ما زال الحديث يتضارب ويتناقض حول اليات الإصلاح للعملية السياسية العراقية، مرة من خلال ما يطلق عليه بالأليات الدستورية وأخرى بالتمثيل الشعبي وفقا لمنطق ان الشعب يمثل مصدر جميع السلطات، وثالثة، بمزاوجة واقع العملية السياسية الحالي مع الإصلاح التدريجي، ورابعة، وخامسة .. الخ .
كل من هذه الاليات المقترحة ، تمثل وجهة نظر من يطرحها ، لكن الجميع يعرفون وعلى علم ودراية حقيقية ، بان المتصديين للعملية السياسية قد نجحوا في تحويل العراق الى ساحة لتصفية الصراع الأمريكي – الإيراني، حتى وان رفضت هذه الحقيقة خلال بعض التصريحات التي تسعى الى رمي كرة الاتهام مرة باتجاه واشنطن واحتلالها للعراق وانها من تريد تصفية هذه الحسابات وتعد تغريده ترامب الشهيرة عن احراق القنصلية الإيرانية في كربلاء في ذكرى احتلال السفارة الامريكية في طهران عام 1979 ، الدليل الكافي على السياسة الامريكية الرعناء في حكم الرئيس ترامب بل والكثير من مروجي هذا النمط يتشفون اليوم بمحاكته امام مجلس الشيوخ الأمريكي !!
في المقابل، هناك من يكرر القول بان محور المقاومة في العراق وغيره من الدول يرتبط بالحرس الثوري الإيراني وان الجنرال قاسم سلياني هو الحاكم الفعلي للعراق، وغيرها من الأمثلة التي وصلت الى نجاح سليماني في إعادة خميس الخنجر وغيره من قيادات ساحات الاعتصام الى العملية السياسية التي يراد لها ان تكون بقيادة محور المقاومة ومشاركة الكرد والسنة، وما ذكره امير الموسوي، الدبلوماسي الإيراني السابق في حديث تلفازي ، بان القيادات السياسية العراقي هي من تلح بدعوة الجنرال سليماني للحضور لإيجاد حلول لازمة التظاهرات ، يمثل بلا ادنى شك مقاربة لهذا النفوذ الإقليمي في العراق .
السؤال المركزي الذي يتوجب على جميع القيادات المتصدية للسلطة ان تستمع اليه ، فقط اذا كانت لها عقول يمكن ان تفهم الكلام بلا ان تبح اصواتنا بعد ان بح صوت المرجعية الدينية وهي تدعو للإصلاح، ان الواقع السكاني، والموقع الجغرافي ، يتطلب العمل على ادامة هوية وطنية عراقية خالصة ، تكون ضمانة دستورية لعقد اجتماعي يمنح حق المواطنة افضلية على بقية الهويات الفرعية ، فكاتب هذه السطور مواطنا عراقيا أولا قبل اية هوية فرعية له ، وان هذه الهويات معتبرة اجتماعيا وعرفيا، دون ان تكون لها افضليات سياسية او إدارية بعنوان ( التوازن الوظيفي) .
كيف يمكن تحقيق ذلك ؟؟… لعقلاء القوم واهل الحل والعقد يمكن القول:
أولا: اعتماد مبدأ المواطنة كحق دستوري ثابت واعتبار أي كيان سياسي يتجاوز هذا الحق في برنامجه الحزبي او تطبيقاته السياسية، جريمة مخلة بالشرف، يمكن إقامة الدعوة عليه امام المحاكم المختصة، وتفعيل دور الادعاء العام في هذا المجال، ولا يحتاج ذلك الى تعديل دستوري، بل يتطلب تعديلا في قانون الأحزاب ينص على تجريم الاحزاب التي تتجاوز هذا الحق الدستوري وفق معايير الحكم الرشيد وتطبيقات مهنة الديمقراطية المعترف بها في العهود الدولية التي عدت أحد مصادر التشريع العراقي.
ثانيا : تضمين قانون الانتخابات الذي يشرع حاليا من قبل مجلس النواب فقرة تنص على ان تقدم الكيانات السياسية برنامجا حكوميا ومرشحا لرئاسة الوزراء بوصفه المقترح الأكثر قبولا من الكتل السياسية ، او الذهاب الى مقترح افضل بان يدرج في القانون انتخاب رئيس وزراء مباشرة من قبل الشعب .
ثالثا : حل الخلافات حول القوائم الحزبية او الترشيح المستقل، بدمج كلا الحالتين، وان يترشح حسب الكثافة الانتخابية لعدد المسجلين في قوائم الاقتراع ، أي مرشح باسمه الشخصي مشفوعا بانتمائه الحزبي، او بصفته مستقلا دون الحاجة لتقاسم المناصفة بين القوائم المستقلة وقوائم الأحزاب وتبقى الكلمة للمقترعين، بانتخاب الاصلح الذي يجدونه من المرشحين لكل مائة الف ناخب مسجل في منطقة معروفة بمحلاتها ضمن المدن الحضرية ، او حسب القرى في الأرياف ، تحدد لكل منها مراكز انتخابية محددة، وفقا لنموذج التسجيل على البطاقة التموينية ، كقاعدة بيانات يمكن تدقيقها بانسيابية عالية ضمن برامج فنية معروفة .
السؤال الاخر: لماذا تتأثر منهجية الإصلاح المنشودة بلعبة الأمم، إقليمية كانت ام دولية ؟؟
الإجابة الاوضح ان نتاج أحزاب المعارضة لم تنته الى تكوين أحزابا وطنية بل تواصلت كل حسب اجندته السياسية وعلاقاته الإقليمية والدولية، ومعضلة مفاسد المحاصصة وحكومتها العميقة لها هذه الارتباطات، وما يسود العملية السياسية اليوم لا يمثل المصلحة الوطنية بتعريفها المطلق كمواطنة دستورية، بل كل حسب ما ذكرت من ارتباطات، وان كان الجميع يذرف دموع التماسيح عند سماعه النشيد الوطني العراقي !!
لذلك إعادة تكوين هذه الأحزاب ضمن خطوات مطلوبة، يتصاعد فيها خط الاندماج في تطبيق الالتزامات المقترحة في تعديل قانوني الأحزاب والانتخابات، يمكن ان يتواصل هذا الاندماج الى تكوين ما يطلق عليها تسمية (أحزاب الأغلبية البرلمانية).
عندها ستكون عند قيادة هذه الأحزاب ما يمكن ان تنطلق منه في التعامل مع النفوذ الإقليمي والدولي، بانها تمثل مصالح عقد اجتماعي دستوري قائم على مبدأ المواطنة وينسجم مع شرعة حقوق الانسان، وليس مجرد دكاكين حزبية تفتح وتغلق بأمر هذه الدولة او مخابرات دولة أخرى، وتتنابز بهذه التهم عبر وسائل اعلام أيضا تمول من هذه الدولة او تلك !!
اعتقد مخاض ساحات التحرير اليوم فرضية واضحة وصريحة لتمكين القوى المتصدية للسلطة من إعادة حساباتها، والعمل على تكوين على الأقل أربعة أحزاب تسعى خلال الانتخابات المقبلة لتكوين اغلبية برلمانية، عندها يمكن الغاء ما يطلق عليه بالديمقراطية التوافقية في تشكيل الحكومة المقبلة، والعمل على تكليف الكتلة البرلمانية الأكبر، ريثما يتم إعادة النظر بالنظام السياسي للدولة من خلال تعديلات دستورية جديدة … فهل هناك من يتعظ ام يبقى الجميع يمارس مهمة محامي الشيطان !!