18 ديسمبر، 2024 7:13 م

لعبة الاختباء في جلباب أردوغان

لعبة الاختباء في جلباب أردوغان

 

يحلو لبعض أتباع حزب الـ”بي جي دي” المغربي أن يعقدوا المقارنات الواحدة تلوى الأخرى ويشبهوا حزبهم بحزب العدالة والتنمية التركي كلما سنحت لهم الظروف بذلك، وتكثر هذه المقارنات وتتزايد حدتها في كل مرة يتم الحديث فيها عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية عن نجاح رجب طيب أردوغان في الانتخابات، في حين أن أوجه الشبه تكاد تكون منعدمة إلا فيما يخص الإسم، إذ أن الفرق بين الحزبين شاسع جدا ولا يسمح بالمرة بعقد أية مقارنة ليس فقط على مستوى البرامج، ولكن أيضا على مستوى السياق والخط السياسي وطريقة التعاطي مع الأحداث والقضايا المطروحة محليا ودوليا.
ويصل هذا التباهي مداه، عندما يجري الحديث عن الإسم والرمز الانتخابي، بحيث يغرق “البيجيديون” في شرح وتفسير معاني ودلالات هذا الإسم وهذا الرمز، وكيف أنهم كانوا السباقين في إطلاقهما على هيئتهم السياسية قبل أردوغان، الرئيس الحالي والفائز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وزعيم حزب العدالة والتنمية التركي، بل إن هذا الأخير، حسب الـ”بنكيران” الرئيس السابق للحكومة المغربية، هو من تأثر بحزبه وأخذه العجب العجاب به مأخذا بعيدا، ما جعله يطلق على هيئته السياسية نفس الإسم (العدالة والتنمية)، ويعتمد الرمز الانتخابي ذاته (المصباح).
فخلافا لحزب العدالة والتنمية التركي الذي كانت ولادته ولادة طبيعية، بحيث خرج من رحم الساحة السياسية كحزب إسلامي ولم يكن شيئا آخر غير ذلك، إذ رغم “تعدد واختلاف الأوعية التي غرف منها، تبقى الرافعة الكبرى التي رفعته إلى السلطة، هي قاعدة إسلامية، قد وعت بيقين أن التمادي بنفس السياسات والوجوه بزعامة مباشرة أو غير مباشرة، ليس من شأنه غير استمرار اشتباك غير قابل للتسوية”، فإن حزب العدالة والتنمية المغربي قام على أنقاض حزب الراحل عبدالكريم الخطيب، أحد أكبر رجالات الدولة المغربية، بعدما خضع في دهاليز وزارة الداخلية ومختبرات الأجهزة الاستخباراتية لعمليات التدجين والتهجين والتلقيح، وقبل ذلك كان بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية قد تكلف بجمع ما تبقى من الشبيبة الإسلامية، عن طريق شيطنة زعيمها ومؤسسها عبدالكريم مطيع الحمداوي الحسني واتهامه باتهامات مختلفة.
ثم إن المخزن لم يسبق أن رخص في المغرب لحزب إسلامي، باستثناء حزب البديل الحضاري، الذي لم يستطع أن يعمر طويلا، إذ سرعان ما تم اتهام أمينه العام ونائبه بالتورط في ما سيعرف فيما بعد بـ”قضية بليرج”، وسينتهي به الأمر إلى الحل.
إن رهان حزب بنكيران على حزب رجب طيب أردوغان، لا ينبع أبدا من كون الحزبان متشابهان أو يشتغلان على نفس البرامج السياسية، بل ينبع من أسباب وخلفيات أخرى تدخل في إطار تلميع صورة الحزب واللعب على ما يمكن أن تقوم به النجاحات التي يحققها رجب طيب أردوغان في بلاد الأناضول من تأثير إيجابي على مستقبل أصحاب المصباح.
وفي هذا الإطار، سبق لمحلل سياسي تركي مقرب من أردوغان أن طرح عليه إثر زيارته لحزب العدالة والتنمية المغربي، سؤالا حول هذا الموضوع وهل سيسلك زعيم الإسلاميين في المغرب نفس مسار حزب العدالة والتنمية التركي أم أن هناك سيناريوهات أخرى ممكنة، فقال “أعتقد أن الأمر يعتمد على شيئين، أولا يجب أن يتحسن مستوى الديمقراطية في المغرب، فمن الضروري أن تتحسن الديمقراطية لكي يتمكن أي حزب من الحكم بشكل فعلي”، مؤكدا أن البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية المغربي ضعيف جدا إذا ما قورن بحزب أردوغان الذي ظل متيقظا وعرف كيف ينال حب وعطف جميع مكونات الدولة التركية بدون استثناء، إذ عمل مثلا على تغيير النظام الصحي تغييرا شاملا عبر توفير أحد أفضل الأنظمة الصحية في أوروبا وبأرخص التكاليف.
إن الفرق بين التجربتين السياسيتين واسع وشاسع جدا، حتى أن المتتبعين والمواكبين لقضايا وشؤون الحركات الإسلامية في العالم العربي يرفضون إجراء مقارنات بين هاتين الهيئتين السياسيتين، على اعتبار أن الأول يشتغل على مستوى إقليمي ودولي وينافس عمالقة الاقتصاد العالمي بينما الثاني لم يستطع بعد أن يخرج من همزاته وغمزاته ولمزاته الداخلية.
لا يهمني في هذا المقام نجاح طيب أردوغان من عدمه فلدي عنه مؤاخذات كثيرة أقلها ما قام به في أعقاب المحاولة الانقلابية الأخيرة عندما زج بعشرات الآلاف (حوالي 160 ألف شخص) من الأساتذة والقضاة والصحفيين في السجون التركية، لكن يهمني الوقوف عند أحد الوسائل والآليات التي يعتمدها المتاجرون بقدسية الدين في المغرب في اللعب على كل الحبال لتغليط الرأي العام الوطني، بحيث يوظفون مثل هذه المعطيات وغيرها في إطارها غير الصحيح وبشكل يثير الدهشة والاستغراب كما لو أنها تدخل في مسمى إنجازاتهم.
فلا يمكن أن نقارن شخصا تحمل مسؤولية عمدة إسطنبول والوزارة الأولى ثم الرئاسة في دولة صنفت ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصاديا في العالم، وحقق ما عجز كبار السياسيين في بلاده عن تحقيقه في مدة وجيزة جدا، بشخص لا يمتلك القدرة حتى على تسيير شخصيته التي يغلب عليها طابع المزاجية والعصبية وبالأحرى حكومة وحزبا سياسيا، بما يوقعه من خصومات لا تنتهي، (وهذا هو ما عجل بإبعاده من رئاسة الحكومة أولا ثم من الحزب ثانيا)، حتى مع أقرب المقربين إليه سواء في حزبه وحركته أو في الحياة السياسية عامة.
فخطابه السياسي، “تغلب عليه الصدامية إلى حد التهور، وهو سريع الكر والفر، وله خلافات حادة مع جل الجماعات والتنظيمات الإسلامية المغربية، بل حتى داخل حزبه وحركته الإسلاموية، فما زال بن كيران محل خلاف، وربما رفض تام لدى قطاعات، خاصة من الذين يتحذرون من رابطة المستقبل الإسلامي التي تمثل المكون الثاني مع جماعة الإصلاح والتجديد”، فليس للرجل علاقة جيدة مع عالم الأفكار تمكنه من بناء خطاب سياسي وفكري متوازن ومتماسك، فهو أقرب إلى نموذج السياسيين الانتهازيين الذين لا يقوون سوى على إثارة الجماهير وتعبئتهم وراء نزواته باعتماد أسلوب التهييج والتحريض لا أقل ولا أكثر.