إيمان زهرة جميلة منفتحة … امتلأت شبابا واغراء. .. تتحلبها العيون وتتمناها الأفئدة …. ويعرفها اهل الحي جميعا، في مدينتنا، التي تعيش بسلام على ضفاف نهر الفرات. شاب جمالها غيمة … بدت وكانها بدر، نقصت دورته، فاحتاج الى ايام ، ليكتمل عرسه في كبد السماء. اقبل ابوها … احنت السنون ظهره، لاطفها بكلمات متقطعات… تلجلج بها لسانه ، كان يشعر كانه مهزوم تارة ، و مخدوع اخرى … ازلفت الى مخيلته صحراء واسعة ، تملؤها الافاعي ، وتجوبها الذؤبان … تتسع يوما بعد يوم ، وتزداد وحشة ، ورعبا ، بين ابنته وزوجها . تقبلت “ايمان ” كلمات والدها … وابتسمت له ابتسامة الرضى، والحنو عليه … اما والدتها ، فقد تقوقعت امام باب المطبخ ، كانها كومة اثاث قديم … انها تنظر الى ابنتها تارة ، وتديرها اخرى نحو زوجها العجوز ، بعين حيرى. تعتصرها الالام وتخنقها العبرات ؛فهي تريد من ابنتها ان تعود الى احضان زوجها … وترسي سفينتها المضطربة ، وتشد حبال بيتها المنهدم ! فهمت “ايمان ” بنقاءها اباها … وابحرت في افكار والدتها … اخذتها قشعريرة الامومة، عطفا على ولدها الوحيد… ظهر زوجها امام عينيها بصورته البشعة، يمتص النزيف ، ويتلف الخضرة … عرفت اصابعه وجماعته وحزبه -تحت اثواب زاءفة ، وشعارات اسلامية كاذبة- تمتد في الخفاء لتقبض الثمن… تذكرت توسلاتها التي لم تثلم شيئا من قلبه الحجري. .. ومصابيحها التي نفذت زيوتها. .. ظل متبخترا في غابته السوداء، قد خلا من كل القيم، ومن كل رحمة ، ومن كل مروءة ! والرشوة قد ابتلعت الدار ومن فيها … صارت دماء تسري في شرايينه … لقد صار ملوثا، كذابا، سارقا، عميلا للاجانب ايضا. انتفضت الشابة في داخلها … وتفجرت في اعماقها … احرقت جميع اوراق التراجع ، والرجوع اليه … سبحت في بحر انوثتها الضائعه والمهدورة ، فخاطبت والدتها قائلة:-اماه ! *نعم ! -ارجوك ،لا تجبري والدي على حمل المزيد من اثقالي ! *وكيف ؟ ااراك تذبلين ، كزهرة انقطع عنها السحاب ؟ -او تسمين زوجي سحابا ؟! *ولما لا ؟ (هن لباس لكم وانتم لباس لهن ). -ولكنه عار !! اطرقت الام … وتزاحمت افكارها …. ابحرت في بحر حيرتها … ادركت ان اشرعتها ممزقة ، وعاجزة تماما عن الامساك بدفة سفينة ابنتها ، صمتت هنيهة وقالت : -وما يعنيك من امره ؟ فلم يقصر عنك بماكل او بملبس ، يا ابنتي -ان ابنك ، قد صار مدركا ، لم تيتميه بالطلاق ؟ -انا اضحي لاجل نفسي وولدي ، فلا اريد ان اغرس غرسا في دمنه ، فيخرج بذلك نكدا . -لا ينفع الكلام معك ، ولو لم تكوني جامعية لما حز ذلك في نفسي ! -اماه ، واذا اوضحت لك ، وكشفت حقيقة زوجي، فماذا ستقولين ؟ -يا ابنتي ، المراءة هي الضحية لما يفعله الرجال دائما، افهميني كامرأة، رايت وسمعت الكثير في حياتي !! وهنا قطع الصبي حديثهما، الذي عاد توا راكضا، بعد ان صفق الباب الخارجي ، وراءه بشدة مسرورا قائلا -اماه ! -نعم يا حبيبي ! -لقد شاركت اصحابي اليوم في …وهنا قامت ” ايمان ” الشابة الرائعه … تعانق كبد السماء بقامتها الفارعة ، مقبلة ولدها ، كانها نخلة ، مدت سعفاتها الى كل الارجاء … شعرت بشموخ، اخت بيد طفلها الى غرفتها … لكنها احست بان وجه زوجها ، قد ظهر فجأة، متيبسا ، جامدا، محتالا ، كانه افعى سوداء تلتف حول عنقها كالاخرين المظلومين. ودارت الغرفة بها، دورات ودورات، اصفر وجهها، وغيض ماؤه ، ولم تفق من غشيتها الا على ضحكات طفلها الرنانه … انتبهت ، واذا بها واقفة على البساط الاخضر، تنهدت ، وقالت ( لعل الله يحدث بعد ذلك امرا ) ؟!