الذي يعاني  من غياب الخدمات والشلل التام في كل مفاصل الدولة وسوء استخدام السلطة والتشريعات ولكنها تحولت الى عراك إعلامي وشحن طائفي تمثل بالتعدي على شيوخ عشائر من الجنوب والفرات الاوسط  ثم تحول الى تصريحات من هنا وهناك لا تخدم المتظاهرين ولا تحقق اهدافهم التي خرجوا لاجلها ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير بخطبة البدراني في جمعة الرمادي وحديث الافعى الذي تحدث عنه .
من المؤسف أن الوضع العراقي لم يخلق حتى الان انتفاضة حقيقية عند العراقيين كل العراقيين ضد الطائفية وآثارها الكارثية على عموم العراقيين وهم أول ضحاياها وآخر ضحاياها ايضا وضد كل من يدعو الى الطائفية وينفخ بهذا البوق الذي يفتح علينا ابواب جهنم وضد كل من يرتبط بالخارج على حساب مبدأ المواطنة وبناء الدولة ، فهل يعقل أن تحمي ايران الشيعة وهم في العراق وهم قلب العراق النابض وهل يعقل أن تحمي تركيا السنة وهم في العراق وهم صُلب العراق الذي يقوم به ، هذا كله من خيالات الوهم والابتعاد عن الواقع .
ربما عشعش هذا الوهم في اذهان الكثيرين فقد رأيت هذه اللغة التي تطفح بالطائفية في مواقع الفيس بوك ومواقع الرأي وقد قرأت لاحد المع الاعلاميين والذي  طالما نادى بضرورة إبعاد الشعارات الدينية والطائفية عن العملية السياسية وهو يقول أن جيش المختار هو رد طبيعي على التهديدات التي تمثلها القاعدة  والتي تعمل على اساس حرية الذبح واباحة القتل لكنه نسي اوتناسى وجود الدولة ومؤسساتها الدفاعية  والامنية وأن العلاج هو بسيادة الدستور والقانون على الجميع وبناء الدولة المدنية التي طالما نادى بها !! وليس العلاج بوجود الميليشيات والشد الطائفي التي تزرع الفوضى وتخرب البلاد .
يتوجب على العراقيين أن ينفضوا الغبار وينتفضوا ويتركوا ساسة المحاصصة والطائفية ليبنوا ويروجوا ويزرعوا  ثقافة المواطنة وهذا العبء لابد وان يتحمله الشباب المتعلم والاكاديميين والزعماء المدنيين ومن يؤمن بحب العراق ، وليخرجوا بتظاهرات ليس للمطالبة بالخدمات هذه المرة فحسب وإنما لاجل عراق  لايمثل هذا او ذاك ولا هذه المنطقة او تلك وإنما يمثل جميع العراقيين .