22 نوفمبر، 2024 5:11 م
Search
Close this search box.

لعنة الذهب الاسود – 26 – ألأحداث في كركوك-1

لعنة الذهب الاسود – 26 – ألأحداث في كركوك-1

أثناء إحدى مناقشاتنا مع الزملاء من الضباط المهندسين في معسكر الإخلاء حول أسباب هذا الحرب الضروس، قلت بأنّ هذا الحرب وقعت بسبب نقطة على حرف ! تسأل الزملاء عن معنى قولي، فقلت بأنّ قيادة حزب البعث العربي الإشتراكي برئاسة صدام حسين رفعت شعار ” نفط العرب للعرب ” أما الدول الإستعمارية الغربية فأنّهم يؤمنون بشعار ” نفط العرب للغرب “، فلولا هذه النقطة اللعينة عل حرف العين في كلمة “للعرب” ولولا الذهب الأسود المخزون في باطن أراضي العراق لما حدثت هذه المآسي والأحداث.

بعد ساعتين من رحلتنا نحو المجهول وصلت الحافلة إلى مجمع الحافلات في قضاء سامراء،وكان زميلا الرحلة صائمين فأغتنمت فترة إنتظار الحافلة التي ستقلنا إلى مدينة تكريت وتناولت وجبة خفيفة من الطعام في المجمع.

بعد فترة قصيرة من الإنتظار أستقلنا حافلة قديمة متجهة إلى مدينة تكريت ، وبعد الإستفسار في المدينة عن موقع مخيم اللاجئين الفارين من مدينة كركوك أستقلنا سيارة أجرة واتجهنا نحو المخيم.

كان المخيم عبارة عن عشرات من الخيم الصغيرة المنصوبة على جانبي إحدى الطرق وكانت كلها خالية من ساكنيها وأعلمنا سائق سيارة الأجرة بأنّ جميع العوائل قد تم نقلهم إلى مبنى مركز الشباب المجاور بسبب سوء الأحوال الجوية.

بعد أن دلفنا إلى داخل المبنى لم نعثر على أحد من افراد عوائلنا هناك، وكان عدد العوائل المتواجدة هنالك قليلا وتلاشى هذا البصيص من الأمل.

بعد التداول مع الرائد المهندس فكرت وزميل الدراسة فريق عباس أستاذ اللغة الأنكليزية في جامعة المستنصرية قررنا الإنتظار في الطريق العام المتجه نحو مدينة كركوك لعلنا نحظى بواسطة تقلنا إلى المدينة.

كانت فترة الإنتظار هذه فترة عصيبة وطويلة فبالإضافة لحالتنا النفسية القلقة فإنّ زخات المطر وتيارات الهواء البارد كانت تصفع وجوهنا وأجسامنا بقسوة متضامنة مع الجو المأساوي لذلك اليوم، ولم نجد في ذلك العراء الموحش سقفا يحمينا من غضبة الطبيعة.

بعد ساعة من الإنتظار اليائس أتجهنا مشيا نحو نقطة السيطرة العسكرية التي تتواجد في مداخل ومخارج جميع المدن العراقية والتي كانت تبعد بحوالي كيلومترا واحدا عن موقعنا السابق وهنالك أحتمينا بسقف المبنى من غضبة الطبيعة ألأم.

عندما بلغت الساعة الثانية ظهرا وقفت شاحنة عسكرية روسية الصنع من نوع “إيفا” في نقطة السيطرة وترجل منها نائب ضابط للإستفسار عن موقع قناة ري كركوك التي كانت القطعات الخلفية للجيش محتشدة بالقرب منها وكان هذا الموقع على مشارف مدينة كركوك ويبعد عن مركز المدينة بحوالي عشرون كيلومترا.

أغتنمت هذه الفرصة السانحة وطلبت من نائب الضابط أن يقلنا معهم إلى كركوك، ونظرا لإمتلاء المقعد الأمامي الوحيد في الشاحنة بمرافقي نائب الضابط وافقنا على الجلوس في الحوض الخلفي للشاحنة والذي كان يفتقر لأي غطاء واقي.

كنت في ذلك اليوم لابسا معطفا شتويا أزرق اللون فوق ملابسي العسكرية بحيث كانت رتبتي العسكرية مخفية عن الأنظار، فظن نائب الضابط المسؤول عن الشاحنة بأنّي أحد الجنود الذين يرومون الإلتحاق بوحدته العسكرية في كركوك.

أما زميلي الرائد المهندس فقد كان يرتدي ملابس مدنية كذلك كان الزميل الآخر الاستاذ في الجامعة.

أثناء صعودنا إلى الحوض الخلفي للشاحنة العسكرية التحق بمجموعتنا جنديان تركمانيان من أهالي كركوك وكان هدفهما مماثلا لهدفنا وكانت لهم معرفة سابقة بالرائد المهندس فكرت.

المفاجأة كانت بإنتظارنا بعد تسلقنا الحوض الخلفي للشاحنة، لقد لاحظنا بأنّها مملوءة بأكداس من قنابل المدفعية والهاونات ومختلف العتاد الحربي كطلقات البنادق والقنابل اليدوية، ولكن لم يكن لنا خيار غير الجلوس فوق هذه الكومة من العتاد الحربي الذي يكمن فيها الموت والنيران التي ستصب على مدينة الذهب الأسود عند بدء الهجوم عليها لإنتزاعها من قبضة المعارضة الكردية التي أحتلتها في غفلة من القدر.

أستغرقت رحلتنا العجيبة هذه ساعتان كانتا من أحلك ساعات التي عشتها أثناء تلك الحرب، فزخات المطر أزدادت عنفوانا والرياح الباردة صارت أشد قسوة وسكاكين القلق كانت تُزيد من وضعنا المأساوي وكل هذا ونحن جالسون فوق كومة الموت التي قد تنفجر بأية شرارة عمياء من برق.

بالرغم من هذاالوضع الذي لا نحسد عليه كنت أمازح رفاق الرحلة قائلا بأنّي لا أستطيع الصبر وأنّي مقبل على إشعال سيجارة ولا أستطيع الإستمرار في هذه الرحلة بدونها.

بعد أن شارفت الرحلة على نهايتها توقفت الشاحنة في ضواحي مدينة كركوك وفي الضفة الغربية من قناة الري ولاحظت في بداية الجسر المقام على القناة نقطة سيطرة عسكرية وعلى جهتي الطريق المؤدي إلى مدينة الذهب الأسود كانت القطعات العسكرية منتشرة فبمحاذاة الطريق أنتشرت وحدة الميدان الطبية وعلى مقربة منها رُصت عشرات المدافع الثقيلة مصوبة فوهاتها نحو المدينة، وفي الجهة المقابلة من الطريق كانت الراجمات موجهة ايضا نحو مدينة كركوك التي كانت غافلة عما يُبيت لها.
كان المنظر مفزعا وايقنت بأنّ مدينتي العزيزة ستُقلَب عاليها سافلها إذا سقطت عليها هذه الأكوام من أسلحة الدمار والموت.

من مسودة كتاب (لعنة الذهب الأسود)

يتبع

أحدث المقالات