لا أحد يعرف حجم الذي تمر به الأمة العربية من تحول في الأنظمة وولاءات دولية وإقليمية , ولعل ما يحصل بالعراق هو المقياس الذي يؤشر ما على الأرض العربية الأخرى . صبيحة يوم , قبل أكثر من شهر تفاجأنا جميعا أن داعش أحتلت الموصل وخرج رئيس الوزراء يقول إنها مؤامرة وأنا أعرف لاعبيها ولن أُصرح بهم إلا بعد القضاء عليهم , ومع الإنهيار العسكري زحف إقليم كردستان على الأرض ذات الخلاف الشائك والتي سميت الأراضي المتنازع عليها وفق المخطط , مساحة لا تقل عن مساحة الإقليم نفسه , وصرح لاعبون آخرون أن ما يحصل هو إسترداد للشرعية وعودة بالعراق إلى طبيعته التألفية الإنسجامية .
عرفنا جميعا أن هناك تحالفاً بين أطراف متعددة هدفه رفع الضيم والظلم عن العراقيين ,هو بمثابة تصحيح للمسيرة السياسية المشبُوهة بمجملها . ولهذا أُعتبر ذلك باباً من أبواب الفرج ليس للسنة ومن تحالف معهم ولكن للشيعة أيضا ولبعض الوجوه السياسية بل شمل البعض من رجال دولة القانون الطامحين بدولة حقيقية لها وزنها وأهميتها الدولية والإقليمية , على أمل تحقق الخطوة المفاجئة بتغيير المسيرة وإعترافا بالإخوة العراقية خارج الدين والطائفة والقومية , وبذلك يعود البلد لسابق عهده , كبيراً في عيون محبيه , مهاباً من قبل أعدائه , غير أن حسابات البيدر ليست هي حسابات الزرع كما يقول المثل العراقي فقد ضربت داعش بأسس تحالفاتها وأبرمت لنفسها أمارة إسلامية وأصدرت جوازات سفر ودعت المؤمنين بالدين والخلافة إلى الهجرة إلى حيث سيكون بين الحق والباطل شعرة واحدة .
ربما العديد من الذين لا يعرفون التنظيمات الإسلامية على حقيقتها يتصورونها الوجه الحقيقي للإسلام ,كما يحصل هكذا فهم للأجانب ولهذا يجيؤونها متطوعين مجاهدين , ولكن الحقيقة غير ذلك فشتان ما بين النظرية والتطبيق , بل شتان ما في الإسلام من معاني وفيها من كره وحقد لا يعرفه الإسلام , أن البعد بينهما كالبعد بين الأرض والسماء .
من داعش هذه ؟ إنها القاعدة , ومعروف للجميع كيف نشأت وكيف تطورت وكيف تبلورت مرجعيتها . وبقدر ما أستلمت من اليد التي صنعتها ردت الصنيع صفحات بل كوارث , لكن السؤال هل أنقطع الخيط السري بين الأب والإبن , هل أنقلبت على صانعها حقا وحقيقة في سريات صنع الأصنام ؟. لو كان ذلك متحققا فعلا لما رأيناها تتحول من لقيط إلى كيان , وبإسم “الدولة الإسلامية” وتحتل جزءاً مهماً من العراق الذي هو الآخر الوليد لنفس الأب الروحي , ولما رأيناها تصادر حريات الآلاف من المواطنين الأبرياء كونهم غير مسلمين . ولما رأيناها تهدد الوجود الكردي الذي هو الأبن الأكثر شرعية لتلك الإدارة .
في العام 2006 صرحت كوندوليزا رايس ,إننا نسعى إلى نشرالفوضى الخلاقة بين الدول بتفكيك مؤسساتها من خلال إثارة الخلافات العرقية والطائفية والدينية بين أبناء الدولة الواحدة . وسمته التسقيط الناعم من الداخل .
في عالم السياسة لا توجد حسن نوايا , توجد مصالح تستوجب الكفر بل هو الكفر بعينه , لذلك تجري على أرض العراق المبتلى من عشر سنين ونيف لعبة شطرنج ولكن على الأرض .