نشر موقع كتابات مؤخرا مقالة أثيرت فيها مسألة المطالبة بالحصول على معلومات عن الأسرى العراقيين الذين مازالوا في أقفاص الأسر الإيرانية والعمل على إطلاق سراحهم .وتتناول هذه المقالة ،التي نشرتها جريدة الزمان بطبعتها العراقية ، بالاعتماد على ملفات من وزارة الخارجية العراقية لغاية 2003 جانبا وثائقيا أملا في خدمة هذه القضية التي بدأت محاولات حلها في 8/8/1988عندما توقفت الحرب الدائرة بين العراق وإيران التي خَلفت ضحايا وقضايا متعددة ومختلفة، منها الإنسانية، أسرى ومفقودين ورفات، ومنها السياسية. ولقد ساهمت عملية اللامبالاة الدولية في زيادة النتائج القاسية لتلك الحرب المأساوية التي أدت حسب مقالة جوناثان راندال في كتاب جرائم الحرب /الطبعة الثانية سنة 2007 الصادر عن دار أزمنة، إلى مقتل ما يقرب من (750) ألف جندي إيراني و(250) ألف جندي عراقي عدا الأسرى والمفقودين الذين يقدرون أيضاً بعشرات الآلاف.
وبعد توقف الأعمال الحربية بين البلدين كان من ضمن شروط وقف إطلاق النار إعادة الأسرى إلى وطنهم فوراً إلا أن ذلك لم يتحقق من الجانب الإيراني.
إطلاق سراح الأسرى الإيرانيين
وفي 17|8|1990 أي بعد احتلال الكويت بأسبوعين ، أطلق العراق بقرار من رئيس الجمهورية جميع الأسرى الإيرانيين الموجودين لديه عدا الطيار حسين رضا لشكري الذي أسقطت طائرته الفانتوم وهو يقصف مواقع عراقية في الثاني عشر من أيلول 1980 حيث احتفظت به السلطات المختصة كقرينة تثبت بها أن إيران هي التي بدأت العمليات الحربية أولاً.
وعلى الرغم من أن قرار إطلاق سراح الأسرى الإيرانيين قد قصد منه تطبيع العلاقات مع طهران كخطوة ومبادرة إنسانية على طريق إقامة علاقات حسن الجوار وأيضاً كمحاولة لفك حصار التحالف الأميركي بعد قضية الكويت لكنه فاجأ المعنيين والمختصين العراقيين في الدولة لكونه قد حرم الأسرى العراقيين من المعاملة بالمثل من الجانب الإيراني أولاً وأفقد المفاوض العراقي أوراقه التي يستخدمها للتفاوض من أجل إطلاق سراح الأسرى العراقيين ثانياً. لذا مضت عليهم سنوات طويلة قبل أن يطلق الجانب الإيراني سراح 4000 أسير عراقي في نيسان 1998 مقابل إطلاق سراح الطيار لشكري وتسليم جثمان الطيار محمد نعمتي وإطلاق سراح 65 ضابطاً من اطلاعات الإيرانية ، أي بعد ثماني سنوات من إطلاق العراق الأسرى الإيرانيين وإعادتهم إلى بلدهم. ومع ذلك فقد احتفظت ايران الى سنة 2002-2003 بـ(8925) أسيراً عراقياً بينهم (560) ضابطاً حسب وثائق وزارة الخارجية العراقية في حينه.
الملف الإنساني.. مشاكل ومراحل
ومرت عملية حل مشاكل الملف الإنساني بين البلدين بمراحل صعبة يعيد الكاتب جوناثان راندال( متخصص بقضايا حقوق الإنسان وجرائم الحروب) بعض أسبابها إلى أن إيران ظلت على مدى عقدين تقريباً ( ترفض الالتزام بقواعد الصليب الأحمر الدولي) لسببين الأول (إن الثورة لا تلتزم بأية تعهدات تعهد بها الشاه وأسرته والثاني لأنها غربية ومسيحية وتم تجاهلها باعتبارها غير ملزمة لثورة تشتعل برؤيتها الذاتية الكفاحية الشمولية).
لذا بدأ حل الملف الإنساني على مستوى البحث عن الرفات فقط لضحايا الحرب من الجانبين بعد وقف إطلاق النار. فقد كان العمل يقوم على أن يبحث كل بلد في أراضية ثم تجري عملية التبادل بإشراف مراقبين دوليين تابعين للأمم المتحدة. واستمرت هذه الطريقة لغاية 1998 تمكن الجانبين تبادل (3066) رفاتاً عراقياً و(2420) رفاتاً إيرانيا. وفي 12/4/1998 تشكلت ، لأول مرة لجنة عراقية إيرانية مشتركة للبحث والتقصي عن رفات ضحايا الحرب بتسيير مفارز مختلطة بدأت العمل سوية في قاطع البصرة –الشلامجة ثم توسع العمل ليشمل قاطع العمارة استطاعت تبادل (866) رفاتاً إيرانيا و(1784) رفاتاً عراقياً. وبذلك يصبح عدد الرفات المتبادل منذ وقف إطلاق النار ولغاية 16 آب اغسطس2001 (4850) رفاتاُ عراقياً و(3306) رفات إيراني.
ولقد تغيرت النظرة التي أشار إليها راندال عند الجانب الإيراني نحو العمل على حل الملفات الإنسانية وتطور عمل اللجنة العراقية الإيرانية المشتركة للأسرى العراقيين والمفقودين الإيرانيين إذ لم يبق أسيراً إيرانيا في العراق منذ آب 1990 عدا رافضي العودة ، والسجناء لأسباب تجاوز الحدود العراقية بشكل غير شرعي ، ومهربين تقبض عليهم قوات سلطات الحدود بين الحين والآخر. واستطاعت اللجنة المشتركة تحقيق اجتماعات مهمة في ظل رغبة عراقية شديدة عبرت عنها وزارة الخارجية بمشروع الصفقة الشاملة الذي لم يكتب له أن يرى النور بسبب ضلوع المؤسسات الإيرانية الحساسة في مشروع احتلال العراق بشكل مباشر وغير مباشر على الرغم من الموافقة الشفهية لرئيس جمهورية إيران الإسلامية الأسبق السيد محمد خاتمي التي أبداها للدكتور ناجي صبري وزير الخارجية 2001 – 2003 أثناء زيارته طهران في أيلول سبتمبر سنة 2002.
أهم اجتماعات اللجنة المشتركة للأسرى والمفقودين
وعقدت اللجنة العراقية الإيرانية المشتركة للأسرى والمفقودين ثمانية اجتماعات لعل اجتماع الدورة السابعة الذي انعقد في طهران بتاريخ 24/10/2001 واجتماع الدورة الثامنة الذي انعقد في مبنى وزارة الخارجية ببغداد على مدى عشرة أيام من 8 ولغاية 18/1/2002 ، من أهم الاجتماعات التي ساهمت في وضع خطوات لحل الملفات الإنسانية العالقة بين البلدين من أجل تأسيس علاقات مبنية على حسن الجوار.
ولقد كانت الدورة الثامنة في بغداد هي الدورة الأخيرة قبل الاحتلال وكان الاهتمام العراقي الإيراني واضحاً في ضرورة إنجاحها أكان ذلك من ناحية تشكيلة الوفدين أو من الناحية الإجرائية. فقد ترأس الجانب الإيراني العميد الركن عبد الله نجفي رئيس لجنة الأسرى ، ودعماً لسير المباحثات حضر الدكتور أمير زماني نيا مستشار وزير الخارجية خرازي والمدير العام للشؤون السياسية الدولية في الوزارة حيث ترأس الجانب السياسي في المباحثات. فيما ترأس الجانب العراقي السفير الدكتور فهمي القيسي رئيس الدائرة القانونية في وزارة الخارجية آنذاك ورئيس اللجنة الدائمة لضحايا الحرب ، وشارك بفاعلية ( حسب نص محضر الاجتماعات ) في المباحثات مدير جهاز المخابرات.
وأكد زماني نيا للوزير خلال لقائه الوفد الإيراني بأن (إيران لديها إرادة سياسية لحل هذه المشاكل وصولاً إلى علاقات ذات مستوى متطور مبنية على الموّدة وحسن الجوار في ظل الظروف الدولية والإقليمية الراهنة). في حينه قال وزير الخارجية ، منطلقاً من أهمية وضرورة حل ملف العلاقات العراقية الإيرانية وليس الملف الإنساني فقط ، بأن (العراق يسعى إلى استبدال المشاكل بعلاقات تعاون في جميع الأصعدة بعد أن ننهي هذا الملف ونغلقه خاصة وانه محط اهتمام عشرات الألوف
من العراقيين والإيرانيين إذ لا مصلحة للعراق وإيران الاحتفاظ بمواطني البلد الآخر). لذا ( يجب أن يخرج كلانا رابحاً في هذه المفاوضات). كلام الوزير يعبر عن نظرة عراقية جديدة في علاج المشاكل مع إيران بحيث تخرج إيران رابحة من مفاوضاتها مع العراق الذي يجب أن يخرج رابحاً أيضا. والنظرة هذه تعني الاعتراف بحقوق المقابل مع التمسك بحقوق العراق والعراقيين ضمن إستراتيجية الصفقة الشاملة مع إيران ووضع آليات منفتحة على حل الملفات العراقية عموماً أكان مع الدول العربية أو مع مجلس الأمن وحتى مع الولايات المتحدة التي ظلت ترفض الاستجابة إلى منطق العدل والعلاقات الدبلوماسية المرسومة بموجب القانون الدولي.
إطلاق سراح 697 أسيرا عراقيا
وتحقق في هذه الدورة من اجتماع اللجنة العراقية الإيرانية للأسرى والمفقودين الاتفاق على أن يطلق الجانب الإيراني سراح (697) أسيراً عراقياً بهدف رفع درجة الثقة ضمن إطار الحل النهائي وكخطوة أولى على طريق الصفقة الشاملة لتبادل جميع الأحياء من الأسرى والمفقودين والسجناء لدى البلدين وأن يطلق العراق (50) إيرانيا بينهم (16) محتجزاً سبق وأن رفضوا العودة إلى إيران و(34) سجيناً على أن تتم عملية التبادل في مدة أقصاها ثلاثة أيام ابتداءً من يوم الاثنين 21/1/2002.
وكتبت وزارة الخارجية رسالة إلى ديوان رئاسة الجمهورية في أواخر كانون الثاني2002 تحت عنوان ، العلاقة مع إيران أيدت فيها وجود (قناعة لدى الحكومة الإيرانية مدفوعة بشيء من الإرادة السياسية باتجاه إحراز تقدم في مجال الملف الإنساني). وإن (تكثيف اللقاءات مع الجانب الإيراني.. أثمر عن خلق انطباع ونوع من الثقة لدى الإيرانيين نجم عنه إطلاق سراح هذا العدد من الأسرى العراقيين بعد رفض إيراني استغرق سنوات عديدة وفوّت الفرصة على الأطراف الثالثة التي تستاء من تطور العلاقات بين العراق وإيران).
ولقد غمزت رسالة الخارجية ما أسمته( الأطراف الثالثة التي تستاء من تطور العلاقات بين العراق وإيران) على الرغم من عدم تحديدها من هي تلك الأطراف الثالثة هل هي داخلية في كلا البلدين أو خارجية أم من الجهتين.
انتهت أعمال الدورة الثامنة في 18/1/2002 وأتفق الطرفان على أن تتم عملية التبادل ابتداءً من الاثنين 21/1/2002 كما اتفقا على عقد لقاء حدودي في منطقة المنذرية –خسروي يوم 24/2/2002 داخل الأراضي العراقية ويوم 25/2/2002 داخل الأراضي الإيرانية على أن يتم في هذين اليومين تحديد مكان وتأريخ اجتماعات الدورة الجديدة(التاسعة)للجنة المشتركة. وبإطلاق إيران سراح (697) أسير عراقي يكون عدد الأسرى العراقيين المتبقين لدى إيران (8228) أسيراً.
وكان العراق قد أطلق في 17/8/1990 جميع الأسرى الإيرانيين الذين بلغ عددهم أكثر من (39) ألف أسير سلمت الوجبة الأولى منهم البالغة (1000) أسير عبر منفذ المنذرية ولم تكن ثمة اتفاقات مع الجانب الإيراني على آلية التسليم التي تمت بإشراف الصليب الأحمر الدولي كون عملية الإطلاق من طرف واحد. وبعد عملية الإطلاق هذه لم يتبق أسير إيراني في العراق عدا رافضي العودة وهم قليلون جداً ولقد تعهد الجانب الإيراني بإطلاق سراح الأسرى العراقيين جميعاً لكنه باشر بإطلاق سراح واحداً مقابل واحد ثم اتفقا على أطلاقات لاحقة على وفق اتفاقيات ثنائية لكل حالة مجالها وذلك بعد الاتفاق على إطلاق إيران سراح (4000) أسير عراقي مقابل إطلاق العراق سراح (65) ضابطاً من اطلاعات الإيرانية كانوا قد اعتقلوا في العراق خلال أحداث شعبان 1991. وكذلك إطلاق سراح الطيار حسين رضا لشكري وتسليم جثمان الطيار محمد نعمتي في نيسان 1998.وبلغ عدد الأسرى العراقيين المفرج عنهم لغاية الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق أكثر من (58) ألف أسير بعد أن قضوا ما بين عشر إلى عشرين سنة في أقفاص الأسر الإيرانية على العكس من الأسرى الإيرانيين لدى العراق الذين كانوا يتمتعون بحياتهم الطبيعية في بلادهم طيلة هذه المدة.