23 ديسمبر، 2024 5:56 ص

لعنة الذهب الاسود – 24 – غزو الكويت-3

لعنة الذهب الاسود – 24 – غزو الكويت-3

في اليوم الثالث من الحرب عقد رئيس هيئة المشاريع العسكرية إجتماعا مع الضباط المتواجدين في معسكر الإخلاء في النعمانية وأبلغنا بتوجيهاته وتمت الموافقة في هذا الإجتماع على نقل عدد من الضباط الراغبين من سكنة محافظة ديالى والمحافظات القريبة منها إلى موقع الإخلاء الثاني في ناحية بلدروز التابعة لمحافظة ديالى الواقعة في الجهة الشرقية من العراق.

بناء على طلبي تم الموافقة على نقلي مع عدد من الزملاء الضباط المهندسين، وفي عصر نفس اليوم قررت زيارة عائلتي واهلي في مدينة الذهب الاسود للإطمئنان على سلامتهم قبل الإلتحاق إلى المعسكر الجديد.

بعد التزود بالوقود الذي بدأ يشح في القطر اتجهت بسيارتي نحو مدينة كركوك مارا بالعاصمة بغداد التي تحولت إلى مدينة الأشباح لخلو شوارعها من المارة.

بعد إطمئناني على سلامة عائلتي وقضاء يومين في كركوك التحقت بمعسكر الإخلاء في ناحية بلدروز وكانت الدور السكنية المخصصة لنا من نوع البناء الجاهز أيضا.

استمر القصف الجوي لقوات التحالف وكان رد الجيش العراقي مقتصرا على إطلاق بعض الصواريخ من نوع أرض أرض ( سكود الروسية) على الأراضي السعودية وبعض دول الخليج العربي وإسرائيل، كذلك قامت بعض وحدات من الجيش العراقي بالهجوم على منطقة الخفجي داخل الأراضي السعودية وذلك لإرغام قوات التحالف على ألبدء بالحرب البرية التي كان الرئيس صدام حسين يراهن عليها لتحقيق بعض الإنتصار معتمدا على قوة قواته البرية وخاصة فرق الحرس الجمهوري.

الحرس الجمهوري أحد أفرع القوات المسلحة العراقية وهو يعد أفضلها من حيث التسليح، تألف الحرس الجمهوري العراقي في عقد التسعينيات من فيلقين وكل فيلق يضم ثلاث فرق اي يضم الحرس الجمهوري ست فرق وهي قوات بغداد وقوات المدينة المنورة وقوات عدنان وقوات نبوخذ نصر وقوات النداء وقوات حمورابي.

مكثنا في معسكر الإخلاء لفترة شهر ونيف لا عمل لنا سوى الأكل والنوم وكانت التعليمات من الآمر تنص على عدم لبس الزي العسكري في المعسكر لتمويه الأعداء.

تم خلال فترة الإنتظار هذه تدمير معظم منشآتنا الصناعية وقواعدنا الجوية، ولكن الهجوم البري المرتقب تأخر البدء به وكان هدف قوات التحالف من هذا التأخير تدمير وإنهاك القوات المتواجدة في الجبهة وخاصة قوات الحرس الجمهوري قبل الإقدام على هذه الخطوة، وكانت هذه القوات تفتقر للحماية من قبل الغطاء الجوي العراقي التي تم تدميره في الأيام الأولى من بدء المعارك.

في الخامس والعشرين من شهر شباط من عام 1991 قررت القيادة العراقية الإنسحاب من الكويت، وبدأت صفحة جديدة من الحرب حيث تم قصف وتدمير معظم القوات المنسحبة وساد الإرتباك بين صفوف الجيش العراقي.

قضيت فترة الحرب هذه في معسكر الإخلاء في بلدروز وكنت اقضي إجازاتي في مدينة الذهب الاسود، وفي هذا المعسكر أحسست برغبة عارمة لكتابة هذه السيرة التي سأحاول تكملة أحداثها في الصفحات التالية.

في خضم هذه الأحداث الدامية وأثناء القصف الجوي لمدينة كركوك أنجبت زوجتي في مستشفى صدام ولدا رابعا سميناه أحمد.

في إحدى إجازاتي تركت سيارتي في كركوك لعدم تمكني من الحصول على الوقود وألتحقت بمعسكر الإخلاء بواسطة الحافلة التي كانت مخصصة لنقلنا من من بغداد إلى المعسكر.

بعد قرار الإنسحاب من الكويت وما صاحبه من قصف جوي للآليات والدبابات المنسحبة والخسائر التي مُنيت بها قطعاتنا المنسحبة، تم إعلان وقف إطلاق النار وهكذا أنتهت المعارك التي سُميت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ب “عاصفة الصحراء” وسميت من قبل القيادة العراقية ب “أم المعارك”.

في اليوم التالي من إعلان وقف إطلاق النار سافرت إلى مدينة الذهب الأسود لقضاء إجازتي الدورية مع عائلتي، ألتحقت بعد إنقضائها بمقر وحدتي في بغداد فالحرب وضعت أوزارها والقطعات العسكرية العراقية بدأت بالإنسحاب ورجعت الوحدات المشمولة بالإخلاء إلى مقراتها السابقة.

خلفت هذه الحرب المآساة آلاف القتلى والجرحى وألأسرى وتم تدمير معظم منشآتنا العسكرية والصناعية كما تم فرض حصار إقتصادي وتسليحي على البلد عانى من جرائه الشعب العراقي الأمَرَين.

بعد وقف إطلاق النار بدأت صفحة جديدة من المآسي بعد قيام معظم أفراد الشعب العراقي بإنتفاضة ضد الحكم الديكتاتوري للرئيس صدام حسين وحزب البعث العربي الأشتراكي وسُميت بالإنتفاضة الشعبانية لحدوثه في شهر شعبان من السنة الهجرية.

من مسودة كتاب (لعنة الذهب الأسود)

يتبع