19 ديسمبر، 2024 5:42 م

لعنة الذهب ألأسود-1

لعنة الذهب ألأسود-1

في منتصف ليلة ألخامس والعشرين من شباط عام 1991 وبينما كانت رحى حرب ألخليج ألثانية تدور في وطني أصابني ألأرق، كان صوت ألرعد في ألخارج يدوي كدوي أنفجارات ألقنابل ألّتي كانت تنفجر فوق رؤوسنا منذ شهر ونيّف في سمفونية عنيفة وعارمة، وفي تلك أللحظات لَمْ أستطعْ أنْ أمنع نفسي مِنْ أستعادة أحداث حياتي أمام ناظري، هذه ألأحداث التراجيدية ألّتي أستمرّت أثنين وأربعين عاما.

وممّا زاد في أضطراب تفكيري وأحاسيسي ظروف هذا ألصراع ألدامي مِنْ أجل ألذهب ألأسود ألّذي أحرق ألأخضر وأليابس في منطقة الخليج ألعربي.

لقد أحسستُ برغبة عارمة لكتابة هذه القصّة ألّتي تحكي قصّة إنسان منسي في غياهب الحياة، هذا ألإنسان ألّذي ينتظر نهايته ألمحتومة وألّتي نسميها الموت…….أللغز المُحيِّر ألّذي لَمْ يستطعْ أحد مِنْ فكِّ طلاسمه.

في هذه أللحظات ألمُتَّسمة بألتأمُّل بدأتُ أتسآل لِمَ أشعر بهذه ألرغبة ألجنونية لكتابة هذه ألقصّة؟ هل هي محاولة للخلود؟ ولكنَّ كلكامش حاول قبلي أنْ يُخلَّدَ نَفسَهُ فلَمْ يُفلِح، وباءت محاولات ألكثيرين مِنْ بعده بألفشل أيضا. إنَّنا كبطل ألأسطورة أليونانية سيزيف ألّذي أستطاعَ أنْ يخدع إله الموت ثانتوس وكبّله، مما أغضبَ كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأنْ يَحمِل صخرة مِنْ أسفل ألجبل إلى أعلاه، فإذا وصلَ القِمَّة تدحرجت ألصخرة إلى ألوادي، فيعود إلى إصعادها إلى القمّة، ويظلُّ هكذا حتّى ألأبد، لذا أصبحت هذه ألأسطورة رمزاً للعذاب ألأبدي. إنَّ أشد ما يؤلِم في ألحياة أنَّ ألإنسان يسقط شهيداً عندما يشيخ، فهو كألثمرة ألّتي تحين أوان قطافها عندما تنضج، وألأشد إيلاما مِنْ هذا أنْ تسقط ألثمرة قبل ألنضوج.

بألرغم مِنْ هذه ألأفكار ألّتي راودتني بدأتُ بكتابة هذه ألصفحات، فلعلني أكتشفُ فيها نفسي وأملأ ألفراغ ألّذي أُحسُّ به نتيجة لتعطّلي عن ألعمل بسبب ظروف هذه ألحرب ألمُدمِّرة. كان سبب تعطّلي عن ألعمل أستدعائي لخدمة ألأحتياط للمرة ألثالثة بعد أنْ أكملت ألخدمة ألألزامية عام 1977 كضابط مجنّد في مديرية ألأشغال ألعسكرية وعند نشوب ألحرب تمَّ إخلاء وحدتنا ألعسكرية إلى قضاء ألعزيزية لتقليل ألخسائر في صفوفنا لأنَّ وحدتنا كانت تُعتبر مِن وحدات ألمقر ألعام وليست لها خبرة قتالية ثُمَّ نُقِلتُ إلى منطقة إخلاء ثانية بالقرب مِن قضاء بلدروز. لقد بدأت بكتابة هذه ألقصّة في معسكر ألإخلاء ألثاني، وسأبدأ هذه ألقصّة كما بدأَتْ قصّة كلّ إنسان في غياهب هذا ألكون ألعجيب مِنْ لحظة إطلاق ألصرخة ألأولى….. مِنْ لحظة ألميلاد……

ولِدّتُ في منتصف شهر حزيران مِنْ عام 1949 في مدينة كركوك، هذه ألمدينة ألتاريخية ألّتي تقع في ألشمال ألشرقي مِن ألعراق. تنتصب في مركز مدينتي وعلى ضفاف نهر خاصة صو قلعتها ألتاريخية ألّتي تمتد تاريخها إلى ألفترة ألآشورية، ويُقال أنَّ ألملك ألآشوري ناصربال بنى هذه ألقلعة ألعتيدة بملأ ألمناطق ألمستوية ألمحصورة بين ثلاث تلال بألتراب وأنّه أسْتخدَم ألأسرى مِن بني إسرائيل لهذا ألغرض، ويوجد في ألقلعة مقامات ثلاثة أنبياء من بني إسرائيل، هم دانيال وعزير وحُنين، هذه ألمقامات تغفو بهدوء تحت سقف جامع قديم يُدعى بجامع ألنّبي دانيال، ويحيط به مساكن قديمة لقسم مِن أهالي ألمدينة.

ساكني كركوك يُسمّون ألجهة ألشرقية مِن ألمدينة بقلعتها بالصوب ألكبير وهو في الأصل مدينة كركوك ألقديمة، أمّا ألجهة ألغربية مِن ألمدينة فتُسمّى بألقورية. المجرى ألجاف لنهر خاصة صو يُقسِّم ألمدينة إلى شطرين ويمتلأ ألمجرى بسيول ألأمطار ألّتي تهطل في ألشتاء على ألتلال وألجبال ألمحيطة بالمدينة مِن ألجهة ألشمالية وألشمالية ألشرقية.يرتبط شطرا مدينة ألذهب ألأسود بجسرين مبنيين مِن ألخرسانة ألمسلّحة ويقعان على جانبي ألقلعة ألتاريخية، بألقرب مِن ألجسر ألجنوبي ألّذي سُميَّ بعد مجزرة كركوك ألرهيبة بجسر ألشهداء هنالك آثار جسر حجري قديم بناه ألعثمانيون وكانت تُسمّى بطاش كوبري أي ألجسر ألحجري.بعد إعادة فتح بغداد مِنْ قِبل ألسلطان ألعثماني مراد ألرابع، سيطر ألعثمانيون على مُعظم أنحاء ألعراق ومِن ضمنها مدينة كركوك، وخلال ألحكم ألعثماني للعراق كانت ألمدينة تابعة إداريا إلى ولاية ألموصل، ولايزال مبنى مقر ألجيش ألعثماني قائما ويسميّه أهل ألمدينة بألقشلة وتعني ألمقر ألشتوي ويسمّيه ألبعض أيضا بناية ألسراي، يتميّز هذا ألمبنى بأعمدته ألحجرية ألدائرية ألضخمة وألّتي تسند أقواسا نصف دائرية عند مدخل ألرئيسي للمبنى، أمّا ألجدران ألخارجية على جانبي ألمدخل فهي مُسندة بجدران ضخمة عمودية على الجدار ألخارجي وسطح هذه ألجدران ألساندة مائلة بزاوية تتجه مِن ألأعلى إلى ألأسفل وقد ساعدت هذه ألجدران على صمود ألمبنى ألمكوّن مِن طابقين أمام عاديات ألزمن……يتبع.
من مسوّدة كتاب (لعنة ألذهب ألأسود) للكاتب

أحدث المقالات

أحدث المقالات