وأخيراً خرج رئيس الوزراء العراقي بكلمة أو خطاب للشعب العراقي على أثر تداعيات المظاهرات السلمية الواسعة التي شملت عدة محافظات عراقية وما أسفر عنها من أعداد كبيرة من القتلى والمصابين نتيجة إستخدام السلطات العراقية القوة المفرطة إتجاه المتظاهرين السلميين وإستخدام الرصاص الحي لتفريقهم. وَمِمَّا يؤسف له إن رئيس الوزراء في خطابه نسى واقعه وكيفية تنصيبه في هذا الموقع وكذلك تغابى عن إدراك الواقع الفعلي للمشاكل الحقيقية في العراق وكيفية معالجتها جذرياً وفق منظور واضح ومباشر بدون عبارات عامة مبهمة وخادعة عادةً ما يستخدمها السياسيون الفاشلون كما هو الحال لرئيس الوزراء العراقي والذي سنثبت ذلك من خلال إستعراض كلمته المرتبكة واليائسة وكما يلي ، ولكن قبل ذلك لا بد من الأشارة الى إن هناك مفهومَيْن أو مصطلحَين عامَين في السياسة العراقية ينطبقان على كلمة رئيس الوزراء العراقي وهما ” الغباء السياسي ” و ” سياسة الغباء ” :
أولاً: يُشير رئيس الوزراء في بداية كلمته الى ما يلي: ( نحن الآن بين خيارين ؛ خيار الدولة و لا دولة ،، ونحن نريد بناء الدولة ) . الغريب في الأمر إن بناء الدولة يعني إبتداءً بناء دولة مؤسسات وليست دولة إقطاعيات لأحزاب ومليشيات وكيانات ومافيات وشخوص ورموز ومراجع دينية وغير دينية يتحكمون بمختلف مفاصل الدولة ويؤثرون على قراراتها ويتقاسمون موارد العراق لمصالحهم الذاتية. فهل هذا ” العبقري ” حقاً مؤمن بأن العراق منذ عام ٢٠٠٣ ولحد الآن ، والآن تحت قيادته ، هو بلد مؤسسات ؟ وإذا أراد بعض الدلائل من ضمن عشرات الأمثلة نذكره بأن دولة المؤسسات يفترض فيها مؤسسة عسكرية وأمنية عراقية واحدة تخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة دون وجود حرس ثوري عراقي موازي للجيش النظامي وتحت مسميات وقوانين مخادعة لا تنطلي إلا على الأغبياء والجهلة . مثال آخر وهو سيطرة الأحزاب والمتنفذين على إدارة بعض المرافق التي تشكل موارد مهمة للعراق مثل التحكم بالمنافذ الحدودية أو الموانئ أو قطاع النفط أو ،،أو ،،، . ويكفي الإشارة الى إستقالة وزير الصحة وخفاياها ، والأهم من كل ذلك هل يمكن لرئيس الوزراء معارضة ومواجهة ما يُملى عليه من توجيهات وأوامر من روؤس مؤثرة مثل السيستاني أو مقتدى الصدر أو هادي العامري أو قيس الخزعلي أو قاسم سليماني أو على شاكلتهم . كيف يتبجح رئيس الوزراء ببناء الدولة وهو لا يستطيع السيطرة بأي شكل من الأشكال على تصرفات المليشيات المسلحة المنفلتة أو الممارسات العشائرية المتخلفة . فما أدلى به رئيس الوزراء ما هو إلا عبارة عن ” لِعب جَهال “.
ثانياً: تطرق رئيس الوزراء العراقي أيضاً الى رفض مبدأ عسكرة الدولة وعفى عنها الزمن . وهذا التصريح أثبت ليس فقط مبدئ ” غباء السياسة ” وإنما دمجها بمبدئ ” سياسة الغباء ” . يبدو إن هذا المسؤول ” المسكين ” غير مدرك وغير واعي لمدى إنتشار الأسلحة في العراق بين مختلف الفئات أحزاباً ومليشيات وكيانات ومكونات وعشائر وشخوص . فيكفي للدلالة على مدى إنتشار الأسلحة وعدم إمكانية السيطرة عليها تملك مليشيات الحرس الثوري العراقي ( المسمى بالحشد الشعبي ) لمختلف الأسلحة التي تضاهي ما تملكه المؤسسة العسكرية النظامية وبعض من هذه الفصائل تأتمر لقيادات حزبية وقيادات خارجية وتهدد بكل حرية بإستهداف بعض المصالح الأجنبية بمعزل عن سياقات وسياسات الدولة . يضاف الى ذلك لجوء العشائر العراقية بإستخدام الأسلحة البسيطة والمتوسطة والثقيلة في حل نزاعاتها دون أن يكون للدولة أي سيطرة أو موقف . إذاً عن ماذا يتكلم رئيس الوزراء برفضه مبدأ عسكرة الدولة والمجتمع والعراق بمجمله عبارة عن مخزن سلاح منفلت يستحيل نزعه والسيطرة عليه وكأنه يُدير دولة في عالم آخر . أليس ما تكلمت به حول هذا الموضوع عبارة عن ” لِعب جَهال “؟.
ثالثاً: يتكلم رئيس الوزراء بصيغة ” الجمع ” فيقول ” بأننا لا نسكن قصور أو بروج عالية ونسير بدون مواكب ضخمة وطويلة ،،،، الخ “. ولكن هل يعلم هذا المسكين بأن جميع المسؤولين والمتنفذين بالدولة دون إستثناء يتمتعون هم وعائلاتهم حتى الدرجة الرابعة بكل ملذات الحياة من عيش في قصور وفلفل داخل العراق وخارجه ومؤمنين لمستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة بأرصدة نقدية وموجودات عينية قد لا تملكها أنت بهذه الضخامة ولكنك تعلم بها جيداً. فالأفضل لك أن لا تتكلم بصيغة ” الجمع ” ، لأن هذا الأسلوب عبارة عن ” لِعب جَهال “.
رابعاً: يصرح رئيس الوزراء العراقي بأنه ” منذ البداية شرع بإصلاحات إقتصادية وسياسية وخدمية واسعة وذلك من أجل توفير فرص العمل ومحاربة الفقر “. هل يعلم رئيس الوزراء العراقي ( ومع الأسف كونه إقتصادي ويحمل شهادة عليا في الإقتصاد ) بأن معدل البطالة في العراق إستمر بالإرتفاع خصوصاً خلال فترة توليه إدارة الدولة ، وكذلك هل يعلم بأن مستوى الفقر قد إزداد بالرغم من الموارد الإقتصادية الهائلة المتحققة خلال الفترات السابقة وبالأخص خلال الفترة الحالية. أي إصلاح إقتصادي وما زال قطاع الصناعات التحويلية والخدمية في أسوء مستوياتها، وأي إصلاح إقتصادي بوجود هذا العجز الكبير في الميزان التجاري وحتى في ميزان المدفوعات ( لو إستثنينا القطاع النفطي ). كذلك أي إصلاحات سياسية يتحدث عنها رئيس الوزراء وهو يعلم بأنه وُضع في هذا الموقع بناء على إتفاق مشبوه بين كتلتين يقودهما رؤساء مافيات ومليشيات مسلحة ، ومن جلبوه هم من سوف يرفسونه وهو مدرك بهذا الأمر ولكنه يتغابى. فالإصلاحات التي عَبَّر عنها رئيس الوزراء ما هي إلا ” لِعب جَهال ” .
وإلى تكملة موضوع ” لِعب جَهال ” كلمة رئيس الوزراء العراقي في المقالة القادمة.