لم يكن أحد يتوقع أن تنال لعبة الكترونية تفاعلية شهرة مثلما حظيت به لعبة بوبجي التي لاقت انتشاراً وقبولاً واسعاً لدى مختلف الأعمار، ومع انتشارها تصاعدت الأصوات المطالبة بحجب اللعبة في العراق، بحجة أنها تشغل الشاب العراقي عن عمله أو دراسته، والحجب يعني أنك عندما تدخل الى متجر التطبيقات في هاتفك المحمول محاولاً تنزيل اللعبة ستظهر لك عبارة (هذا العنصر غير متاح في بلدك) ، وحتى الآن لم تعلن الجهات الحكومية عن نيتها في حجب أو عدم حجب اللعبة التي باتت معشوقة الجماهير .
ثمة أسئلة كثيرة تبرز من خلال الجدل المثار حول لعبة بوبجي، هل حقاً هي تشغل الشباب العراقي عن العمل والدراسة (هذا إذا كانت الحكومة قد وفرت فرص عمل للعاطلين ومدارس بمستوى مدارس دول المنطقة) ؟ ومن هم المطالبون بحجب ومنع لعبة بوبجي في العراق؟ ولماذا هم منزعجون منها الى درجة أن مسؤولين حكوميين ومحليين خرجوا عن صمتهم وهاجموا هذه اللعبة، فضلاً عن كُتّاب وإعلاميين (تجمعهم غاية واحدة خلف الكواليس) ؟ هل لعبة بوبجي تشكل تهديداً حقيقياً لحاضر العراق ومستقبله؟!
قبل الإجابة على هذه التساؤلات، لنأتِ الى فوائد لعبة بوبجي، سيقول قائل (وهل فيها فوائد؟ ) ، أقول: نعم بالتأكيد، فمنذ انتشارها بين شريحة الشباب والمراهقين في العراق انخفضت بنسبة كبيرة الشتائم الطائفية والعنصرية في مواقع التواصل الاجتماعي، فلم نعد نقرأ في الفيسبوك وتويتر ويوتيوب عراكاً طائفياً وشتائم وسخة وسباباً للأعراض وجدلاً حول قضايا مضى عليها ١٤٠٠ عام، كما لم نعد نقرأ تعليقات تتضمن التباهي بشخصيات حاصلة على لقب (تاج الراس) ونشر صورهم لإغاضة الآخرين بهم والبدء بجدل يشتعل سريعاً بتبادل الشتائم والتهديد بالقتل، فالكل منشغلون اليوم ببوبجي، وكل فريق قد يضم الشيعي والسني والمسيحي والعربي والكردي والتركماني، الكثيرون نسوا في خضم (المعارك البوبجية) عراكاتهم الطائفية التي صدعوا بها رؤوسنا، فاللعبة جميلة وممتعة، ملأت الفراغ في عقول الشباب وهو الفراغ الذي كان يملأه القادة الطائفيون بالفتن والكراهية والحقد .
كلنا نعلم أن (تجارة الدين) في العراق وبعض دول المنطقة تجارة مربحة تدر ملايين الدولارات على بعض القادة والزعماء، وديمومة هذه التجارة تتطلب صناعة شاب عراقي عقله معبأ بالسموم، وذلك من خلال مخاطبته بالخطاب المعتاد (أنت محاط بالأعداء، وهؤلاء الأعداء هم أنفسهم أحفاد الأعداء الذين حاربوا أجدادك منذ العصور السحيقة، عليك ان تتسلح بالحقد، فالحقد أساس عبادتك) !!!
وبدون خطاب الكراهية هذا ستتعرض (المتاجرة بالدين) لخطر جديٍّ بأن تتراجع وتخسر أدواتها (أدواتها هي جمهور الشباب الغاضب المشحون بالحقد والكراهية) .
ومعروف في كل المجتمعات ان المتاجرة بالدين تزدهر وتنمو في المجتمعات الجاهلة المتخلفة، وقد سعى العديد من القادة في العراق الى تكريس الجهل والتخلف في العراق لضمان ازدهار تجارتهم، وقد ساعدهم في ذلك أن أغلب الشباب العراقيين وللأسف لايحبذون القراءة، وإذا أمسك أحدهم كتاباً فهو بطبيعة الحال كتاب يتماشى مع رغبة الزعماء المقدسين والحاصلين على لقب (تاج الراس) ، أي أنه كتاب يحث على الكراهية أيضاً ولايضيف أي عمق ثقافي للقارئ، وفي هذه الحالة لافرق بين أن يقرأ أو لايقرأ، ومن هنا صار الشاب يقضي جل وقته في العراك الطائفي عبر شبكات التواصل الاجتماعي .
ثم جاءت هذه اللعبة المباركة (بوبجي) لتسحر عقول شبابنا وتملأ وقت فراغهم، وانخفض معدل التعصب الطائفي انخفاضاً واضحاً، ما أثار حفيظة القادة الطائفيين وتيجان الرؤوس .
باختصار شديد، إذا كانت لعبة الكترونية تجمع شبابنا على المحبة والصداقة والتعاون حتى وإن كان ذلك في عالم افتراضي، فأهلاً ومرحباً بها، فنحن أحوج ما نكون الى المحبة والتسامح والتكاتف بين أبناء شعبنا، ونرفض أن نصبح مطية يمتطيها المروجون للفتن والأحقاد .
سؤال أخير: بعد كل ما حدث، هل ستحجب الحكومة لعبة بوبجي؟ الجواب: نعم، على الأغلب ستضطر الى حجبها إذا استمر الحال على ما هو عليه، وإذا لم تفعل ستحجبها الدولة المصنعة لها عن العراق، فمصلحة جميع الحكومات ان يبقى العراق مرتعاً للتعصب الطائفي والرجعية والتخلف .