(اللعنة لغةً، هي (اللَّعْنُ) الطَّرد وَالْإبعاد من الخير وبابه قطع.
يقال: لا تكن لُعْنَة على أَهل بيتك: لا يُسَبَّنَّ أَهْلُ بيتك بسببك.
وأيضاً من يلعنه الناس لشرِّه.
وقد عرف الإنسان قديماً وحديثاً لعنةً معروفة للجميع، حتى صارت أشهر من نار على علم ألا وهي (لعنةُ الفراعنة)، فصارت أسماً ومسمى لكل منبوذ وكريه تلاحقه الخيبات والويلات أينما حل، سواء كان هذا رجلاً أم أرضاً أو دولة.
ومع توالي الأيام والأزمان والدهور، وعلى غرار (لعنة الفراعنة)، يبدو أننا بصدد الكشف عن لعنة جديدة تصيب الناس، وليس أي أناس، بل هم العراقيين على وجه التحديد، اسميتها (لعنة البابليين)، فهذا البلد الذي يكنى (بوادي الرافدين)، لا ينكف يخرج من مصيبة حتى يدخل في أخرى، ولا تنتهي بأرضه حربُ حتى تبدأ حرب أخرى، وما فتئ العراق والعراقيون يقعون ضحية لتلك الحروب والويلات والمآسي، حتى يخسروا من دمائهم وخيراتهم ومن وحدتهم الوطنية، فلا ينفع معها دفع شر؛ أو جلب خير، فالضرر واقع على الناس لا محالة.
والذي دفعني لكتابة هذه الكلمات، ما يحدث من أزمات متكررة للعراق، وعلى فترات متقاربة جداً، وبوقع يشتد في كل مرة، مخلفاً ورائه مزيداً من الحزن والألم والحسرة في قلوب أبناء (وادي الرافدين)، دافعاً بالكثيرين لكي يتسائلوا، ما الذي يحدث لنا يا إلهي؟!
ولعل من أبرز تجليات الوضع العراقي المتأزم، ما تشهده محافظات العراق من مضاهرات شعبية جماهيرية واسعة على مستوى العراق، دخلت أسبوعها الخامس على التوالي، احتجاجاً على سوء الخدمات الحكومية وانقطاع الكهرباء المستمر في تلك المحافظات، وما شهدته تلك المضاهرات من مواجهات مؤسفة بين القوات الأمنية والمتظاهرين في أكثر من موقف.
أضف إلى ذلك كله، معضلة تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، فبعد انتهاء الانتخابات العراقية، والتي شهدت تزويراً فضيعاً شهد له القاصي والداني، حتى قررت المحكمة الاتحادية العليا، إعادة فرز الأصوات بالطريقة اليدوية, وانتدبت قضاة متخصصين في هذا المجال، بدل الطريقة الإلكترونية الفاشلة التي اعتمدتها المفوضية، وها نحن لا نزال داخل دوامة تشكيل الحكومة منذ 12/5 وحتى تاريخ 9/8 أي بعد 3 أشهر من بدء الانتخابات في حالة هزلية ومثيرة للشفقة لا تحدث إلا عندنا.
في مشهد يتكرر كل 4 سنوات ومع كل انتخابات (ديمقراطية).
ويبدو بأن سياسيينا الأفاضل قد قرروا أن يكرمونا (بعيدية) بمناسبة عيد الأضحى المبارك، واعلان تشكيل الكتلة الأكبر التي سوف تؤسس الحكومة بعد العيد.
يا لها من مهزلةً حقيقية، ويا لها من (لعنة) أصابت هذا البلد وأهله.
ظهر في الفترة الأخيرة، تعليق طريف أراه دائماً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً موقع (فيس بوك)، ومفاد ذلك التعليق، والذي يندرج ضمن ما يعرف بالكوميديا السوداء هو (شاب يقتل امام عائلته ومدير عام دائرة حكومية يسقط صريعا امام باب منزله وصناديق واجهزة الكترونية للانتخابات تحرق واسئلة امتحانية تسرب وتباع بالملايين وعصابات تضرب السيطرات الامنية وتطلق النار على عناصر الشرطة واخرى تخزن السلاح والمتفجرات وسط المدنيين
كل هذا يحدث خلال شهر واحد فقط !
حتى بافلام الاكشن ماكو هيجي شي …الله يستر من الجاي)
فهذا نموذج أمامكم من تململ واحباط شريحة واسعة ومهمة من العراقيين ألا وهم الشباب، فما بالك بالبقية؟!
(بابل) هي تاريخنا وحضارتنا، ونحن أبناء تلك الحضارة العريقة والموغلة في القدم لأكثر من ألفيّ عام؛ ولكن، هل ستنتهي لعنة أجدادنا (البابليين) هذه بحق أحفادهم عن قريب ونخلص من شرها إلى الأبد، حتى نعيش حياتنا باستقرار وأمان كباقي البشر.
أم أن (لحمورابي) و(نبوخذنصر) رأيٌ آخر؟)