23 ديسمبر، 2024 1:30 ص

السرقة خلق شائن وذميم ، وجريمة خطيرة، لا يتصف بها إلا خسيس الطباع دنيء النفس عديم الرجولة، وهي آفة من الآفات التي تعرِّض أمن الأفراد والشعوب للخطر، وتنشر الخوف والقلق والذعر بين الناس، ولهذا حذَّرت الشرائع السماوية من هذه الخصلة القبيحة وزجرت عنها وعاقبت عليها …
في الماضي كانت هذه الحرفة الممقوتة من الحالات التي يمكن أن توصف بالنادرة أو القليلة الحدوث نسبيا، وكان اللص أو السارق يمارسها ليلا حتى، قيل أن السارق يكره القمر، لأن ضوءه قد يكشفه، كما أن السارق القديم، يضع اللثام على وجهه حينما يمارس السرقة، أضف إلى ذلك إن السرقة كانت مقتصرة على المال والمجوهرات في الغالب…
ومع مرور الزمن تطورت هذه الجريمة وشاعت وتنوعت وتعددت، بحيث شملت كل الممتلكات المادية والمعنوية وغيرها، والخاصة والعامة، الفردية والجماعية، وكثُر محترفوها وصارت تمارس بلا حياء ولا خجل، في النهار فضلا عن الليل، وفي العلن فضلا عن السر، وبلغت هذه الجريمة ذروة خطورتها عندما صارت تمارس باسم الدين ومن قبل من يتلبس بلباس الدين ويشغل اخطر المناصب والمواقع الدينية فصار اللص حرا طليقا ومصونا ومقدسا، وفي هذا السياق يقول احد المفكرين المعاصرين: )هذا هو الداء يسرقون …يسرقون … يسرقون .. يسرقون .. يسرقون ولا يشبعون لماذا لأنهم من مطايا إبليس لان إبليس قد فعل فعله بهم هذا هو عهد إبليس .. إبليس حبب إليهم الدنانير….), ثم يضيف متسائلا: (إذا كان هذا حال رجل الدين المعمم والمراجع فما حال السياسي الذي يتبع هؤلاء والذي يتمثل بهؤلاء والذي يعتبر نفسه الأفضل من هؤلاء الأقل منهم فسادا والأقل منهم شيطينه فماذا تتوقع ان يفعل فعلى الدنيا العفا…)
لم يكتفِ اللصوص عند هذا الحد بل شملت سرقاتهم كل ممتلكات الشعب وأنفسها وأقدسها، فقد سرقوا دينهم واستبدلوه بدين من صنيعة أهوائهم ومصالحهم، دينٌ ما انزل الله به من سلطان، ولم يبعث به نبي…، سرقوا تفكيرهم حتى يبقى الناس في ظلامية الجهل التي يعتاش عليها أولئك اللصوص، سرقوا منهم إرادتهم حتى يبقى الناس فاقدي الإرادة والقرار، لكي يبقى اللصوص في مأمن عن أي رفض أو ثورة تطيح بعروشهم…سرقوا أمنهم وأمانهم ووطنهم …بل سرقوا كل وجودهم….
إنهم لصوص بلا حدود.