23 ديسمبر، 2024 5:56 ص

لعنة ليبيا …. ساركوزي سقوط ما قبل السقوط  الأكبر!؟

لعنة ليبيا …. ساركوزي سقوط ما قبل السقوط  الأكبر!؟

أنها لعنة ليبيا ،فهزيمة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في الدورة الأولى في الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي، واعتزاله الحياة السياسية بسببها ، جزاء بسيط لما يستحقه ساركوزي بعدما اقترفه من جرائم بحق الشعب العربي الليبي ، فاليوم عندما نتحدث عن دور الفرنسيين وتحديدآ دور ساركوزي بما يسمى بالثورة الليبية «المصطنعة» وتزويد ما يسمى بالثوار بالسلاح والمال لاسقاط نظام الزعيم الراحل القذفي ،ً مقابل تعهّدات كاملة للفرنسيين بتفضيل الشركات الفرنسية في مختلف الصفقات التي ستطرحها الدولة الليبية في مرحلة ما بعد معمر القذافي، هي بعض التفاصيل التي نشرها «سيدني بلومنتال» مستشار وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، والخاصة بالإيميلات التي نشرتها وزيرة الخارجية الأميركية سابقاً حول دعم الاستخبارات الفرنسية لـ«ميليشيات» بنغازي في أوائل العام 2011، ومدّهم بالأموال مقابل تعهّد قادة هذه الميليشيات بتفضيل الشركات الفرنسية في مختلف صفقات الدولة الليبية مستقبلاً.

هذه المعلومات كشفتها مجموعة من الرسائل الالكترونية الخاصة بوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون والتي تلقتها من مستشاريها بخصوص الوضع في ليبيا منذ عام 2011، ومفادها، أنّ الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي كانت لديه مطامع في ليبيا، وأنه استغلّ الاضطرابات التي حصلت ضدّ نظام العقيد معمر القذافي لتكريس فرنسا كقوة عسكرية وتحقيق أهداف وطموحات سياسية واقتصادية.

وبيّنت هذه الوثائق التي نشرتها صحيفة «فيتيران توداي» الأميركية بعد أن أفرج عنها من قبل لجنة مجلس الشيوخ الأميركي للتحقيق في الهجوم الذي وقع في بنغازي وقتل فيه السفير الأميركي كريس ستيفنز، أنّ برنار هنري ليفي المعروف بتبنّيه للنظرية الصهيونية وولائه المطلق لـ«إسرائيل» كان مساهماً في خطط ساركوزي لتشريع التدخل العسكري في ليبيا، وأنه ساهم في تشكيل ما سُمّي غرفة عمليات بنغازي، وكان له دور أيضاً في تشكيل المجلس الانتقالي الليبي.
 

فهذه الوثائق التي اختار مستشار كلينتون عنواناً لها: «كيف خلق الفرنسيون المجلس الوطني الليبي؟» أو «عندما تتكلم الأموال»، وتتحدّث بشكل مطوّل كيف أنّ ضباطاً من الاستخبارات الخارجية الفرنسية كانوا قد انتقلوا إلى ليبيا للقاء مصطفى عبد الجليل وعبد الفتاح يونس في شباط 2011، أيّ قبل بداية القصف الفرنسي، وهنا يقول سيدني بلومنتال: «إنّ مجموع هذه التنقلات للضباط الفرنسيين إلى ليبيا كانت تتمّ بتعليمات من الرئيس ساركوزي، وقد تمّت اللقاءات فور انشقاق جليل ويونس عن حكومة معمر القذافي»، ويكمل مستشار كلينتون أنه «خلال اللقاء سلّم ضباط الاستخبارات الفرنسية أموالاً إلى هذين الشخصين لكي يشرفا على المجلس الوطني الانتقالي وعلى العمليات العسكرية ضدّ نظام القذافي.

وحسب الوثائق المنشورة فإنّ «ساركوزي أعدّ وكان يرغب فعلاً بالحرب على ليبيا من أجل أهداف عسكرية، وأنّ برنارد هنري ليفي انضمّ إلى مؤسسة كلينتون خلال الاضطرابات في ليبيا وتمكّن من تأسيس شراكات مع بعض رجال الأعمال الأميركيين في محاولة لفتح أسواق في مرحلة ما بعد القذافي، وبناء على ذلك أرسل سيدني بلومنتال مستشار كلينتون السابق في البيت الأبيض إلى ليبيا، وبدأ بإرسال عشرات الرسائل الالكترونية والمذكرات السياسية والأمنية حول الوضع في ليبيا ابتداء من شهر شباط 2011 وحتى كانون الأول 2012، وهي بالتحديد الرسائل التي تمّ الكشف عنها مؤخراً.

 

وحسب ما اعترف به بلومنتال فإنه قام وبشكل أساسي بإرسال رسائل البريد الإلكتروني إلى كلينتون، والتي تمّ قصّها ولصقها من رسائل وصلته من تايلر درامهيلر وهو من قدامى المحاربين في وكالة الاستخبارات المركزية «سي أي آي» والذي غادر الوكالة في عام 2005 على خلفية معارضته للتلاعب بالمعلومات من قبل إدارة جورج بوش على العراق، الأمر الذي يدلل على احترافية الوثائق وصدورها عن خبير استخباراتي أمضى 25 عاماً في وكالة الاستخبارات المركزية وشغل منصب رئيس العمليات في أوروبا.

وفي إحدى الوثائق يفيد المستشار الاستخباري بلومنتال بأنه «يوم 20 آذار 2011 قال أشخاص مقرّبون من القيادة العسكرية والأمنية الفرنسية والبريطانية إنّ ساركوزي يخطط لأن تقوم فرنسا بقيادة الهجمات ضدّ ليبيا على مدى فترة طويلة من الزمن»، ويشير في تعليقه إلى «أنّ القادة العسكريين الفرنسيين أصيبوا بخيبة أمل كبيرة جراء ما يعتبرونه اختلافات السياسة بين فرنسا والولايات المتحدة والتي منعتهم من المشاركة في غزو العراق عام 2003، ولذلك فإنّ ساركوزي ومستشاريه العسكريين اعتقدوا بأنّ العمليات في ليبيا ستعيد بناء سمعة القوة العسكرية الفرنسية والتي أيضاً تضرّرت بسبب غزو العراق للكويت.
 

وتتحدث الوثائق عن الآلية التي صنع عبرها الفرنسيون المجلس الانتقالي الليبي وأعطيت الوثيقة عنوان «كيف يتكلم المال»، وتنص على أنه «في أواخر شهر شباط عام 2011 بدأ ضباط من الإدارة العامة الفرنسية للأمن الخارجي بسلسلة من اللقاءات مع مصطفى عبد الجليل والجنرال عبد الفتاح يونس الذي أصبح لاحقا قائداً لقوات المتمرّدين في محيط بنغازي بعد أن ترك الاثنان للتو حكومة القذافي حيث كان عبد الجليل وزيراً للعدل ويونس وزيراً للداخلية.

 

وحسب هذه المصادر المطلعة فإنّ «الإدارة العامة الفرنسية للأمن الخارجي أمّنت المال والإرشاد للمساعدة في تشكيل المجلس الانتقالي، وبيّن هؤلاء الضباط إلى عبد الجليل ويونس أنهم يتحدثون بناء على أوامر من الرئيس الفرنسي ساركوزي وتعهّدوا بأنه حالما يتمّ تنظيم المجلس الوطني الليبي فإنّ فرنسا ستعترف به باعتباره الحكومة الجديدة في ليبيا.

وفي مقابل هذه المساعدة أشار ضباط الإدارة العامة الفرنسية للأمن الخارجي إلى أنهم «يتوقعون بأن تمنح الحكومة الجديدة في ليبيا امتيازات إلى الشركات الفرنسية والمصالح الوطنية الفرنسية، ولا سيما فيما يتعلق بصناعة النفط في ليبيا حيث وافق عبد الجليل ويونس على ذلك.

 
وفي الثالث من نيسان 2011 وبعد أسبوعين من ضربات «الناتو» الأولى على ليبيا وقّع المجلس الانتقالي الليبي رسالة أخرى كشفت عنها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية في أيلول اللاحق تقول إنه «وفي ما يتعلق باتفاق النفط الموقع مع فرنسا مقابل الاعتراف بمجلسنا في قمة لندن كممثل شرعي لليبيا فإننا فوّضنا الأخ محمود جبريل بتوقيع هذه الاتفاقية بتخصيص 35 بالمئة من إجمالي النفط الخام للفرنسيين مقابل الدعم الكامل والمستمرّ لمجلسنا» ووفقاً لـ«ليبراسيون» كانت هذه الرسالة موجهة إلى مكتب أمير دولة قطر مع نسخة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية.

وفي دليل آخر على تورّط فرنسا يصرّح مستشار كلينتون في أحد رسائله بأنّ «هناك عمليات توريد لا حدود لها لرشاشات «ايه كيه» والذخائر حتى لأنظمة «زد اس يو 23 4 و23/2» وتقوم القوات الخاصة المصرية والبريطانية والفرنسية بتدريب قوات المتمرّدين غرب مصر وإلى درجة محدودة في الضواحي الغربية من بنغازي، وفي نيسان 2011 تحدث بلومنتال عن وصول مستشارين عسكريين بريطانيين إلى ليبيا ما سمح لفرنسا وبريطانيا الاستفادة من معلومات أفضل، إلا أنّ المجلس الانتقالي الليبي كان قلقاً لأنّ فرنسا وبريطانيا لم تبديا رغبة في تقديم دعم كاف لتحقيق التغيير وقال: «إنّ الليبيين كانوا يشعرون بالمرارة على وجه الخصوص من الموقف الفرنسي نظراً إلى أنه وفي وقت مبكر من التمرّد التقى ضباط من مجموعة العمل في جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية مع قادة المتمرّدين وشجعوهم على الانتفاض ضدّ القذافي مع إعطائهم وعوداً بتقديم المساعدات الفرنسية مع بدء القتال.

 

وعنون بلومنتال إحدى رسائله على الشكل التالي: «رجال الأعمال الفرنسيون لصوص إنسانيون» وذكر في مضمونها أنه في منتصف شهر نيسان عام 2011 بدأ سلاح الجو الفرنسي عملية منظمة بالتعاون مع وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية بجلب الإمدادات الطبية والإنسانية الأخرى إلى بنغازي باستخدام الطائرات المدنية، لكن هذه الرحلات أحضرت في الوقت نفسه ممثلين عن كبرى الشركات الفرنسية بالإضافة إلى مسؤولين من المديرية العامة الفرنسية للأمن الخارجي، وكلّ هؤلاء كانوا يتطلعون لتأسيس علاقات عمل مع قادة المجلس الانتقالي وكانت الطائرات الأولى تقلّ مسؤولين تنفيذيين من شركة «توتال» الفرنسية للنفط وشركة «فينشي» للبناء وشركة الدفاع الجوي والفضاء الأوروبية «ايادس»، وكانت الطائرة المستخدمة في الرحلة مقدّمة من شركة «ايرباص» التابعة لشركة «ايادس»، كما حضر ممثلون لشركة «تاليس» العملاقة بالإضافة إلى شركات فرنسية كبرى أخرى، وكلهم كانت لهم صلات وثيقة مع حكومة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي.

وتؤكد الوثائق أنّ هنري ليفي عاد في زيارة ثانية إلى ليبيا وحصل على توقيع القادة المناسبين للمجلس الانتقالي حول مذكرة تفاهم تعزز على أرض الواقع حصول الشركات الفرنسية على تقدير خاص في كلّ القضايا التجارية، وتشير إحدى الوثائق إلى أنّ هنري ليفي أخبر قادة المسلحين في ليبيا أنّ توقيع العقود معه سوف يرفع عنهم شبهة العداء لـ«اسرائيل» والتي تسبّب عراقيل لسياسة ساركوزي المنفتحة تجاههم، وهنا سمع منهم كلاماً واضحاً: «نحن نركز تماماً على قتال قوات القذافي وأولاده وقد سمحنا للبحرية الإسرائيلية في بداية الثورة بدخول ميناء طبرق.

 

ختاماً، وحسب الوثائق فإنّ هنري ليفي استخدم مكانته كصحافي لتوفير غطاء لأنشطته رغم أنه كان يعمل بناء على أوامر مباشرة من ساركوزي حيث اشتكت الاستخبارات الفرنسية وضباط عسكريون ليبيون من أنّ هنري ليفي يعامل كـ«هاو يتمتع بمزايا كبيرة» ولكنهم أقروا بأنه فعال جداً في التعامل مع «المتمرّدين» ويحمل ثقة ساركوزي الكاملة، ووفقاً للوثائق فإنّ ساركوزي كان يفاخر بأنه لولا الدعم الفرنسي لما كانت هناك «ثورة ليبية» وبأنّ على حكومة المجلس الانتقالي الوطني أن تظهر بوضوح إدراكها لهذه الحقيقة… واليوم بدورنا نقول أن ساركوزي يستحق هذا العقاب ،فمكانه المستقبلي الوحيد هو وكل أمثاله معروف للجميع.