عادةً ما تتطلع الدول إلى رفع المستوى المعيشي لأفرادها من خلال تحسين المدخولات الشهرية لمواطنيها وخاصةً شريحة الموظفين على إعتبار إن دخل الموظف محدود في كل الأحوال وغير قابل للارتفاع المفاجئ .
ولكي تحافظ الدولة على استقامة الموظف وديمومة نزاهته ، فلابد أن تكفل ثبات الراتب الشهري وتحسينه قدر الإمكان وعدم المساس به ، لما له من انعكاسات جانبية لها تأثير مباشر على مفاصل الدولة ، بل والحياة الاجتماعية برمتها .
فالموظف هو الحارس على المال العام وحاميه الأول من العبث والتلاعب به وإهداره ، وهذا يؤدي إلى المحافظة على اقتصاد البلد ، من خلال عدم تفشي الفساد وسرقة المال العام .
بينما في العراق هنالك لعنة حلت بأصحاب الرواتب التي تجاوزت المليون ونصف المليون دينار ، فقد عمدت الدولة إلى إتخاذ إجراءات قاسية بحق هذه الشريحة من الموظفين ، من خلال
1- حجب البطاقة التموينية عن الموظف وجميع أفراد عائلته لبلوغ راتبه مليون ونصف المليون دينار ، فما علاقة الراتب الذي يتقاضاه الموظف والذي يعتبر أجر له
مقابل الأعمال التي يقوم بها في وظيفته ، بحصته وأفراد عائلته الشهرية من المواد الغذائية ، وماذنب أفراد أسرته بهذا الإجراء أليسوا عراقيين ولهم حقوق ، أم تحول الراتب من استحقاق شخصي إلى منحة ومنّة ، في حين إن هناك بعض شرائح الشعب من أصحاب الأعمال الحرة يتجاوز دخلهم عدة ملايين من الدنانير شهرياً لم تحجب عنهم البطاقة التموينية .
2- إن أبناء الموظف الذي اصابته لعنة الراتب غير مشمولین بالمنح الدراسية التي تمنحها الدولة للطلبة بسبب راتب والدهم ، وكأن هذه المنحة هي منحة عاطلين عن العمل ، وبذلك فقد هذا الطالب ميزة إنه طالب عراقي اسوة باقرانه .
3- ضريبة الدخل التي تفرض على الراتب الشهري ، حيث يستقطع مبلغ من المال في كل شهر من الراتب تحت عنوان ضريبة الدخل والتي تشكل عبئ آخر يثقل كاهل الراتب.
في حين إن الدولة لم تأخذ بالحسبان إن الموظف لم يبلغ هذا الحد أو المستوى من الراتب ، إلا بعد أن أفنى سنوات طوال من عمره في الخدمة العامة ، وتحمل أعباء سنوات عجاف مرّت بهذا البلد ، كان الموظف وأفراد عائلته يأن تحت وطأتها ، حينما كان راتبه بضعة آلاف من الدنانير لاتكفي لشراء الدقيق أو كيلو من اللحم أو سعر وصفة طبية واحدة ،
ولم تحتسب الدولة للموظف خدمة جهادية عن تلك الفترة ، ولم تميزه بأي مميزات أخرى تعويضاً له عن فترة الجوع والحرمان التي عاشها الموظف .
كما أغفلت الدولة الوضع المعيشي العام للموظف في الوقت الحالي ولم تهتم إلا بالاستقطاعات التي فرضتها على راتبه من حيث :
1- لم تضع الدولة في حساباتها بدل إيجار الدار للموظف وعائلته وإن متوسط أسعار الإيجارات اليوم يصل إلى مئات الآلاف من الدنانير ، وخاصة إن الدولة العراقية الحديثة حرمت الموظف من منح توزيع الأراضي السكنية والدور ، إلا عن طريق الاستثمار وكأن الموظف تاجر في السوق الحرة ، ولم تضع في حساباتها أي الدولة إنه يستحيل على الموظف اليوم ووفقاً للأسعار السائدة أن يستطيع شراء عقار .
2- لم تضع الدولة نصب عينها أجور الكهرباء الوطنية التي هي في تزايد مستمر ، وأجور كهرباء المولد ، وأجور المحروقات الأخرى للإستخدام المنزلي والشخصي وغيرها .
3- الخدمات الصحية التي تعجز الدولة عن توفيرها ، وتغطية البسيط منها ، فكيف الحال إن كان أحد أفراد الأسرة مصاباً بمرض مستعصي أو مزمن ، والتي تشكل جانب مأساوي آخر يرمي بظلاله على راتب الموظف .
ناهيك عن المصاريف الأخرى مثل مصاريف النقل والمواصلات ، وصرفيات الأطفال التلاميذ ، وشراء المناهج الدراسية لهم والقرطاسية وغيرها الكثير .
إذن أين المادة 30 من الدستور العراقي والتي نصت على
(تكفل الدولة للفرد والأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الإجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم )